كم هو غريب أن نصادف أشخاصا يتعنتون سابحين عكس تيار"التوبة" الذي نتلمسه من الدوائر العليا للجهات الرسمية بالمغرب الكبير، لقد كان الربيع الذي يسمى باطلا "الربيع العربي" و إن اعتدنا أن ينسب بعض الغلاة كل شيء إلى العروبة:ما لها و ما لغيرها،ما يليق بمقامها و ما لا يليق،فمن البديهي أن نسمع البعض يتوهم كون الربيع عربيا ، لقد كان هذا الربيع إذا خريفا لأنظمة بائدة سعت في فساد الأرض طيلة عقود مديدة،و ربيعا مزهرا لحراك و وعي شعبي بضرورة الرجوع إلى الأصل و إحقاق الحق و خلق التغيير.
منذ الثورة المظفرة للتونسيين و شهيدها المشمول برحمة الله "البوعزيزي"،أصبحت كل الطابوهات السياسية محط مناقشة و إعادة طرح رغم أنف الغلاة المتعصبين للرؤية الأحادية للأشياء،فبدأنا نسمع بصوت أمازيغ تونس وامازيغ ليبيا يصدح بكفاحهم لأجل إبراز هويتهم المتجذرة و تصحيح المغالطات و التصالح مع التاريخ الحقيقي و فرض خصوصيتهم التي أتت عليها رياح الناصرية الكاذبة، و ها نحن نسمع كذلك أصواتا تنادي بضرورة التعقل و الرزانة عبر القطع مع التعامل الاستئصالي والأيديولوجية البائدة للقومية العربية و الاعتراف الشجاع و المسؤول و الصريح بكون هوية المغرب الكبير بالمعنى المتداول للهوية – وليس الصحيح- هوية متعددة و مركبة.مواقف لم يستسغها البعض لأنها نزلت كالصاعقة على رؤوسهم لتهدد مصالحهم الزائلة و أساطيرهم البالية.
مع الثورة الحمراء للأشقاء الليبيين،رأينا كيف اغتنم الليبيون فرصتهم التاريخية في التغيير،رأينا كيف أصبح الوعي الامازيغي في هذا القطر المغاربي الذي عانى فيه الامازيغ أكثر من غيرهم و أكثر من أي قطر آخر من جبروت و جور طاغية شاء القدر أن يحكمهم بالحديد و النار لأربعة عقود و يزيد.وعي متجذر استفاد من الحراك الشعبي للأمة الليبية فانتفض الشعب و تحدى السلاح و النار ليقول للعالم أن الجماهيرية عظمى بأحرارها لا ب"فاضحها العظيم" و "عروبتها" الكاذبة. أصبحنا نسمع صوت أمازيغ ليبيا يملأ شتى المدن الليبية و الأعلام الامازيغية ترفع في سماء القطر الشقيق بكل فخر و اعتزاز،أصبحنا نتابع أخبارا بالامازيغية في الإعلام الليبي،أصبحنا نسمع أغان ملحمية تستسلم لها الآذان و هي تغزو الشبكة العنكبوتية،مظاهر كانت بالأمس القريب من المستحيلات.
هذا التطور الملحوظ في الوعي الشعبي بالشق الهوياتي وضرورة مراجعة الأوراق،لم يكن المغرب ليشكل استثناء فيه،فجاء خطاب التاسع من مارس التاريخي لعاهل البلاد ليؤسس للمصالحة مع واقع الأرض و التاريخ و يقر بكون الهوية الامازيغية صلب الهوية الوطنية و بالتعدد اللغوي،و هاهو الدستور الجديد يعترف –على كل حال - بالهوية الامازيغية و يرسم اللغة الامازيغية رغم التطاولات و الضغوطات التي مارستها قوى شوفينية أرادت أن تسبح ضد تيار التغيير الشمولي، فأطلقت العنان لحملاتها التضليلية التهويلية و للتكفير الفكري.نذالة و رجعية ووقاحة سياسوية مقيتة لم تستطع زحزحة القناعة المغربية بضرورة القطع مع الولاء الأعمى للأيديولوجية المشرقية البعثية المهترئة.و ها هو الدستور المغربي يخطو خطوات مقدامة تاريخية و هو " يعترف" بالمكون الامازيغي في الهوية المغربية يجعل من اللغة الامازيغية لغة رسمية ثم يتدارك الخطأ الذي عمر طويلا ليوظف تسمية المغرب الكبير بدلا عن الوصف الاقصائي "المغرب العربي".
لنقل ب بكل صراحة أن الأوان قد آن إذا و أكثر من أي وقت مضى أن يحذو الشعبان الجزائري و الموريتاني حذو أشقائهم المغاربيين ليدشنا مشروع التغيير و القطع مع الأباطيل التي طالما عاشا فيها وفق ارادة طغمة متجاوزة و متقادمة و اعلان التصالح مع الذات ؛ مع التاريخ ومع الواقع المغاربي الجديد.إننا كمغاربيين،نتطلع إلى اتحاد مغاربي حقيقي،متين الأسس و متعدد الآراء و الأصوات،ملؤه التعايش و التسامح و سمو القيم الإنسانية،مغرب كبير نحيا فيه جميعا في كرامة و نصحح ما أفسده عقيد معقد اشترط القومية الضيقة – رغم تحفظ بعض المتفطنين - في تأسيس الاتحاد المغاربي منذ 1989 فحكم عليه بالموت السريري منذ اليوم الأول،و ما أسس على باطل فمآله البطلان،عقيد جنا على مواطنيه كما جنا على جيرانه و أشقائه فمسخ وطننا الكبير و اصطنع أمورا واهية لخلق صراعات مفتعلة مقيتة،رمز لأذناب المستعمر الحقيقيين الذين لم يهتموا يوما لواقع و معاناة المواطن المغاربي بل لزرع الفتنة و التضليل و اختلاق كيانات وهمية في صفوف الشعب المغاربي الموحد.
إن هوية المغرب الكبير لم و لن تكون باللغة أو العرق،إنها هوية الأرض التي لا تنطق لكنها لا تموت،ألم يان لحكامنا،مفكرينا،ساستنا،مثقفينا و عموم شعبنا المغاربي أن يقول بصوت واحد: كفى من المسخ !!! كفى من التثقيف !!! كفى من الطمس !!!هويتنا المغاربية هي الكفيلة بضمان وحدتنا و تماسكنا و تكتلنا !!!لا نريد أيديولوجيات مستقدمة دخيلة،لا للشرقنة و لا للتغريب.لنمد أيدي بعضنا للبعض و نقول معا: عاش المغرب الكبير،عاش الشعب المغاربي العظيم،سحقا لدعاة المسخ و الولاء المقيت لإيديولوجيات غربية غريبة عنا في كل شيء ،و أخرى شرقية تعاني في عقر دارها .
massinedimrane@yahoo.fr
التعليقات (0)