عبـد الفتـاح الفاتحـي
يؤكد عدد من المهتمين بالسياسات الإقليمية أن الدول المغاربية ستكون على المحك من الجديد لنفض الغبار على مشاكلهم الداخلية، وسيحسون أنهم أولى بالتفاعل الدولي، بدل التهليل لما يقره المشرق العربي، ولتدبير مقدرتهم الدبلوماسية الدولية، يفرض فيهم توحيد المواقف، والحق أن القمم العربية لم يسبقها هذه الدورة أي تغطية إعلامية لاعتبارات الحصيلة الضعيفة التي تخرج بها، وتنطلق اليوم على خلفية شنأن بني، الأحدث فيه إثارة الجزائر لمسألة تدوير رئاسة الجامعة العربية.
والحق أن هذا المطلب على الرغم من أنه موضوعي، فإن الظرفية والطريقة التي يتم الترويج لها لا تحظى بتأييد دبلوماسي، إلا مسؤولون جزائريون يؤكدون أن الجزائر ستتقدم بمذكرة رسمية إلى القمة العربية، التي ستعقد في مدينة سرت الليبية يومي 27 و28 من الشهر الجاري، لإحياء مطالبها السابقة بشأن تدوير منصب الأمين العام وعدم اقتصاره على مصر بصفتها دولة المقر.
ويربط عدد من المراقبين هذا المطلب على أساس أن مزايدات جزائرية ضد مصر بعد الأحداث الكروية الأخيرة بنهم، واستدلوا على ذلك أن الجزائر لم تكلف نفسها عناء التشاور العربية لحشد التأييد لهذا المطلب على المستوى المغاربي ومع باقي الدول العربية، ولذلك سارعت مصر إلى تحجيم هذا المطلب عبر تأكيد وزير خارجيتها أن منصب أمين عام الجامعة العربية سيبقى مصريا.
ويعتقد ملاحظون أن تصريحات وزير الخارجية يفهم منها أن مصر ترى في الاقتراح الجزائري مزايدة سياسية نتيجة توقر العلاقات بين البلدين بسبب مباراة في كرة القدم، لذلك عاد أبو الغيظ إلى القول: "قمة ليبيا ستشهد محاولات لكسر الجليد والتحرك نحو جمع الشمل العربي"، مؤكدا أن "البلدين لا يسمحان لأطراف أخرى بالعبث في العلاقات التاريخية بينهما".
وهو ما قد يثير خلافات دبلوماسية بين الدول العربية عشية انعقاد القمة العربية، ويرى عدد من المتتبعين وعلى الرغم من تأكيد وزير الخارجية المصري أن القمة العربية المقبلة في ليبيا ستشهد محاولات لمصالحة عربية شاملة، فإن تصريحات بخصوص الإبقاء على الأمانة العامة للجامعة العربية مصريا قد يزيد الزيت على النار، خاصة من وجهة نظر الجزائرية التي تثير قضية تدوير الأمانة العامة العربية على غرار الاتحاد الأوربي.
وتجدر الإشارة إلى الجزائر سبق لها أن دعت في سنة 2005 إلى اختيار أمين عام للجامعة العربية غير مصري، وإتاحة الفرصة للدول العربية لتقديم مرشحين لتولي المنصب، قبل أن تسحب هذا المقترح إثر اتصالات مصرية جزائرية قبل القمة العربية التي عقدت في الجزائر في نفس السنة.
وتبرز انعدام حركة دبلوماسية كثيفة بين الدول العربية من لمفترض أن تسبق انعقاد القمة، يؤشر على أن القمة الليبية قد لا تتعدى بيانا كالبيانات السابقة لاستمرار تشتت الرأي العربي واستمرار الخلافات البينية، وقد لمحت بوادر الخلافات بين البينية، كتلك التي أعلنت عنها مصادر إعلامية من أن هناك أزمة بين بيروت وطرابلس بسبب تأخر ليبيا في توجيه دعوة حضور القمة إلى لبنان.
وهو ما قرأت فيه لبنان أن ليبيا ربما تعمدت ذلك للرد على القوى السياسية الشيعية في لبنان، التي كانت قد طالبت بلدها بضرورة مقاطعة القمة العربية المقبلة في ليبيا، اعتراضا على اختفاء الإمام الشيعي موسى الصدر منذ عام 1978، والحكم القضائي اللبناني الصادر في العام 2008 بتوقيف القذافي و6 ليبيين آخرين، بتهمة الاشتراك في عملية اختطاف الصدر وأيضا بتهمة "الحث على الاقتتال الطائفي".
وقد جاء التأكيد رسميا بعدم مشاركة الرئيس اللبناني في قمة سرت الليبية بإعلان وزير الإعلام اللبناني طارق متري، أن الرئيس ميشال سليمان لن يشارك في القمة العربية التي ستعقد في ليبيا.
وأكد أحمد قذاف الدم منسق العلاقات المصرية الليبية على وجود توافق مصري ليبي كبير فيما يخص العمل العربي المشترك، وتطوير الجامعة العربية.
وجود عدد من المبادرات التي ستناقشها القمة فيما يخص تطوير الجامعة العربية، منها مبادرة يمنية وعدد من المقترحات السعودية، بالإضافة إلى بعض الملاحظات القطرية وأفكار مصرية وكلها تصب في اتجاه تطوير الجامعة العربية.
ويتخوف المصريون من أن تنسق الدول المغاربية فيما بينها لفرض منهجية تدوير الأمانة العامة للجامعة العربية، ويعتبر خبراء مشرقيون إمكانية ذلك لأن ليبيا التي دخلت في علاقات دبلوماسية قوية مع الجزائر مؤخرا عقب رفع ليبيا التأشرة على الجزائريين الراغبين في زيارة ليبيا إضافة إلى التنسيق مع المغرب الذي أبدى تعاطفا دبلوماسيا قويا بعد قرار سويسرا عدم القبول بزيارة معمر القدافي لها، ثم تونس، وهي عدد من النقط لو أريد بها خلق الحدث في القمة الليبية حيث ستؤول الرئاسة إلى ليبيا لتم ذلك.
ويرى عدد من المتتبعون أن الخلافات المصرية الجزائرية ليست وحيدة ولكن يستمر الخلاف الليبي السعودي وهو ما يعني أن السعودية قد ستقلص من وزن مشاركتها في القمة الليبية وللوزن السياسي للملكة العربية سعودية سينعكس ذلك على تمثيلية مشاركة عدد من الدول الصديقة والمؤيدة للسعودية، إضافة إلى ترجيحات قوية أكدت أن إمكانية مشاركة العاهل المغربي في قمة سرت الليبية تبقى جد ضئيلة، وإضافة إلى إمكانية عدم مشاركة الرئيس المصري حسني مبارك لمشاكل صحية ألمت به مؤخرا، وهو ما قد ينعكس سلبا على نتائج القمة.
والحق أن وقت انعقاد القمة العربية بليبيا يتزامن وما تمر به العلاقات العربية البينية بأيام عصيبة نتيجة تفاقم الاختلافات بين العديد من البلدان العربية دون أن يتم التفكير في إيجاد حلول لها، وهو ما قد يؤدي إلى امتناع بعض الزعماء العرب عن المشاركة شخصياً والى خروجها بنتائج هزيلة ما لم يبادر الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي قبل موعد انعقاد القمة إلى القيام بمبادرة لإزالة اجواء الفتور.
فلا يزال الخلاف الليبي - السعودي قائما منذ انعقاد القمة العربية في بيروت سنة 2002، وتطور الشرخ في العلاقات بين البلدين، عقب إفادة معلومات بإعداد مخطط ليبي لاغتيال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
ورغم محاولة العاهل السعودي للعمل على تحسين أجواء الثقة بين البلدان العربية، حين بادر إلى فتح صفحة جديدة من المصالحات العربية في قمة الكويت الاقتصادية، إلا أن مبادرته لم تلق الإيجاب المرجو ليبيا لترجمة مبادرة الملك عبد الله بن عبد العزيز على غرار ما تم بين دمشق والرياض.
ويرى عدد من المهتمين من أن هناك مؤشرات أخرى ستجعل نتائج القمة العربية المقبلة جد متواضعة، لكون ليبيا لها مشاكل مالية مع جامعة الدول العربية حيث ترفض طرابلس تسديد حصتها من الموازنة العامة بحيث وصلت المديونية على ليبيا إلى 25 مليون دولار عن السنوات الأربع الماضية بسبب تحفظ طرابلس على عدم منحها وظائف في الهيكل الإداري للجامعة.
إضافة إلى أجواء التوتر بين مصر وسورية، ومصر وقطر، وبين الفلسطينيين أنفسهم، وبين العراق وسورية، وبين المغرب والجزائر.
ويرى عدد من المتتبعين أن لم الشمل العربية في القمة الليبية يستدعي أولا تحسين العلاقات الليبية مع الدول العربية قبل أن تشرف على المساهمة في حل باقي الخلافات العربية البينية، لاستتباع الدور التاريخي الذي سبق وقام به العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز في قمة الكويت عام 2009.
ومعلوم أن الأمة العربية اليوم تمر من مراحل عصيبة تتطلب خروج القمة العربية بقرارات قوية على قدر التحديات الراهنة التي يواجهها العالم العربي اليوم والمتمثلة بفشل مشروع السلام، والتعنت الإسرائيلي، والأوضاع الأمنية المتفاقمة في العراق واليمن، واحتمال تقسيم السودان، والملف النووي الإيراني، وتداعيات الأزمات المالية والاقتصادية العالمية وانعكاساتها السلبية على العرب.
والأكيد أن هذه الخلافات البينية إضافة إلى عدم الإحساس برغبة ليبيا للانخراط الدبلوماسية للإشراف على مصالحة عربية شاملة، يبرز ذلك لعدم تحرك معمر القدافي بمبادرات تهيئ تخلق جوا للمكاشفة الحقيقة بين دول العربية سيدفع بعدد من الزعماء العرب إلى العزوف عن المشاركة الشخصية في القمة الليبية، ويتوقع عدد من المحللين السياسيين أن القمة الليبية ستنخفض فيه مستوى التمثلية المشاركة الدول العربية إلى أدنى المستويات غير المسبوقة، وهو ما يعني أن القمة ستكون مناسبة لتمديد للخلافات العربية، إن لم نقل ستنفخ على مزيد من التشرذم والخلاف العربية. وهو الواقع الذي يريح إسرائيل لتستفرد بالشعب الفلسطيني الذي تعيش انقسامات كبيرة بين قياداته، كما يمكن الإستراتيجية الإسرائيلية لمواصلة سياسة تهويد القدس وقضم الأراضي الفلسطينية وإبداء المزيد من التشدد من أي مشروع سلام في الشرق الأوسط.
وأفادت عدة فعاليات دبلوماسية أن بإعلان جيبوتي مقاطعتها لقمة سرت العربية، تجمع دول الساحل والصحراء احتجاجا على تصويت ليبيا، بالرفض ضد مشروع أقره مجلس الأمن الدولي مؤخرا ويتضمن فرض عقوبات على اريتريا، قد يكون دليلا بارزا على أن القمة لن تحظى بحضور ملوك ورؤساء الدول العربية بالشكل الكبير، وما قد يترتب بشكل واضح على قرارات القمة.
ينضاف إلى ذلك الخلاف الليبي –الفلسطيني، ذلك أن محمود عباس أبو مازن يسجل على الزعيم معمر القدافي عدم استقباله له، عقب تواجده بطرابلس، واستقبله وزير خارجيتها، لكن رغم فإن مصادر فلسطينية أكد المشاركة الشخصية لأبو مازن في قمة سرت الليبية المقبلة.
وتعقد القمة العربية بمدينة سرت الليبية والأمة العربية تمر بتحديات قويات ومتعاظمة، منها الاستفزازات الإسرائيلية المتكررة، حيث أعلنت إسرائيل خلال الآونة الأخيرة عن سلسلة جديدة من بناء وحدات استيطانية في القدس المحتلة، استفزازات تندرج في إطار سياسة إسرائيلية تقوم على خلق إخلال بالتوازن الديموغرافي وجعل غالبية سكان المدينة المقدسة من اليهود كهدف استراتيجي.
ولتحقيق غايات سياستها هذه، فإنها تعمل على سحب هويات المقدسيين وفرض ضرائب باهظة عليهم، ومنعهم من البناء كما تقوم وزارة الخارجية الإسرائيلية بتوزيع منشورات تظهر أراضي الضفة الغربية بأنها أراض متنازع عليها.
ولكون القمة سبقتها تحركات دبلوماسية عربية على مستوى وزراء الخارجية العرب الذين أمهلوا إسرائيل أربعة أشهر لبدء مفاوضات غير مباشرة معها.
Elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)