كيف تفكر عقلانياً وعلمياً ؟
وكيف تكشف المغالطات المنطقية ؟
في سبيل تكوين عقلية مستنيرة
ان المقدرة على كشف المغالطات المنطقية في المناقشات الفكرية ذات قيمة كبيرة لا يقدرها الا من يحترم عقله
ان المغالطات المنطقية من أكبر العوائق التي تحجب عنا الحقيقة وتجعلنا مسلوبي الفكر أمام المتاجرين بالكلام البليغ الاجوف
أن كشف المغالطات يمنحنا قدرة كبيرة على التفكير النقدي الذي لولاه ماتقدمت العلوم وما تقدمت الانسانية
تعريف المغالطة
قول او رأي او فكرة , تبدو وكأنها برهان صحيح أو سليم ولكنها وهم يتلاشى أمام التحليل العقلي .
فهناك من المفاهيم والاراء الفكرية والمعتقدات ما قد يبدو مقنعاً ومنطقياً وبديهياً وعلمياً
ولكن هي في حقيقة الامر أخطاء ومغالطات ماهرة بخدع بها قائلها الاخرين البسطاء وكثيراً مايخدع بها نفسه !!.
واليك أشهر هذه المغالطات المنطقية :
1. مغالطة التهجم على شخص مخالفك وليس فكرته
وتتلخص في عدم التفات المغالط الى البراهين والادلة التي يقدمها الخصم لفكرته , وانما يكون تركيز المغالط على أتهام الشخص صاحب الفكرة بشئ أو صفة قد تكون فيه أو ليس فيه .
وذالك بهدف تشويه فكرته والانتقاص منها
مثال :
هذا الرجل يدافع عن نظرية التطور
ومعروف عنه أنه يشرب الخمر
أذن هذه النظرية غير صحيحة
لا تصدر الا من لعبت برأسه الخمر
؟
هنا المغالط يظن انه يبطل كلام خصمه ولكن ليس عن طريق النقد أو الآدلة المضادة أو الحججة بالحجة , ولكن عن طريق التجريح الشخصي واللجوء الى صفة سلبية أو سلوك مرفوض في الرجل .
فهو شارب خمر لذالك كلامه خطأ !!
وكأن عدم شرب الخمر هو الضامن للحقيقة !!
2. مغالطة الرجل القش
في هذه المغالطة نجد المغالط يسيء فهم كلام خصمه متعمداً أو يخترع كلام سخيف وينسبه له أو يجتزأ من كلامه , ومن ثم يدين هذا الكلام الذي اخترعه هو ونسبه لخصمه ويستنبط فساد موقف الخصم .
فهو كمن يصنع فزاعة من القش ويهاجمها بدلاً من مهاجمة الشخص الحقيقي .
مثال:
دعاة الحرية ينادون بمساواة المرأة بالرجل
أنهم يوافقون على الانحلال الاخلاقي وأن تمارس
المرأة الجنس بحرية كما تريد بدون قيد أو شرط
ان دعوة المساواة دعوة لهدم قيم وأخلاق المجتمع
؟
هنا نجد المغالط يلعب على مشاعر المستمعين بتصوير خصمه بصورة المنادى بقيم يرفضها الناس , فيصور للناس ان المساواة بين الرجل والمرأة شرا ينتج عنه الانحلال والتهتك والفساد , وهذا ما لا ينادى به صاحب مبدأ المساواة ولم يخطر على باله .
والذي بدلا من أيجاد حلول للظلم الواقع على المرأة في المجتمعات المتخلفة والنظرة الدونية اليها , يسعى للحفاظ على مخلفات الثقافة البدوية الذكورية .
والنتيجة الحتمية ان يتعاطف النس مع المغالط ويتسرب لذهنهم أن الحق مع من يتصدى للفساد والانحلال بذلك الكلام الاجوف الذي لا وجود له الا في العقلية المريضة للمغالط الذي يتشدق بالقيم والمثل .
3. مغالطة الاجماع أو مغالطة الاحتكام الى شيوع الفكرة
في هذه المغالطة يعتمد المغالط على رواج فكرة بين جميع الناس الذين يخاطبهم او معظمهم او اغلبيتهم أو اجماعهم فيعتبر ما اجمعوا عليه هو الصواب ويبرر ذلك بأنه ليس معقولا وأن يتفق جميع الناس على باطل .
يمكن تلخيص ذلك بمقولات مثل :
هذا صواب لان معظم الناس يرونه صواب
هذا صواب لان علمائنا اتفقوا على صحته
الاغلبية ترى الشئ مقبولا فهو مقبول
؟
ان التفكير بهذه الطريقة مغالطة لان الافكار الرائجة قد تكون باطلة والواقع والتأريخ والعلم يثبت ذلك .
منذ الاف السنين أعتقد الناس جميعاً ان :
الارض هي المركز الثابت للكون
وأن الشمس تدور حول الارض
وأن الارواح الشريرة وراء الامراض والاوبئة
كل هذه المعتقدات ثبت بطلانها بالرغم من أجماع شعوب الارض وثقافاتهم المختلفة على التسليم بصحتها وأعتبارها من المسلمات .
مثال اخر :
هناك اجماع لدى المسيحيين الذين يشكلون مايقرب من نصف
سكان الارض حوالي ثلاثة مليارات نسمة
ان الانجيل هو كلمة الله وطالما اتفق ثلاثة مليارات على هذا
فان الانجيل لا بد ان يكون من وحى الله
؟
بالرغم من هذا العدد الهائل لايؤمن بالمسيحية ولا يصدق دعواها النصف الاخر من البشرية !
وبالمثل يجمع المسلمون وتعددادهم يزيد عن مليار نسمة ان القراَن هو وحى من عند الله
وبالرغم من هذا لا يؤمن المسيحيون وغيرهم من أديان وشعوب العالم بهذه الدعوى !
اجماع ملايين او مليارات من البشر على فكرة ما .
ليس برهاناً على صحة هذه الفكرة .
ان الاغلبية او الاجماع ليس ضامناً للحقيقة .
4. مغالطة التوليد
هنا المغالطة في قبول فكرة او رفضها بسبب الثقة او عدم الثقة في مصدرها وليس بسبب قيمتها الذاتية .
ان ابن اللص ليس بالضرورة لصاً .
وابن الزنا ليس بالضرورة عديم الاخلاق والمروءة .
ان الاشياء السيئة ليس بالضرورة ان يصدر عنها اشياء سيئة , بل قد يصدر عنها شئ جيد .
لذالك علينا ان لا نرفض فكرة بسبب معرفتنا بمصدرها الذي قد لا نثق فيه او قد يخالفنا الرأى
وبالمثل من الخطأ قبول فكرة بسبب الثقة في مصدرها , فحتى المصدر الموثوق فيه والذي نتفق معه قد يخطأ او يجانبه الصواب في هذه المسألة تحديداً .
لذالك قبول فكرة بسبب مصدرها الموثوق فيه ليس أفضل حالاً من رفض فكرة بسبب مصدرها الغير موثوق فيه .
كلاهما خطأ
كلاهما مغالطات
مثال على مغالطة غير موثوقة المصدر :
قال موشي ديان رئيس وزراء اسرائيل
ان الشعوب العربية متخلفة ولا تستوعب
الدرس من تخلفها .
موشي ديان هو عدو للعرب
اذن ما قاله ليس صحيحاً
؟
هنا المغالطة تكمن في ان مصدر المقولة غير موثوق فيه لدى العربي وبالتالي يتجاهل المغالط العربي صدق المقوله فيرفضها بسبب مصدرها وليس بسبب قيمتها الذاتية وتطابهما مع الواقع الذي لا ينكره الا جاهل وواهم .
مثال على مغالطة موثوقة المصدر :
يقول شيخنا الجليل ان تهنئة المسيحيين
في اعيادهم هو مشاركة لهم في ضلالهم
وشيخنا عالم فقيه
فلا يجوز تهنئتهم في اعيادهم
؟
المغالط هنا اعتمد على المصدر الذي يثق فيه , فلا يفكر لنفسه في هذا الامر , وانما سيلم عقله لمصدر قد يكون صواباً في بعض المسائل وقد يكون مخطئاً في هذه المسألة
ان الثقة او عدم الثقة في المصدر ليس ضامنا للحقيقة .
5.مغالطة الاحتكام الى القديم او الاحتكام الى التقاليد
ليس في الامكان خيراً مما كان !!
كل جديد بدعة !!
ليس الخلف افضل من السلف !!
ليس التلميذ افضل من استاذه !!
من انت حتى تعرف افضل من ... !!
؟
هذه المقولات هي شعارت اي جماعة او تنظيم او مؤسسة سلطوية كهنوتية , اياً كان عقيدتها او ايجولوجيتها او ثقافتها , استطاعت ان تحكم المجتمع وان تفرض منضومتها الفكرية , وتسعى لتثبيت الوضع لتضمن هيمنتها وسلطتها على المجتمع .
هذه المقولات هي شعار اصحاي هذه المغالطة حيث يفترضون ان الافكار القديمة التى ارساها حماء وعلماء أمتهم القديمة والتي تسلموها سلف عن سلف وجيل عن جيل هي افكار راسخة اصيلة افضل من الافكار الحديثة المبتدعة .
عرفت البشرية العبودية ومارستها بلا أدنى تأنيب للضمير طوال تأريخها الطويل , ومنذ اقل من مئة عام ارتقى الحس والضمير الانساني ونجح بعد كفاح مرير - مع السادة المنتفعين من استعباد البشر - من تجريم العبودية .
فماذا كان منطق السادة المنتفعين وابواقهم الذين برروا هذه الممارسات قديمة الاصل ؟
مثال :
كان للانبياء والصالحين عبيد واماء
ومع فضائلهم وعدلهم وتقواهم لم يروا اثم في العبودية
اذن دعوى تجريم العبودية واعتبارها انتهاك لحقوق الانسان وللضمير الاخلاقي
هي دعوى مبتدعة
وهي ادانة للصالحين وللاتقياء القدماء
واتهام لهم بهذه التهم النكراء
؟
المغالط هنا ليس له دليلاً على تبرير العبودية الا الاحتكام لممارسات وتقاليد المجتمعات القديمة والتي ان صلحت لزمانها القديم , فهى لا تصلح لزمننا الحديث
وهو هنا يلغى عقله وحسه الاخلاقي وضميره الانساني .
وهو هنا يتكلم من منطلق السيد صاحب العبيد , اي انه يدافع عن امتيازاته الطبقية السلطوية او يدافع عن السادة المستفيدين الذين يعيش في كنفهم .
ولو كان قدر له ان يكون من العبيد لكان له رأي اخر ولرأى المشكلة من منظور اَخر .
ففكرة تحرير العبيد وتجريم هذه الممارسة التي كانت وصمة عار في تاريخ البشرية هي فكرة انسانية حديثة كان مصدرها الضمير الانساني وليس الذين نادوا بها اي مصالح شخصية .
انها التطبيق العلمى لشعارات قديمة جوفاء تقول ان ما لاترضاه لنفسك لا يجب ان ترضاه لغيرك , شعارات لم يحاول اصحابها القدماء انفسهم تطبيقها , لم يرض احدهم ان يصير عبداً , واكتفى بترديد الشعار .
فضلت هذه الشعارات معلقة في الهواء الى ان ارتقى الضمير الجمعي للبشرية ووقام بتحقيقها على ارض الواقع .
ان جميع البشر متساويين ولا ينبغى ان يستعبد انسان اخيه الانسان بالفعل
وليس بمجرد القول ! .
ان الفكرة القديمة او التقليد القديم قد يكون صحيحاً وصالحاً وقد يكون خطاً وليس حداثة الفكرة دليلاً على بطلانها .
والا لكانت جميع الافكار القديمة والمعتقدات القديمة والقيم القديمة - التي يتمسك بها امثال هؤلاء المغالطون - ياطلة وغير صحيحة .
لانها كانت اول مابدأت افكار جديدة
نادى بها المبجلون الاوائل وصدموا بها مجتمعاتهم القديمة ورويداً رويدا اصبحت افكارهم الجديدة هي المعيار .
ليس قدم الفكرة لالاف السنين وتداولها عبر مئات الاجيال ضامناً للحقيقة .
ملاحظة :الموضوع اعجبني رأيت انه درس مجاني لنا احببت ان احتفظ فيه بمدونتي واشاركم به
التعليقات (0)