على غير المعتاد في سابق الآحاد، كان للمخزن رد آخر على المتظاهرين من حركة 20 فبراير غير إلتزام الصمت و المتابعة دون أي تدخل يمنع التظاهر و يعنف المحتجين.
منذ أن بدأت حركة 20 فبراير في تنظيم فعالياتها في عديد من المدن المغربية، حُسب للدولة إيجابا أنها تعاملت بروح مرنة مع المظاهرات، لتترك هؤلاء يمارسون حقهم في التظاهر و الاعتصام و رفع الشعارات مادامت لا تتجاوز الخطوط الحمراء المعينة سلفا و المعروفة في المملكة المغربية، فلم يسمع أنه تم قمع محتجين أو تدخل قوة لمنع إعتصام إلا نادرا، أرادت الدولة أن تسوق خارجيا النموذج المغربي المضيء في محيطه الكالح.
تتابعت الأحداث، مظاهرات متعاقبة، نفور حزبي و رفع يد، تبخيس إعلامي رسمي لعدد المتظاهرين و تحوير في بعض الأحيان لطبيعة التظاهر و ما تحمله من شعارات لتصب في دائرة المخزن، خصوصا بعد خطاب الملك محمد السادس في 9 مارس.
يبدو أن الدولة كانت تتوقع أنه بعد خطاب الإصلاح والوعود الملكية بالتعديلات الدستورية، قد تتجه حركة 20 فبراير إلى التماشي مع هذه الوعود و الدخول في عميلة التهيئة لمشورع الإصلاح الموعود، و بالتالي إخلاء الشارع و تهدئة النفوس، غير أن هذه الأخيرة و لطبيعة من يحركها، تعاملت مع التعديلات على كونها أمور غير كافية، إضافة إلى بروز فئات مجتمعية، متضررة لها مطالب إجتماعية و إقتصادية، وجدت ضالتها في حركة 20 فبراير كغطاء شامل و علني للتظاهر من أجل مطالبها المعيشية غالبا.
واقع جديد أيضا، تمثل في حادثة تفجير مقهى أركانة الإرهابي، فرصة للدولة من أجل أن تعبر بالحالة الأمنية من ذريعة غير مقبولة و متجاوزة إلى واقع تمليه الظروف، حتى مسيرات التظاهر التي كانت يشهدها يوم الأحد، صار للدولة فيه نصيب، مدن عدة شهدت تظاهرات لنبذ الإرهاب، و بالتالي وجدت حركة 20 فبراير نفسها و كأن البساط قد سحب منها.
غير أنها عادت و بوتيرة أكبر، و بسقف مطالب رأت فيه الدولة خطا أحمرا، رفع شعارت ضد جهاز المخابرات، حديث عن معتقل تمارة السري، بل و محاولة التوجه نحوه، محاولة إفشال مهرجان موازين الدولي...، هنا ظهرت عصا النظام ضد أطراف سماها وزير الإتصال بالمتطرفة التي كانت تحمل أسلحة بيضاء، تم بالمناسبة التنكيل ببعض أعضاء حركة 20 فبراير، أمر آخر وجدت فيه الدولة ضالتها، ألا وهو حادثة سجن سلا. عموما الدولة و كما يبدو أثثت لقرارات المنع و التدخل الأمني ضد أي محاولة للتظاهر و الاعتصام، مما يعني تغيرا في الإرادة الرسمية اتجاه هذا الملف. هنا نتساءل لماذا الآن فقط؟
لم تشأ الدولة أن تكون سباقة لإشعال فتيل أي ظاهرة احتجاج شعبي في بدايات الثورات العربية، خاصة و أن أي حالة من الحالات المصرية و التونسية و من ثم الليبية أرست قاعدة:" أن كلما كان تدخل الدولة عنيفا كان الرد الشعبي أعنف و أشد اتساعا"، لذا حاولت الدولة امتصاص الغضب الشعبي بالانحناء قليلا لموجة التظاهرات.
ربما أيضا قد تكون الدولة توصلت إلى نتيجة مفادها أن هنالك جماعات محظورة كجماعة العدل و الإحسان أو السلفية الجهادية تعمل من أجل تصعيد وتيرة الإحتجاج، و بالتالي فإن ما يشهده المغرب حاليا من مظاهرات و غليان شعبي قد يصب في مصلحة الجماعة المحظورة، فهل التدخل الأمني القمعي لرسالة إلى هؤلاء؟
مسألة أخرى، و هي الملل الذي أصاب الشارع المغربي و العربي عموما، فعقب النجاح الذي حققته الثورة التونسية و المصرية، هاهي الثورات الليبية و اليمنية و السورية كل على حدا تعيش حالات أزمة، تمثلت أساسا في التدخل الدولي و الغربي، مما أثر سلبا على نقاوتها كونها ذات طابع ذاتي محلي، و أحدث شرخا في المجتمعات نفسها بين داعم و مخون، و هنا قد تلعب الأجهزة الرسمية على وتيرة المؤامرة و إلصاق تهم إحداث البلبلة و الفتنة .....إلى ما هنالك من التهم الجاهزة. زد على ذلك أن الدولة لم تعد تخشى الغرب، لمرور حالة البحرين المشابهة، حيث تم إجهاض الثورة الشعبية بموافقة دولية و إقليمية و بعناوين تداخلت ما بين الطائفي و الاثني.
عموما، قد تنجح الدولة في سياستها الأمنية، و تحد من وتيرة الإحتجاجات، غير أن نجاح مقاربتها لا يعدو كونه ترحيلا للأزمة و بفوائد أقرب إلى آجال قد لا تكون بعيدة كما يظن البعض من أهل القرار.
التعليقات (0)