لم تكن مجرد كرة قدم بئيسة على ملعب مقفر بخلوا عليه حتى بذلك العشب الصناعي، مباراة مغمورة حولتها أحداث الداخلة المريرة إلى أشهر مباراة عرفتها شبه الجزيرة، شهرة لم تصنعها أقدام الفريقين من شباب الداخلة و المحمدية، بل هي صنيعة مشكل بات يهدد السلم الإجتماعي لكل مناطق و مدن الصحراء، وبالتالي ليس من المعقول أن تصور أحداث الداخلةعلى أنها أحداث شغب عقبت مباراة كرة و انتهى الأمر، و لعل المسئولين وهو يستجمعون الخبر في حلته هذه الساذجة لم يصدقوا أن من الداخلة تنبثق الأزمة و تنفجر مرة مع مهرجان البحر و مرة عقب كرة قدم.
في الداخلة، فتنة، مشكل يهدد السلم الإجتماعي، من المتسبب، ومن المحرض و من الرابح و من الخاسر؟
أهل الفشل يدًعون أنها مؤامرة لرمي العلة المتسببة في الأحداث عنهم، و ما أكثر مؤامرت الإنسان العربي. ولنفترض أنها مؤامرة، هي على مستويين، لأن الأحداث أشبه بفعل و ردة فعل، و ما صراخ الأعيان و هم أهل الحكم و بطانتهم و معاونيهم إلا لشيء رأوه من السلطات الأمنية التي اتهمت بدعمها لفئة ضد فئة.
لسنا في محيط من الملائكة و من البديهي أن الطرف الآخر قد يستغل أي حادث تمر به المنطقة ليستغله أو ليساهم في تأجيجه، و الأمر سيان بالنسبة للطرفين فهي معركة إعلام و مخابرات .
للأزمة الحالية مسببات، و لعلها نفس المسببات التي نتجت عنها أحداث أكديم إيزيك مع اختلاف في المتغيرات السياسية، يمكن أن نقول أن بعضا من هذه الأسباب هو:
فشل إدارة و تسيير بمقاربة أمنية و إعتماد على سلطة شيوخ القبائل و الأعيان في مجتمع يفترض أنه مدني و لعل ما نشاهده الآن من تجمعات قبلية بمناسبة أو غير مناسبة و بدعم من المخزن لتثمين خطوة أو مباركة قرار إلا نموذج لسعي الدولة إلى إضفاء طابع القبلية التنافسي على المجتمع" البدوي" مع العلم أننا لا نرى مثل هذه التجمعات في المغرب.
مصالح شخصية و صراعات سياسية حزبية ضيقة، كما و أثبت ذلك أحداث أكديم أيزيك، و ما صرخة الأعيان و المنتخبين إلا في ذلك السياق.
التحريض الإعلامي يلعب دورا في هذه الفتنة، خاصة بعض الجهات المحسوبة على الصحافة المغربية، و التي طالما يصور بعض أقلامها أن أهل الصحراء يعيشون كمواطنين من الدرجة الأولى و أن الصحراء أخذت أموال المغاربة و أن لها الأولوية في التنمية و التوظيف. هذه الصورة المكرسة عن الصحراء و أهلها و التي تم النفخ فيها لمدة أربعين سنة ولدت حقدا دفينا ضد كل ماهو صحراوي، طالما تنبعث روائحه مع كل أزمة، و للأسف يوجد في الطرف الصحراوي من ساهم بنظرته الإستعلائية الإحتقارية ضد " أهل الشمال" خاصة القادمين إلى الصحراء في تأجيج مشاعر الكره.
لا نغفل أيضا إتهام جهات رسمية أطراف إنفصالية في التسبب و إفتعال هذه الأحداث، هذا الإفتعال يبقى بنسب و لا يمكن الجزم أنه هو السبب الرئيسي في أحداث الداخلة و قبلها العيون، فهل يغفل على الدولة وأجهزتها تحرك خلايا خارجية تؤطر لمثل هذه الأحداث دون العلم بها و القبض عليها............نعم يوجد شباب متحمس للأطروحة" الإنفصالية " و له نزعة عدوانية ضد غير الصحراويين و قد يستغل مثل هؤلاء هذه الأحداث كما تتحرك أطراف أخرى ضد كل ماهو صحراوي في صراع متبادل بين نوعين من " البلاطجة".
مشاكل إقتصادية و اجتماعية كالبطالة و الفقر و الجهل و الفساد..... شباب عاطل يستغل طبعا مثل هذه الأحداث لضرب مؤسسات الدولة و بعض المنشاءات الخاصة كنوع من الإنتقام و الإحتجاج، قد يلبس هذا التحرك طابعا سياسيا لكن تبقى دوافعه بالأساس اقتصادية اجتماعية بالأساس.
لا ننسى أيضا ما تعيشه المنطقة العربية من ثورات كسرت حاجز الخوف لدى مواطني هذه الدول و أوجدت بيئة للتظاهر و الخروج العلني و المكثف للإحتجاج والمطالبة بحقوق سياسية واقتصادية و اجتماعية ، مثل هذه المظاهرات و الإعتصامات قد تشكل فرصة سانحة لأي تطور دامي في المدن المعنية.
البعد الأخطر هو جر المنطقة و أهلها إلى اقتتال أهلي بين كتلتين، أوما تسميه بعض المواقع المحلية بين أهل المنطقة الأصليين و أهل الشمال، مع أنه إلى حد الآن لم يعرف ما المقصود بالسكان الأصليين و من هم؟ فاستعمالها في العيون مثلا يختلف عن استعمالها في الداخلة، و للأسف يلعب بعض المنتخبون والأعيان على هذا الإختلاف أو الخلاف.
ما يقع في الداخلة و ما وقع في العيون يمثل الحل الثالث لأزمة الصحراء، أو أسوء الحلول لمشكلة الصحراء و هي جرها إلى حرب أهلية لا قدر الله. و الخاسر الأساسي هم أهل هذه البلاد فهم ضحايا حرب السياسة و الأطماع و تبعات التاريخ، همهم الآن جبر الضرر و جلب الأمن و طلب العيش و معرفة ما يأتي به الخبر، فعلى وقع الأزمة يعيشون.
التعليقات (0)