مواضيع اليوم

المغرب:هل نحن على ابواب السكتة القلبية أو الدماغية؟

إدريس ولد القابلة

2012-08-12 01:38:48

0

 

اللهم قد بلغت
المغرب:هل نحن على ابواب السكتة القلبية أو الدماغية؟

كشفت مختلف التقارير الحكومية والرسمية حول وضعية الاقتصاد الوطني، خلال النصف الأول من 2012، عن أرقام صادمة ومخيفة تدعو إلى القلق الشديد، شملت معظم القطاعات، التي كان المغرب يتكئ عليها للصمود في وجه التقلبات والتحولات الخارجية بالأمس القريب.
لقد تلقت القطاعات ارئيسية، الفلاحة، والسياحة، والصناعة والتجارة الخارجية ضربات قوية وموجعة، إذ أنها كلها تكبدت خسارات فادحة لم يسبق لها مثيل تنوعت ملامحها وتعددت مظاهرها لكن اتحدت مؤشراتها تحت عتبة درجة الصفر.


فالفلاحة، تراجع نتاجها الخام بناقص 5.5 في المائة بمحصول حبوب لم يتجاوز 51 مليار قنطار والساحة تراجع وافدوها الأجانب بـ 6 في المائة، والتجارة الخارجية سجل ميزانها عجزا بقيمة 99 مليار درهم ( 9900مليار سنتيم). كما واصلت المالية العمومية عجزها المستمر بفعل ثقل النفقات، إذ بلغ دين الخزينة إلى 60 في المائة من الناتج الداخلي الخام، كما فقدت سوق الشغل أكثر من 109 آلاف منصب شغل.
فهل هذا يعني أن بلادنا أضحت اليوم،أكثر من أي وقت مضى، مهددة بـالسكتة القلبية أو الدماغية التي كان الملك الراحل الحسن الثاني قد أعلن عنها سنة 1984 بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي مر منها المغرب وقتئذ مما جعله يعيش الأفق المظلم.


في هذا الوقت بالذات ظهر بجلاء أن تصريحات حكومة ابن كيران بخصوص إصلاح صندوق المقاصة وتمكينه من تحويل 50 مليارا إلى استثمارات عمومية مع خلق 120 ألف منصب شغل،قد سقطت كلها في الماء وأصبحت مجرد تصريحات للاستهلاك ليس إلا، علما أن الأموال التي ستجنيها الدولة من هذه الإجراءات، بالضرورة سترصد للتخفيف من العجز المخيف في الميزانية ولأداء الفوائد المتراكمة المترتبة عن الديون الخارجية، فهل هذا هو السبيل لتوفير العيش الكريم للمغاربة كما تدعي الحكومة؟


ورغم كل هذا مازلنا نعاين جملة من تصرفات الحكومة غير مسؤولة رقابيا على العديد من الحسابات والاعتمادات الخصوصية في الميزانية العامة والتي تقدر بالملايير، الشيء الذي يجعل الحكومة بعيدة عن رقابة صرف المال العام . علما أن هذه الإعتمادات والحسابات الخاصة مافتئت تثير الكثير من الملاحظات، بسبب الاختلالات التي تطالها دون أن يتم الاطلاع عليها والإمساك بها رقابيا قصد المساءلة والمحاسبة سعيا وراء التقويم والترشيد . ويرى العديد من المراقبين والمتتبعين عدم استساغة وقبول، سياسيا واقتصاديا وماليا وأخلاقيا، الاستمرار في هذا النهج الذي يضع هذه الحسابات فوق أية مراقبة وافتحاص رغم كثرة اللغط حول ضرورة التصدي للفساد . فقد كان من المفروض على الحكومة الحالية في ظل الأزمة الحادة التي يتمرغ فيها المغرب، أن تبادر إلى ملاءمة السياسات المالية العمومية مع فحوى ما يخوله لها الدستور الجديد، لاسيما العمل على التسريع بإصلاح القانون التنظيمي للمالية، لإعادة النظر في طبيعة وطريقة تدبير هذه الحسابات. وهو الشيء الذي لم يتم لحد الساعة، مما يثير أكثر من علامة استفهام حول الشعارات التي رفعتها الحكومة. وهذا يدعو بقوة إلى مساءلة مقاربتها لتدبير هذه الاعتمادات وصرفها وإخضاعها للرقابة، خاصة لمبادئ الحكامة والشفافية في ظل مغرب اليوم الذي يقال أنه يختلف عن مغرب الأمس.


لقد تأكد مرة أخرى أن هناك لخبطة حتى بخصوص أولوية الأولويات المعتمدة أو المصرح بها و التي اهتمت بها الحكومة دون غيرها على حساب كل الباقي، ألا و هي إشكالية التوازنات ، إذ حتى في هذا لمجال اتضح الفشل الذريع غير المسبوق، رغم كل ما رُوّج له من خطابات ايجابية ووردية في هذا المضمار عكسا على ما هو عليه الواقع الأسود فعلا و هذا أمر يدعو إلى التساؤل بخصوص مصداقية خطاب الحكومة المغربية في هذا المجال إلى حد الآن. فالأكيد، بشهادة كل الأرقام والمؤشرات في التصريحات الرسمية، أن التوازنات لم يتم تحقيقها و أن المديونية الداخلية تفاقمت إلى درجة أنها أضحت تؤثر سلبا على الموارد المتاحة للاستثمار. و لا زال و سيظل ثقل ميزانية التسيير (بفعل الرواتب الطيطانيكية و الامتيازات غير المنتجة و التبذير فيما لا طائل اقتصادي أو اجتماعي وراءه) و أداء فوائد الديون المتراكمة، يجثم على عنق الميزانية العامة للدولة على حساب ميزانية الاستثمار. فكيف و الحالة هذه يمكن تحقيق ما تم الترويج له من إعطاء دفعة قوية للاستثمار و انجاز المرافق الاجتماعية قصد تلبية الحاجيات الحيوية و الأساسية لأوسع فئات الشعب المغربي سعيا وراء تحقيق العيش الكريم لأغلب المغاربة؟


لقد اتضح للجميع الآن،أكثر من أي وقت مضى، أن الاقتصاد الوطني المغربي أنهكه سوء استخدام موارد البلاد الطبيعية و المادية و البشرية. وتم التحقق الآن بالحجة والدليل أن المغرب أضاع، بفعل فاعلين معلومين و معروفين، أكثر من موعد تاريخي لتقوية الصناعة الوطنية ، و بذلك أجهضت مختلف فرص التنمية المستقلة القائمة على قاعدة الاعتماد على الذات. و هكذا وصل المغرب إلى حالة مزرية تتميز بالأساس بتعميق الشروخ الاجتماعية و اتساع دوائر التهميش و فضاءات الفقر في صفوف أوسع فئات الشعب المغربي و استفحال الثراء الفاحش و البذخ غير المبرر إطلاقا و بجميع المقاييس. فهناك ما يفوق 8 ملايين من الفقراء أغلبيتهم تحت عتبة الفقر المطلق. أما البطالة فأضحت تنهك أكثر من جيل، و قد همت الأغلبية الساحقة لجيل بكامله، و هي تفوق نسبة 20 في المائة في العالم القروي و 18 في المائة في الحواضر. و الحقيقة أن الواقع يشير بأن النسب هي أكثر من ذلك باعتبار أننا نعتبر ماسح الأحذية غير عاطل و كذلك بائع السجائر بالتقسيط برأس الدرب و ماسح زجاج السيارات عند الإشارات الضوئية بالمدن و اللواتي يمارسن الدعارة و غيرها من المهن المهمشة التي لا تدر على ممتهنيها ما يمكن أن يسدون به رمقهم بانتظام...فهؤلاء يعتبرون بالمغرب غير عاطلين رغبة في التخفيف من نسبة البطالة و هذا عن علم ومع سبق الإصرار بغية التخفيف من وقع الواقع المرّ.


و عموما فإن الاقتصاد المغربي عجز، عمليا و فعليا، عن توفير الحد الأدنى من الدخل و الخدمات الاجتماعية للتصدي لأدنى متطلبات الحياة الكريمة للكثير من المغاربة. و الغريب في الأمر هو عندما تأكد هذا العجز بجلاء وبما لا يخامر أدنى شك ، كان جواب الدولة،على أرض الواقع المعيش، هو تخليها التدريجي، وبوتيرة سريعة ومتصاعدة عن أدوارها الاجتماعية و التوزيعية، و هذا من شأنه لا محالة أن يعرض البلاد الانفجارات اجتماعية طال الزمن أم قصر، سيما و أن الشباب المغربي أضحى على يقين أنه محكوم عليه ببطالة ممنهجة مزمنة.


يبدو أن الوضعية التي يعيشها المغرب حاليا أضحت تتجاوز الإصلاحات الظرفية و المبررات الواهية مادامت تؤكد،يوما بعد يوم،استمراره في قاعة الانعاش لكن دون عناية مركزة كما يستوجب الطرف. فلم تعد الحكومة و لا المؤسسات و لا جلسات مجلسي النواب و المستشارين و لا دورات المجالس الجماعية و الجهوية و لا الادارات العمومية على اختلاف قطاعاتها تحفز المواطن على الثقة و الاهتمام بها بفعل الواقع المرّ الذي يعيشه. لذا من الطبيعي جدا أن تعرف بلادنا حاليا غليانا و حالة من الاحتقان الاجتماعي و موجة من الحركات الاحتجاجية ازدادت شرارتها و لهيبها مؤخرا.


إن الحصيلة الاقتصادية والاجتماعية ما هي،في واقع الأمر، إلا نتيجة حتمية لاختيارات اقتصادية و سياسية نهجها المغرب مند فجر الاستقلال اخطرها سياسة التقويم الهيكلي مند الثمانينات و استمرار نفس التوجيهات و نفس الأسلوب و نفس العقليات في تدبير السياسات العامة و القطاعية. لقد دأب المغرب في السنين الأخيرة على احتلال المراتب المتأخرة حسب مؤشرات التنمية البشرية سواء في التعليم او الصحة او التشغيل. علاوة على أن الوضع الاجتماعي يزداد سوءا ويحمل في طياته كل عوامل الانزلاق ان لم تتدارك و تعالج قضايا الملحة المطروحة. و لعل هروب العديد من الأدمغة و ركوب قوارب "الحريك" و الارتماء في أحضان التطرف، كلها مؤشرات لقمة احساس شرائح اجتماعية واسعة بالاغتراب و"الحكرة" والظلم تحت شمس بلدهم وليس وطنهم لأن الشعور بالمواطنة يستوجب شروطا مازالت مفقودة عندنا رغم كثرة القيل والقال بخصوصها.


كثيرون هم المغاربة الذين يحسون اليوم أن الأمور في المغرب ذاهبة نحو الأسوأ، إنه الواقع مع الأسف الشديد الوجه القاتم للوضع الإقتصادي، وهو الوضع الذي لم يعرف المغرب مثيلا له منذ 1986 . وفي هذا السياق اتضح اليوم أن أكبر جريمة اقتصادية واجتماعية تمّ اقترافها في حق مغاربة اليوم والأجيال القادمة، جريمة الخوصصة التي كانت بمثابة ميلادلسلسلة من الأزمات والمعضلات الاجتماعية ، سيما وأنها فوّتت القطاعات الحيوية لشركات،أغلبها أجنبي، لا يهمها سوى الربح مع تقليص عدد العمال ، و تحويل أرباحها إلى الخارج عوض استثمارها داخل المغرب، وهذه جريمة ستظل مطبوعة على جبين حكومة عبد الرحمان اليوسفي إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .

 

 

 

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

LOADING...

المزيد من الفيديوهات