المغترب لا يوزع عقود عمل!
أحلام المواطن في السفر يصنعها أحيانا الأقرباء أو الأصدقاء في الخارج عن غير قصد أو تعَمُد.
يظن أنك تغرف مالاً، وأن مصباح علاء الدين في غرفة نومك، وأن عقود العمل تحت وسادتك تنتظر من يبحث عنها، وأن إقامتك الطويلة جعلتك لا تحتاج لقوانين أو قواعد أو أساسيات لتنظيم السفر والهجرة والزيارة، فصديقك يثق بك، وأنت تريد تقديم خدمة له، ولكن ما باليد حيلة.
لن يُصدّقك، وسيعتقد أنك تتهرب من أداء خدمة العُمر له، ولو أردتَ لكانت تذكرة الطائرة بين يديه، وعقد العمل في حقيبته، وكل أهله في الطريق إلى المطار لوداعه.
هذه كذبة كبرى روَّجتها شائعات الفاشلين الذين يوحون لأهل وطننا أننا ننام على ريش نعام، ونأكل في أطباق من ذهب، ولا ندري ماذا نفعل بأموالنا الزائدة عن الحاجة.
الحقيقة أن الهجرة إلى النرويج، مثلا، متوقفة منذ سنوات طويلة رغم أن عشرات الآلاف من الأجانب هم من اللاجئين الذين صدَّرتهم الحروب، وأجبرت الأمم المتحدة النرويج على استقبال جزء منهم، فصار الجزءُ أجزاءً، وصارت الأجزاءُ جيتو، وأصبح الجيتو خطــَّــاً فاصلا بين الأبيض والأسمر.
نحن في الغربة لسنا أنانيين نرفض أبناء الأصدقاء والمعارف والأحباب، إنما مُقــَـيَّدون في معاصمِنا بقوانين تصعد بها أرواحُنا بيروقراطيةً وجهداً حتى يتمكن أحدنا من استدعاء أحد أقربائه.
تسأل في الكويت كل من تعرف لعلك تعثر على عمل لابنة صديقك، فتجد التكويتَ مانعاً، وتولـّي وجهك شطر سلطنة عُمان فتصطدم بالتعمين، وأخيراً يعدك ثري سعودي تعرَّفت عليه، فإذا السَعّوَدة سبقتك لتحجب الحلم عن ضيفك الذي لم يستفد بعد من غربتك ومعارفك.
نادرة هي الحالات التي نجحتُ خلالها في ايجاد فرصة عمل لآخر، وحتى ابنتي عندما تخرجت لم أتمكن من ايجاد عمل لها في دولة خليجية رغم أنني تحدثت مع رئيس الوزراء نفسه، وقدَّمت أوراق صديق آخر محام لوزير العدل ( السابق ) في دولة خليجية ولم أفلح، ووعدني مستشار الملك في دولة ثالثة بفرصة عمل لثالث، وضاع الوعد واختفى.
صدّقوني فنحن لا نملك مصباحاً نفركه فإذا المارد ينحني ويصيح: “شبيك لبيك، عبدك بين إيديك” فكلنا عبيد.
لا تـُصَدّقوا من يقول لكم بأنه سيرسل عقد عمل لمن يطلبه، فهناك دولة ومؤسسات وقوانين، في الغرب والشرق، في أوروبا والخليج، والمهاجر منـّا مدفون لأم رأسه في همومه فكيف يصنع الأعاجيب بسحر أصابعه لتحقيق حُلم غيره.
حتى الزيارة لأقاربك، مهما كان مكانك في أمريكا أو كندا أو استراليا أو أوروبا أو الخليج، تواجه تعقيدات جمة، وتملأ استمارات، وتقدم اقرارك الضريبي، وتثبت أن لك سكنا لائقا، وأن مرتبك يكفيك وأسرتك و.. زائرك الكريم.
معذرة، فقد صدمتُ أحلام مواطنينا في الوطن الذين يتفاخرون بنا، وتذهب بهم الظنون أن عقود العمل متناثرة في بيوتنا، وباحثة عن طالبيها في وطننا الأم.
احراج شديد لأن كثيرين لا يفهمون أو يستوعبون أننا غير قادرين على تعيين نملة في مكتب أو مصنع أو مطعم أو فندق.
قد ننجح في مرات قليلة جداً بعد سنوات من الغربة، لكن هذا لا يعني أن طالب العمل الذي يتعشم فينا كثيرا ينبغي أن نستدعيه فور بوحه بأمنيته في السفر.
بعض الذين يطالبوننا بارسال عقد عمل حققوا في بلادنا وفي وطننا الأم أضعاف ما حققناه في الغربة، ولا أبالغ إذا قلت بأن المهاجر كثيرا ما يبدو فقيرا إذا عاد إلى أرض الوطن واكتشف أن أعز أصدقائه يلعبون بالفلوس، وهو يدخل بحذر أحد المطاعم ويكتشف أن وجبة الغداء ضعف سعرها في سيدني ومنهاتن وأوتاوا وهلسنكي وميلانو ودبي وجدة والكويت.
معذرة لأحلام مواطنينا فأكثرنا في الغربة ليسوا كما ترونهم فقد قضوا أسابيع باحثين عن أرخص تذكرة طيران لزيارة الوطن الأم.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 5 فبراير 2014
التعليقات (0)