المغتربون في قاع البحر!
يحلمون بالسفر، ويدخل الحلم إلى الخيال ومنه إلى كل مسامات الجسد كأنه سموم تسري وتبهج!
هناك غير بعيد عنهم ذئاب تترصد، وتتربص، وتراقب أحلامهم في أوضاعهم المنزلية والمادية وسهراتهم وأحاديثهم وحكايات بسطوها أمام الأصدقاء وعلى عتبة المنزل أو في المقهى المجاور أو خلال مشاهدة فيلم عن الثراء أو عن الجنس أو الجنة في الناحية الأخرى من الأزرق الكبير حيث تأخذهم الأحلام معها على زورق يمخر عباب البحر، ويلقي مرساته في مالطا أو ايطاليا أو اليونان.
مافيا السفر توحي لك بأنها تتعامل مع أسماك القرش لتثبت لها أن الوليمة لا تحتاج لــ( العبارة 98 ) بالقرب من سفاجا في البحر الأحمر، فقاع البحر المتوسط يرحب بكل الغرقى، ويشكر السلطات في الدول الفقيرة التي توفر له أجساد رعاياها الهاربين من فوق الأرض بعد أن ضاقت دنياهم حتى وصلت إلى آخرتهم.إنهم المغتربون الذين سقطوا من قوائم المواطنة، فالقصر لا يعرف ما يدور في الكوخ، فما بالك بالعشوائيات والقرى النائية التي يقوم ثلاثة فقط بزيارتها: الطين والجوع والبلهارسيا!
والحلم الخادع يطير بغير جناحين إلى أي مكان، ويدخل بدون أن يستأذن، ويفضل مصاحبة الغلابة والمساكين واليائسين والذين يستوي لديهم الموت والحياة، ويتشابه عندهم آكل أموالهم في البر وآكل أجسادهم في قاع البحر.
ولائم الفقراء تعرفها الأسماك الصغيرة والعملاقة والمفترسة، فهي لا تحتاج لأكثر من السباحة بالقرب من شواطيء مغربية وجزائرية وتونسية وليبية ومصرية، وستعثر حتما على زوارق متهالكة اخترقتها المياه، فسقطت منها أجساد سمراء من شمال أفريقيا، وسوداء من غانا وأوغندا والسنغال وكل دول شمال القارة البائسة.
قراصنة الغرقى يتكاثرون تحت سمع وبصر الدول التي تطل على البحر المتوسط، من طنجة والجزائر ووهران وتونس وطرابلس الغرب وبنغازي وطبرق ومصراتة حتى الاسكندرية، وهم غير قراصنة الصومال الذين يختطفون السفن بخلاف الذين يختطفون الأرواح.
المغتربون في قاع البحر أكثرهم شباب لم يحتفلوا بعد بربيعهم العشرين، ولم يصل إلى مسامعهم صوت السلطة والدين والإعلام والمدرسة والبيت والشارع والأثرياء الذين نهبوا الدولة فأصبحت كروشهم أكبر من الوطن كله.
لن يدافع عن المغتربين في قاع البحر أحد مطلقاً، لا قبل غرقهم، ولا بعد أن ملأت الأسماك بطونها منهم، فالفقراء يقنعهم الدعاة بأنهم شهداء البحث عن لقمة العيش، وبأن الله سيرسل إليهم رزقهم دون أن يطلبوا حقوقهم من سارقيهم.
أسماك الأزرق الكبير تبحث الآن عن الغرقى قبل أن تصل أحلامهم إلى الشواطيء الجنوبية من العالم الأول، وفي مكان ما يجلس مبارك وأولاده وزين العابدين بن علي وليلاه وبوتفليقة وعائلته وجنرالاته وملك المغرب وغيرهم وهم يضحكون حتى الثمالة، وأسماك البحر فقط هي التي تسمع ضحكاتهم.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 31 يناير 2014
التعليقات (0)