أكثر المغتربين نفوراً هو الذي يرى نجاحه وسعادته في كل رقم يضاف إلى حسابه في البنك، فالهجرة مقامرة مادية في كثير من جوانبها، لذا لا تحتاج لكبير جَهد حتى ترصد عالــَـمَ البخلاء بين المغتربين.
قطعا هناك أسباب كثيرة للهجرة، ولكن عندما يكون السبب اقتصادياً بحتاً، تعثر بسهولة ويُســْــر على بخلاء لم يكتب عنهم الجاحظ.
في أسباب الطلاق الكثيرة تجد البخل يتصدرها، وأنا مررت بمغتربي...ن لا يعرفون الخيط الأبيض من الخيط الأسود فهم يعملون كالخيل، وكل دقيقة محسوبة ذهبا وفضة، وكل راحة ضياع للوقت، وكل ساعة في أحضان الأسرة ودفء الأولاد خسارة مادية.
أبخل خلق الله كان معنا في أوسلو، وسألته في إحدى المرات وهو يقود سيارة أحد الزملاء: لماذا اخترتَ الطريق الأول لنصل إلى المكان؟ ردّ قائلا: لأنني لا أدفع البنزين من جيبي، فمن الأفضل استهلاك أكبر كمية منه!
عرفت أحدهم وخُيرّ بين الشقة وأولاده، فقال لزوجته: احتفظي أنتِ بهم في مقابل تنازلك عن الشقة!
وعرفت أحدهم وكان غاضبا من زوجته لأنها تستخدم كيس الشاي الصغير في الكوب مرة واحدة، مما اعتبره تبذيرا كتبذير الشياطين.
وعرفت أحدهم وهو يتشاجر مع صاحب العمل، فطلبت منه أن يتركه، فردّ عليَّ بحسم: لقد وعدت أهلي أن أشتري سيارة، ولو بصق صاحب العمل في الأرض وطلب مني أن أمسحها بوجهي فسأفعل، لكنني لن أعود لبلدي بدون سيارة.
وعرفت أحدهم وكان في البحرية، ويعيش وحيداً، فيأكل الغداء والعشاء في مطعم البحارة لأكثر من ثلاثين عاما، ولا يشتري لنفسه ملابس أو طعاما ويقاطع السينما والمواصلات، إلا للضرورة، ومات. بحثتْ السلطات النرويجية عن أصوله وجذوره، فورثه أحد أقاربه الذي لم يره من قبل.
عرفتُ بخلاء لا يحَدثون بنعمة ربهم، ويكنزونها طوال غربتهم، وعندما يواريهم الثرى، يرثهم أحياء من بعيد كان المتوفىَ المغترب قد قاطعهم لئلا يطلب أحدهم منه مما أعطاه الله.
سألت الشاب اللطيف والمهذب: لماذا لا تتصل بوالدك؟ قال لي: ولماذا أدفع خمسين كرونة ( عشرة دولارات ) لأسمع صوت أبي؟
الغربة يمكن أن تظل حالة من البهجة إذا كان سبب استمرارها أسرة سعيدة، زوج كريم، انفاق المال في موضعه، أما حياة البخيل فهي تحتاج إلى كونسلتو طبي لمعرفة الأمراض النفسية والعصبية التي أصابته في صغره.
تستطيع في الغربة أن تتعايش مع الكاذب، والفاشل، والعاطل، والجاهل، واللص، ولا يصيبك من هذه الصفات ضرر! أما البخيل فهو حالة من الجشع والحسد والكراهية وتمنيات بزوال نعمة الله على الآخرين.
المغترب البخيل فيروس في جسد المهاجرين، وميكروب يهدد تجمعاتهم، وكرش يريد من كل لقمة تدخل فمَ آخر، أنْ تستقر في معدته هو!
لو كان كلٌّ من الفقر والبطالة والاستبداد والكراهية والبخل والكبرياء رجلا، وكان لي أن أقتل واحداً فقط، لما ترددت في قتل البخل!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 24 يناير2014
التعليقات (0)