المغترب .. دكتور جيكل ومستر هايد!
يصنع المغترب ماضيه بنفسه، ويحكي عن أطيب أم وأفضل أب، وأحسن مَدرسة، وأعلىَ درجات، وأجمل قصة حب، وأنه كان السبــَّـاح الأول في الحي كله، وكان لاعب كرة القدم الذي تخاف من قدمه الشبكة، وكان يقرأ بنـَـهـَـمٍ، وكان وضعه المادي فوق المتوسط بكثير.
بعد فترة يُصدِّق كل ما كان يقصّه على المغتربين مثله لأنهم أيضا صنعوا ماضيهم بأنفسهم واصطحبوه معهم في المهجر أو الغربة.
تبدأ الصدامات الأولى مع المجتمع المضيف فالمغترب الذي صنع حاضره من ماضٍ قام بتزييف جزء منه، يكتشف أن قدراته تحتاج إلى دَفعة جديدة من الوطن المضيف، لغة وثقافة وتعليم وعلاقات اجتماعية وأيضا نوع جديد من المعاملات المتمدنة التي تمهد له الطريق للانخراط في محيطه.
والمغترب هنا يمسك بيده كل المبررات التي يستخدمها في حالة فشله، فالمجتمع عنصري، وطائفي، ويكره الأجانب، وأنه لم تتح له الفرصة لاثبات ذاته، وأن صاحب العمل يحمل حقدا دفينا على أصحاب البشرة السمراءلكنه قد ينجح، ويصبح ذا شأن يشير له الجميع بالبنان، وهنا إما أن يرفع رأسه متعاليا على أبناء بلده، أو يخفضها تواضعا ويرى نجاحه من نجاحهم.
في زياراته المتكررة لوطنه الأم يعود ليستبدل الماضي الذي صنعه في الغربة حاضراً، ويتقبل في فترة الزيارة شخصيته قبل السفر، فهو لا يستطيع تزييف ماضيه أمام أهله.
كل مغترب هو دكتور جيكل ومستر هايد!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 23 يناير 2014
التعليقات (0)