مواضيع اليوم

المغرب :السبحة لاتفارق رئيس الحكومة ...الغايات والدلالات

 

كان الملك الراحل الحسن الثاني لا يخرج للأمة مخاطبا وإلا والسبحة لا تفارق يديه والأكثر من ذلك كان دائم التسبيح ولم يخرج عن هذا العرف العلوي أى ملك منذ تولى أول حاكم علوي زمام أمر المملكة المغربية .
للسبحة دلالة في العرف العام فالمقصود بها التقوى والورع وكذلك الذكر والتسبيح ،يعرف صاحب "قاموس المحيط "بأنها خرزات منظومة في سلك للصلاة والتسبيح وقد دخلت المعتقد الإسلامي، وهى إعانة للذكر ،وتذكير له وتنشيط كما قال صاحب التعليقات على هامش القاموس المحيط.
تعرف السبحة بأنها "سبحة بضم السين و إسكان الباء الموحدة خرزات منظومة يسبح بها معروفة يعتادها أهل الخير مأخوذة من التسبيح والمسبحة بضم الميم وفتح السين وكسر الباء المشددة الاصبع السبابة وهى التي تلي الإبهام وسميت بذلك لان المصلى يشير بها الى التوحيد والتنزيه ".عن كتاب تهذيب الاسماء واللغات للنووى .
وجاء في كتاب المصباح المنير للشهاب الفيومى أن التسبيح معناه التقديس والتنزيه ويكون بمعنى الذكر والصلاة وفي القاموس السبحة خرزات للتسبيح تعد .وفي شمس العلوم يقصد بالسبحة خرزات يسبح بها وجمعها سبح.
وقد تم استعمال النوى أو ما اصطلح عليه بالنوى المجزع وقد اخرج احمد في زوائد الزهد عن القاسم بن عبد الرحمان قال :"كان لأبي الدر داء نوى من نوى العجوة في كيس ،فكان إذا صلى الغداة أخرجهن واحدة يسبح يهن حتى ينفذن "1وروى عن أبي هريرة وعن صفية قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة ألاف نواة أسبح بها .فقال لقد سبحت بهذا ألا أعلمك بأكثر مما سبحت به فقالت :علمني فقال قولي سبحان الله عدد خلقه .
ويقصد النوى المجزع أى النوى المحسن المائل للبياض .وقد تطورت آليات استعمال السبحة فقد روى الإمام السيوطي "أ ن صفية مولى النبي انه كان يوضع له نطع ويجاء بزنبيل فيه حصى فيسبح به إلى نصف النهار ثم يرفع ،فإذا صلى الأولى أتى به حتى يمسي ".
ويروى يونس بن عبيد عن أمه قالت :رأيت ابا صفية رجلا من أصحاب النبي عليه السلام وكان جارنا :فكان يسبح بالحصى ".
أما من العباد فقد ذكرت كتب التاريخ أن الإمام الجنيد احد ابرز أعمدة التصوف السني وهو من أهل القرن الثالث الهجري قد استعمل السبحة وقد وصفه الإمام ابن تيمية بأنه احد أئمة الهدى .
أما في العصر الحالي فقد اظهر المسلمين تعطشا لاستعمالها لدلالتها على التقى و التقيد بالعبادة إلى حد ان البعض اتخذها شعارا له يحملها على أكتافه كما يفعل طرقية بلاد الغرب الاسلامى نذكر منهم الرفاعية في السودان والشاذلية بالمغرب والتيجانية بالمغرب.
كذلك ويستدل المدافعين عن حمل السبحة كشعار بقوله تعالى "جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لنّاسِ والشَّهْرَ الْحَرامَ والْهَدْيَ والْقَلائِد "، بل بلغ من الولع باستعمالها وحملها إلى حدود الإيمان بأنها قادرة على منعهم من ارتكاب المخالفات الشرعية ،وذهبوا إلى حد القول بان حملها كحمل السيف أو آلة الدفاع عن النفس .
ويعتقد المتصوفة أن السبحة بركة قتالية نافعة مع العدو ولها اكبر الأثر في التأثير عليه أى على معنوياته ، يقول الشيخ فتح الله بن أبي بكر في كتابه تحفة أهل الفتوحات والأذواق في اتخاذ السبحة وجعلها في الأعناق ص17"...أباح الشارع تعليق آلة الجهاد الأصغر كالسيف على العنق ،فان إباحته لحمل آلة الجهاد الأكبر وهى السبحة يكون من باب أولى " .
و تخبرنا كتب الصوفية إن كثيرا من المشايخ قد اعتمدوا عليها في الذكر ويتحدث الشيخ ماء العينين في كتابه نعت البدايات وتوصيف النهايات عن قيمتها بالنسبة للمريد ولاسيما المريد المبتدئ.
وقد خصص الشيخ ماء العينين فصولا من كتبه للدفاع عنها وأجازها في كثير من مواضيع كتبه، ككتاب دليل الرفاق على شمس الاتفاق وكتاب الكبريت الأحمر ، أما الشيخ عبد السلام بن مشيش فقد روى عنه انه كانت له سبحة كبيرة يقول الشيخ فتح الله البنائي :"كانت له سبحة عظيمة جدا وكان يسبح بها إلى أن مات واحتفظ بها أبناؤه لمن بعده ،وكانوا يتبركون بها ويستشفون بها من أمراضهم "ص18، وبلغ من تعظيم الصوفية للسبحة إلى حد أن الإمام الشعراني صاحب الطبقات الكبرى انه كاد يهلك إكراما لها بعد دهسه لسبحة .
وذكر الإمام السيوطي انه كان لأبي مسلم الخولانى احد أرباب التصوف سبحة فنام ليلة والسبحة في يده ، قال فاستدارت السبحة فالتفت على ذراعه وجعلت تسبح ،فالتف أبو مسلم والسبحة تدور على ذراعه وهي تقول "سبحانك يا دائم الثبات ويا منبت النبات. قال :هلمى يا أم مسلم فانظري إلى أعجب الأعاجيب .قال : فجاءت أم مسلم والسبحة تدور وتسبح فلما جلست سكنت ".
روايات المتصوفة لا تقف عند هذا الحد بل تدون إخباريا قضايا وأحداث يدونها المؤرخ الصوفي الذي مهما بلغ من العلم فانه لن يهتم بالرواية وصحتها بل يذكر كل الرايات عن قصد وغير قصد وعى أو بدون وعي.ما يهم هو الوصول الى الهدف تتعدد الروايات والمقصد واحد السبحة معلمة صوفية .
تروى كتب التصوف ومنها كتاب أبو الحسن الطبري المعنون بكتاب كرامات الأولياء أن الشيخ أبو الوفا حصل على سبحة كبيرة أعطاها له السيد الشيخ الإمام عبد القادر الغيلانى صاحب الطريقة واحد متكلمى التصوف ،تحكى الرواية أن السبحة إذا وضعها على الأرض تدور وحدها حبة حبة ـ ذكر ذلك السيوطي في مخطوطه "المنحة في السبحة "ص 5ـ أن السبحة في نظر الصوفي آلة عظيمة ومباركة جمعت الخيرين خير الدنيا خير الآخرة .
إننا أمام فعل صوفي خالص ،يتجسد فيه الذكر في أعلى صوره تسبيح بسبحة هي من صميم التصوف ولا غرابة أن يؤثر التصوف وتصوره على أركان الدولة والسياسيين ولكن الأكثر غرابة بل ومدعاة للسخرية أن ترى بعض المنتسبين لحقل الحركة الإسلامية يحملون ظهورا سبحة أمام أعين الناس علما أن اغلب التيارات الأصولية لا تنظر للمتصوفة بنظرة إعجاب أو استلهام ومرد ذلك إلى تقوقع الحركة الإسلامية وانحصار فكرها في تصورات سلفية تقليدية تتخوف من التجديد ولاسيما في مجال العقيدة إذ تحرص هذه الاتجاهات على رفض ما تعتبره بدعة ويعتبره الصوفية حكمة و اجتهادا كمسالة السبحة .
لكن الأستاذ عبد الإله بن كيران خرج عن المألوف فبوضعه للسبحة وتحريكها أمام الملأ يفتح المجال لتفسيرات عدة منها ما يتخطى قدسية الفعل ومنها من يبرر ذلك برغبة رئيس الحكومة إظهار احترامه للجو العقائدي السائد في المغرب أي تماشيا مع التوجه الديني للدولة، المذهب المالكي والتصوف السني الممزوج بنكهة أشعرية كلامية .
حرص بن كيران على السبحة يمكن اعتبارها مغازلة للتيار الصوفي و الطرقي بصفة خاصة والمتدين المغربي بصفة عامة .وقد توحى كذلك باستقامة وخلق حسن . 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !