6. مغالطة الاحتكام إلى ثقة من الثقات في غير تخصصه
في هذه المغالطة يزج المغالط باسم شخصية مرموقة لتأييد دعواه، والخلل يكمن في أن الشخصية المرموقة يعتبر مرجع أو حجة في تخصصه ولكن – كأي إنسان بسيط – قد يكون له أفكاره الخاصة في رأي أو قضية في غير تخصصه، فيزج المغالط باسم ويقتبس من كلامه باعتباره حجة ليس فقط في علمه وتخصصه وإنما حجة في كل شيء وكأنه صاحب الكلمة الفصل في القضية
مثال:
يقول كاثوليكي: "كان البابا يوحنا الثاني يرى أن نظرية الانفجار الكبير هي نظرية باطلة لا تتفق مع العلم الصحيح" ، إذن هذه النظرية باطلة ولا تمت للعلم بصلة
؟
في هذه المغالطة يلجأ المغالط إلى تأكيد رأيه أو فكرته أو موقفه عن طريق اقتباس فكر أو رأي أو موقف أحد العلماء المشهود لهم بالعلم والتخصص والأستاذية في تخصص ما، والمغالطة تقع في أن الشخص صاحب المرجعية – ببساطة شديدة – ليس ! مرجعية ... ليس مرجعية في مجال القضية المطروحة للنقاش. فالبابا يوحنا بولس الثاني بالفعل – عند المسحيين وخاصة الكاثوليك – هو مرجعية لا غبار عليها في علم اللاهوت وفي الفلسفة وفي تاريخ المسيحية، لكن ما علاقته بعلم الفيزياء ونظرية الانفجار الكبير وغيرها من النظريات الفيزيائية التي لا يستوعبها إلا قلة حتى من بين الفيزيائيين أنفسهم ؟
المغالط يدرك مدى إعجاب من يخاطبهم بمرجعية البابا وثقتهم في علمه وفهمه، فطالما رفض البابا هذه النظرية وقال أنها باطلة فهي إذن باطلة "لأنه يعرف أكثر منا" !!
مثال آخر:
قال العالم الفقيه الورع (س): " إن الفلسفة هي طريق الضلال، وما اتبعها أحد إلا ضل عن الحق وصار ألعوبة في أيدي الشيطان، وأن من تمنطق فقد تزندق (أي من درس المنطق صار زنديقاً) "، ومن له علم فقيهنا وعالمنا الجليل !! إذن الفلسفة والمنطق باطلة.
؟
هنا نرى المغالط له موقف من الفلسفة وقد يكون جاهلاً بها، أو قد يكون محدود القدرات العقلية، فبدلاً من التزام الصمت أمام ما لا يروق له، أو ما يجهله، أو ما لا يقوى عقلياً على استيعابه، وهذا المغالط قد لا يعرف، أو يعرف القشور عن علم المنطق، وعن دور العقل في معرفة الصواب من الخطأ، ودوره في التقدم، وفي ارتقاء البشرية، فيستشهد برأي الفقيه الشخصي في أمر يجهله أو يرفضه لأسباب شخصية أو عقائدية.
((إن الاحتكام لمرجعية في غير محلها ليس ضماناً للحقيقة ))
7. مغالطة السؤال المُحَمّل بالإجابة
هذه المغالطة ما هي إلا سؤال ظالم يمارس فيه السائل الإرهاب الفكري على من يسأله، هو سؤال بداخله افتراض ضمني بصدق أو صحة شيء غير متفق على صدقه أو صحته.
المغالط له موقف شخصي من شخص أو شيء أو فكرة سواء بالقبول أو الرفض، وبدهاء يسعى للحصول من خصمه أو محاوره على اعتراف أو موافقة لرأيه أو فكرته.
مثال:
مذيع متطرف دينياً يسأل ضيفه عن كاتب ليبرالي يختلف معه في أطروحاته الفكرية، يسأل ضيفه: "كم كتاب نشر هذا الرجل الكافر ؟"
؟
في الظاهر يبدو سؤالاً بسيطاً إجابته مثلاً: "كتب خمسة كتب أو ستة"
لكن قد يكون الضيف مختلفاً مع المذيع في رأيه في الكتاب ولا يرى أنه كافر وإنما باحث مجتهد فلا يستطيع الضيف أن يقدم تلك الإجابة البسيطة لأنه لو أجاب فهذا اعتراف ضمني بأن: الكاتب "الكافر" كتب خمسة أو ستة كتب.
مثال:
في زمن محاكم التفتيش في العصور الوسطى كان يسأل القاضي أحد المتهمين بعدم إيمانه بالكتاب المقدس: "هل تنكر أن كتاب الله المقدس هو موحى به ؟"
؟
هنا السؤال يحتوي على مأزق !
القاضي يفترض أن الكتاب هو "كتاب الله" كمسلّمة بديهية بينما قد لا يوافقه الرجل في ذلك، فإذا أجاب بنعم فسيكون مضمون الإجابة: "نعم أنكر أن كتاب الله المقدس موحى به"، فإن المتهم سيدين نفسه حيث يعترف بأن الكتاب "كتاب الله" وفي نفس الوقت ! ينكره، بينما قد يرى المتهم أن الكتاب غير موحى به، وبالتالي هو ليس كتاب الله.
مثال آخر:
في مجتمعات القهر الديني والتي لا تعترف ولا تسمح إلا بدينها وتعتبر ما غير دينها كفر وجريمة تستوجب الحكم والتنكيل. يسأل مسلم أحد البوذيين: " هل تعتقد أن القرآن الذي أنزل الله للبشرية هو تأليف بشري ؟"
؟
فسواء أجاب هذا البوذي بنعم أو لا فهو مدان !
لو قال نعم: " نعم أعتقد أن القرآن الذي أنزله الله للبشرية هو تأليف بشري " فإنه يدين نفسه حيث يعترف ضمنياً أن القرآن أنزله الله ومع ذلك يصر أنه تأليف بشري، وإن قال لا " لا أعتقد أن القرآن الذي أنزله الله للبشرية هو تأليف بشري" فإنه يعترف ضمنياً أن القرآن أنزله الله وأنه ليس تأليف بشري فستكون تهمته: "فلماذا لا تؤمن به إذن ؟"
بينما بطبيعة الحال بصفته غير مسلم لا يؤمن أصلاً بالقرآن، وإلا لكان مسلماً !
8. مغالطة المراوغة أو اللعب بالألفاظ
المغالط يعطي للكلمة الواحدة أكثر من معنى في إثباته لقضية ما فيعطيها معنى في المقدمة غير معناها في النتيجة وهو للأسف يعتمد على غباء مستمعيه وجهلهم وعدم تخصصهم.
مثال:
أحد دعاة الإعجاز العلمي يقول: " لقد سبق كتابنا العلم الحديث في أدق العلوم الفيزيائية، لقد كرر الكتاب كلمة الذرة أكثر من مرة وبعد مئات السنين اكتشف الفيزيائيون الذرة، فقد سبقنا العلم الحديث في مفهوم الذرة"
؟
فكلمة ذرة التي ذكرت في كتابه تعني: أصغر ما يمكن مشاهدته من الغبار أو التراب، بينما الذرة عند الفيزيائيين هي جسيم لا يرى إلا بالميكروسكوب ويتكون من نواة يدور حولها بروتونات ونيوترونات وإلكترونات.
9. مغالطة الاحتكام لما هو حديث وعصري
هذه المغالطة هي عكس مغالطة الاحتكام إلى القديم التي عرضناها في الجزء الأول، وهي تفترض أنه طالما الفكرة حديثة وجديدة فهذا دليل على صحتها، بينما مغالطة الاحتكام إلى القديم تفترض أنه طالما كانت الفكرة قديمة وأصيلة ولها جذور فهي صحيحة
كلاهما وجهين لعملة واحدة
كلاهما مغالطات
فلا حداثة الفكرة أو قدمها تضمن صحتها
أن تكون الفكرة حديثة ليس بالضرورة أن تكون صحيحة، وكثير من الأفكار الحديثة ثبت بطلانها حالياً.
مثال:
إن نظرية الأوتار هي أحدث تطور في الفيزياء الحديثة، إذن نظرية الأوتار صحيحة.
؟
الاعتراض هنا ليس على نظرية الأوتار الفيزيائية نفسها، والتي قد تستند على براهين فيزيائية، وإنما الاعتراض هو على اعتبارها نظرية صحيحة لمجرد حداثة الفكرة وأنها فكرة جديدة.
((إن حداثة الفكرة ليس ضماناً للحقيقة))
10. مغالطة الخروج عن الموضوع أو صرف الانتباه عن القضية الأساسية
المغالط هنا يسعى إلى التشويش على مخالفه بأن يزج بموضوع آخر لا علاقة له بقضية المناقشة فيضطر المخالف إلى ترك قضيته الأساسية، أو لا يعطيها حقها من الإثبات الكافي بسبب انتقاله للموضوع الجانبي، فيظهر المغالط أنه قد انتصر على مخالفه الذي شتت تفكيره في أكثر من قضية.
مثال:
دعاة الإصلاح يطالبوننا بأن نقلد الغرب ونأخذ بالمناهج العلمية الغربية في مدارسنا وجامعاتنا، هل يريدون لمجتمعاتنا العربية أن تنتشر فيها القيم الإباحية والعلاقات الشاذة والحرية الجنسية القادمة لنا من الغرب ؟
؟
المجادل المغالط هنا ترك موضوع النقاش وهو كيفية الخروج من مأزق التخلف العلمي والتعليمي في مجتمعه وزج بموضوع آخر قد يكون محقاً فيه أو غير محق – رفضه لبعض القيم والحريات الغربية. وهكذا سيضطر الطرف الآخر إلى ترك الموضوع الأساسي حتى ينفى عن نفسه تهمة الترويج للقيم المنحلة، وسيتحول موضوع النقاش إلى منحنى آخر، وهكذا لا يأخذ فرصته في إثبات قضيته، والنتيجة أن المغالط سينال استحسان الحاضرين لأنه سيظهر لهم بمظهر الفارس النبيل الذي يسعى إلى الحفاظ على قيم مجتمعه، بينما سيظهر الآخر بمظهر الرجل الخبيث الذي يريد أن يفسد المجتمع .
11. مغالطة اما .. او .. او مغالطة احتماين لا ثالث لهما او مغالطة ورطة التخيير بين خيارين
يلجأ المغالط لتوريط خصمه بطرح خيارين او احتمالين عليه ان يختار احدهما , بينما قد يكون هناك احتمال ثالث .
مثال :
عندما اعلن الرئيس الامريكي جورج بوش ما اطلق عليه الحرب على الارهاب قال مخاطباً شعوب العالم : اما انكم معنا او ضدنا في مكافحة الارهاب .
؟
والمغالطة في ان هناك احتمال اخر غير ان تكون الدول مع امريكا او ضدها وهو ان تكون محايدة .
لكن المغالط هدفه توريط من لاينحاز لقضيته وتخويفه .
12. مغالطة الاحتكام الى الاماني
وهي مغالطة سببها الهوى والمصالح والاماني , فما تتمناه تعتقد ان يكون صحيحاً او ماتعتقده تتمنى ان يكون صحيحاً .
مثال:
يقول احد اعضاء حزب سياسي عن حزبه :
ان حزبنا هو افضل حزب يمكن ان يخدم الوطن .
؟
مثال اخر :
يقول كل معتنق لدين : ان ديني هو افضل الاديان .
؟
المغالط يتمنى ان يكون رأيه صحيحاً , من الطبيعي ان يقول ذلك لانه ينظر للمألة من منظور شخصي يغلب عليه المصلحة والهوى .
ان الاحتكام للاماني ليس ضامناً للحقيقة .
التعليقات (0)