محمد الراجي
السبت 26 يناير 2008 - 10:13
إذا أردت أن تعرف كيف هي الحالة الصحية لعظام المغاربة فما عليك سوى أن تتوضأ وتذهب إلى أقرب مسجد من بيتك ، وبقليل من الإنصات ستكتشف أن عظام الناس عندنا ليست بالمرة على ما يرام .
الطقطقات التي تصدرها ركبات المصلين أثناء حركات الصلاة تدل على أن ثمة نقص حاد في مادة الكالسيوم والحديد تعاني منها عظام أغلبية الناس ، ليس الكهول والشيوخ فحسب ، بل حتى الشباب الذين يوجدون في مقتبل العمر ، وإذا كانت ركبات شبابنا على هذه الدرجة من الهشاشة فإن مستقبل بلدنا يدعو فعلا إلى كثير من القلق .
كلما قام أحدهم من السجود تصدر عظام ركبتيه طقطقة مسموعة توحي بأنها هشة للغاية . وعندما نعود لنبحث عن السبب الذي يجعل عظام المغاربة على هذه الدرجة العالية من الضعف والهشاشة سنكتشف أن السبب يكمن في كون أغلبية المغاربة عايشين غير بالناشف والخوا الخاوي . يعني بالخبز الحافي وكؤوس الشاي الأصفر .
وفي دراسة لم أعد أذكر من هي الجهة التي أنجزتها قبل شهور توصل أصحابها إلى أن المغاربة لا يستهلكون سوى مليون قطعة جبن في اليوم ، وطبعا تعرفون أن هذه المليون قطعة من الجبن لا يأكلها إلا سكان الأحياء الراقية الذين يتناولون وجباتهم بالشوكات والسكاكين ، ويحرصون على مسح شفاههم الناعمة بالمناديل البيضاء بعد كل لقمة يضعونها بين أسنانهم التي تمضغ الطعام على مهل ، تماما كما تفعل السلحفاة .
ولكي نتيقن من أن عدد المرضيين في المغرب لا يتعدى مليون منطيح فقط ، يكفي أن نتذكر أن الشيخ محمد بيد الله الذي كان وزيرا للصحة في الحكومة السابقة عندما اقتنت وزارته لقاحات ضد أنفلونزا الطيور كان عدد الأمصال هو مليون مصل بالضبط . ففي المغرب مليون شخص فقط هم وحدهم من يستحقون الرعاية الصحية السليمة والأكل الجيد وكل الامتيازات الأخرى ، أما الآخرون فلا فرق بينهم وبين الحشرات في نظر المسؤولين الذين يحكمون هذا البلد الحزين .
الآن يبدو أن الصورة أصبحت أمامكم واضحة بما فيه الكفاية ، مليون مغربي يعيشون في النعيم ، والأغلبية الباقية عايشين غير بالناشف .
وحتى عندما يأتي عيد الأضحى الذي يعتبر المناسبة الوحيدة التي يتجدد فيها اللقاء بين أسنان أغلبية المغاربة مع اللحم بعد عام كامل من الحرمان فإن عظام كثير من الناس لا تستفيد من مادة الحديد التي توجد في كبد الخروف ، بسبب أن المغاربة يأكلون الشواء والكباب مستعينين دوما ببراريد الشاي ، والشاي كما يعلم الجميع يمنع الجسم من الاستفادة من القيمة الغذائية لأي وجبة لكونه يحتوي على مادة مانعة للهضم ، لذلك ينصح أطباء التغذية بتأخيره ساعتين على الأقل بعد تناول أي وجبة كي يستفيد الجسم من قيمتها الغذائية ، لكن المغاربة لا يملكون عن الشاي بديلا . الحليب غالي ، والعصير ديال الفواكه لا يشربه الناس إلا في وسط الليل عندما يكونون غارقين في الأحلام ، لذلك سيظل الشاي الأصفر هو الرفيق الوحيد الذي يستطيع بواسطته المغاربة أن يمرروا لقمة الخبز وسط حلوقهم المحتقنة بكثير من السخط ، ما دام أن ثمنه ما يزال في المتناول ، والله يبارك فالحقول ديال الشينوا .
أن تكون مغربيا من عامة الشعب فهذا معناه أن يكون جسمك ضئيلا جدا ، وراتبك الشهري ضئيلا جدا بدوره ، هذا لمن توفر لديه راتب ، وعظامك هشة للغاية ، وقلبك مليء عن آخره بالأزمات والهموم والأحزان ، وجيوبك مثقوبة عن آخرها ، وتعيش بنفسية تتعايش بداخلها عقد كثيرة وأحلام لن تتحقق أبدا ، وبأعصاب ساخنة مثل نقانق خرجت لتوها من الفرن .
ومع كل هذا الحزن والتعاسة التي تحفنا من كل جانب نرى الناس مصرين على العيش مهما كانت الظروف ، يبتسمون ويضحكون وكأن شيئا لم يكن . المغاربة يستحقون فعلا أن يحملوا لقب أكبر شعب صبور على وجه الأرض عن جدارة واستحقاق . يتعاركون ويختصمون ويصرخون في وجوه بعضهم البعض وبعد ذلك يتصالحون . يتصالحون فيما بينهم ، لكنهم لن يتصالحوا أبدا مع من جعلهم يعيشون في هذا الوضع المتردي .
التعليقات (0)