المعنى والتأويل في الخطاب الصوفي عند الحلاج
شريف هزاع شريف
إن محاولة الدخول إلى استراتيجيات نص محاط بالأساطير التاريخية والرفض الأيديولوجي ، مثلما هو مؤطر بالتعقيد او الشطط اللغوي والرمزية ، يعد عملا مجهدا ، خاصة ان كان هذا النص لأشهر واغرب متصوفة العالم الإسلامي (الحسين بن منصور الحلاج 244هـ-309هـ) ، فلغة المتصوفة بشكل عام "لغة خاصة بهم ، أو تعبيرات فنية استقلوا بها في الإفصاح عن أرائهم وأغراضهم " ([1]) وبعضها يعد من الأسرار المكتومة ، والبوح بها يعتبر خرقا لقواعد وقوانين التصوف يستلزم الأبعاد وحجب الثقة ، وقد عبر الحلاج عن ذلك فقال:
من أطلعوه على سر فباح به لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
وعاقبوه على ما كان من زللٍ وأبدلوه مـكان الأنس ايحاشا ([2])
وقد عبر بعض المتصوفة عن قتل الحلاج انه حدث نتيجة لبوح الأسرار المكتومة ، وما نجده في الحلاج انه لم يؤمن بضرورة الكتمان خلال حياته ، حتى اضطر شيخ متصوفة بغداد –الجنيد- الى طرده من مجلسه العلمي والحكم عليه فيما بعد على انه خارج عن طريق القوم - المتصوفة- مما دفع الحلاج الى تكوين تيار خاص به ، وأفكار استقل بها عن متصوفة بغداد فكانت طواسينه من النتاجات المهمة التي وضع فيها عقيدته وآراءه وتعديلاته ، بل وغرابته كلها فأصبح بيانا صوفيا متميزا في مادته وأسلوبه عن نصوص التصوف السابق واللاحق ! ونستطيع ان نجزم ان الطواسين نص يقع خارج إشكاليات التناص (Intertextuality) فلا توجد إشارة فيه على انه منفتح على نصوص سابقة او يتضمن نصوصا أخرى وهذا ما دفعنا للكتابة عنه وإظهار المميزات الأخرى التي فيه ، فانطولوجيا (النص) او ركائزه الثلاث :
المرسل – الرسالة – الملتقي ، احتوت إشكالات منذ الماضي وحتى ألان ، فالمرسل (المتمثل بالحلاج) لازال مغلفا بمجهولات التاريخ المطمورة والمندثرة ، وكل ما كتب عنه لا يفتح لنا بابا للنفوذ الى شخصية وملابساته الكثيرة الا في حدود ظنية او ماسينيونية([3])، هذا من ناحية شخصيته التاريخية ، اما شخصيته الحقيقية (التي درسها ماسنيون) فهي : انفعالية ، متمردة لا تأبه بالعقبات ولا بالقوانين السلطوية ، فمن الناحية الصوفية تمرد على جميع المتصوفة معلنا انشقاقه التام عنهم وعن قوانينهم وأطر تمرده نظريا بـ(الطواسين) وعمليا برمي (الخرقة الصوفية) التي لم تحدث في تاريخ التصوف على الإطلاق ! واما الجانب السياسي فقد بين ماسينون مدى اهتمام ونشاط الحلاج بالإصلاحات الاقتصادية التي كانت متدهورة إبان حياته([4])، واتصاله مع بعض الرجال المهتمين بهذا الجانب وهذا ما دفع السلطة السياسية الى اتهامه بالقرمطة،اما الرسالة (الطواسين) فهي بدرجة الإشكال الأول وتعقيده ، وفي الحقيقة هي صورة المرسل من خلال اللغة لأنها قناة الاتصال التي بيننا وبينه ، والطواسين كتاب معقد بأسلوبه وشفراته مما جعل قناة الاتصال كذلك ، وتأتي الركيزة الثالثة (المتلقي) هم- في الماضي / نحن-في الحاضر ، وهو الأكثر إشكالا وغرابة حيث تمثل في الماضي :
د- المؤيدون لأفكار الحلاج، التلاميذ، المريدون، بعض الجمهور بلا منظومة إسناد
فالسلطة الدينية اعتبرت الحلاج (زنديق، ساحر، مضلل…الخ) خارج عن الملة يستلزم إقامة الحد عليه (القصاص) لادعائه انه (الحق) ولإسقاطه فريضة الحج!؟
نفذت السلطة السياسية المقررات الدينية التي وقعت على قرار جماعي بضرورة قتله ، ولكن هذه الوثيقة فقدت !؟ وأصبح الناس أيام حياته وبعد قتله فريقين : فريقا يرفضه ، وأخر يؤيده او كما قال د. محمد غلاب "قرر بعضهم انه ساحر ، وجزم البعض الأخر بأنه مجنون،وأكد فريق ثالث انه يأتي بالكرامات " ([5]) فأما الرافض فقد استند الى تأويل السلطة الدينية وأما المؤيد فقد استند إلى (عيان) الكرامات او تواترها على السنة الناس ، وهذا التواتر هو الذي كون أسطورة الحلاج التي ألبسته أقاويل شعبية وخرافية ، ومن قبيل قولهم "انه لم يقتل بل رفع إلى السماء كالمسيح وسوف يعود كالمسيح … فاض نهر دجلة من بركة رماده…الخ" ([6]).
اما نحن /الحاضر فان تيه الشخصية في اوراق التاريخ ومحاكمته الشهيرة ولغته المستفزة تجعلنا في حيرة امام هذه الاشكالات جمعاء بوصفنا جئنا بعد عصره بـ احد عشر قرنا محملين بخطاب تاريخي وديني وفكري رافض للحلاج جملة وتفصيلا ، فكيف ننفض هذا الغبار التاريخي الخانق لنكتشف هل الحلاج هو حلاج ماسينيون او ابن الاثير او ابن كثير ام حلاج الزوايا والتكايا الذين يرفعونه على انه في مرتبة الولاية العظمة .. حقا انه اشكال يحتاج الى مدرسة نقدية مستقلة تدرسه متجاوزة اسوار المحضور وخيالات الولاية الصوفية لان الإشكالات الحلاجية استمرت حتى هذا العصر ، الرفض /التأييد ، النص /المتلقي ، الحلاج /التاريخ ،التصوف / السلطة الدينية ، فبقي الحلاج يعيش نفس المحنة الماضية واقعا في مطب الولي / الزنديق ، فظلت انطولوجيا النص في إشكال منذ عصر الطواسين ، ولا تأتي إعادة قراءة وتحليل النص الصوفي الا لكشف التراكم المعرفي - التاريخي - المكون للخطاب ألعرفاني الذي أصبحت نصوصه مفصولة عن الحاضر بسبب :
اللغة إشكالية التلقي النص إشكالية التأويل الخطاب / إشكالية التاريخ
فأصبح التصوف مركوناً عن عالمنا وغدت لغته خارج حدود العصر ، غير مفهومة سوى في الزوايا والتكايا والطرق الصوفية التي تجر نفسها من التاريخ جراً يشوبه التعب والإجهاد ، وهذا لا يعني اننا نريد إحياء هذه اللغة وتلك المصطلحات ( المصطلحات الصوفية ) لأننا لا ندعي موتها فالمقصود هو إعادة قراءتها ورفع إشكالاتها والتحاور معها من أفق أكثر اتساعاً وجدلية دون رادع او حاجز مورث من ممنوعات التاريخ " فالنص لا يعيش الا من خلال القارئ " ([7]) والعمل الأدبي " يستمد قيمته من التأويل الذي يقدمه القارئ من خلال علاقة حوارية تصاعدية مع النص بوصفه رسالة مفتوحة يوجهها المرسل([8])" فتاتي عملية القراءة هنا محاولة لإكساب النص المشكل (الدرجة القطعية في الحكم) ورفع الأقواس "الهوسرلية" التي يصبح وجودها متعارضا مع التراكم المعرفي ، التاريخي ، الثقافي ، والطواسين احد الوثائق التاريخية المهمة التي لم يبطل مفعولها ، فهي ملف من ملفات الماضي الذي حكم عليه بالإعدام ([9]) الا انه تسلل إلينا مكفنا بقضية المحظور ، فهو من الأوراق الممنوع تداولها والتكلم فيما تحويه في الماضي ، غير مفهومه فيما تحتويه في الحاضر ، واذا كان النص لا يملك أسسا شرعية في مادته ومحتواه ، فان إعادة قراءته وتحليل قضيته مشروعة
إعادة رؤية ونقد المحظور تكشف لنا صورة من قرر (الحظر) ومن وقع عليه فعل الحظر ، فالمحظور (الطواسين / أفكار الحلاج) هو صورة الحلاج ، عقيدته ، تاريخه ، حقيقته، زيفه ، توحيده ، حلوله ، اتحاده ، تصوفه ، دجله ، ولايته ، زندقته …الخ ، باختصار هو عملية كشف للسلطة التاريخية بمفهوم (فوكو) وهذا الشيء يتطلب تحييد القضية قبل الدخول فيها لان " الانطلاق من إيديولوجيا معينة في تفسير أي نص أدبي يشوه العملية النقدية ([10]) " بمعنى أخر ، الانطلاق من درجة الصفر في القراءة حتى ان لم يكن النص في درجة الصفر، ولان القراءة اليوم أصبحت " فعلا معقدا شديد التعقيد ([11])" كان لا بد ان تكون لها استراتجيات ، لأنها (القراءة) تبقى دوما مغامرة واقتحام! ومنا هذه المحاولات:
إستراتيجية حياة الحلاج :
ولد ليقتل ! 244هـ قتل بعد تقطيع يديه ، وصلبه ثم قطع رأسه في 24 ذي القعدة 309هـ )[12](، حرق لأجل ان يفنى أثره ! … أتلفت مؤلفاته ليفنى فكره ، وهدد الوراقون في بغداد من قبل السلطة بعدم استنساخ أي من مؤلفاته ، حبست عائلته … طورد تلامذته ومنع التكلم في أفكاره ([13])….
بدأ حياة السفر والترحال من مكان إلى أخر فوصل الهند والصين وتلقى الكثير من العلوم، ودامت رحلاته خمس سنوات.
في بغداد ألقى دروسا ،فأصبح له تلاميذ ومريدون …بسط لهم آراءه الصوفية " فلم يلبث ان صار موضع جدل ونزاع " ([14])وقتها بدأ عصر المؤامرات من حاسديه وخطط للإيقاع به بعد جهره (انا الحق) الا انه نجى بلا ضرر فاستمر بشكل أكثر تحديا ، فثار عليه الفقهاء واكبر متصوفة بغداد مما اضطره إلى رمي الخرقة الصوفية ومخاصمة شيخ المتصوفة – الجنيد- فأصبح للحلاج من تلك اللحظة إيديولوجيا يجب ان يستمر في بنائها والدفاع عنها ، وأصبح الانسحاب مهانة كبيرة فلا بد من الاستمرار … لا بد ان تكون لحريته وإثارته الجدل نهاية ، فصدر الحكم بسجنه سنة 296هـ وملاحقة مريديه مما اجبره على الهرب …. القي القبض عليه في الاحواز فنوظر سنة 301 هـ واتهم سياسيا بالقرمطة ودينيا بالسحر والزندقة، وأصبح الأمر جادا وقتها ، فسجن سنين طويلة وقيل انه سنحت له فرصة الهرب الا انه لم يفعل .
لم ينس الفقهاء قصته فأعادوها للنقاش ، فوقف التنفيذ يزعجهم… وأخيرا حكم عليه بالقصاص –القتل- نفذ حكم الإعدام أمام الناس ، فقال ساعتها " هؤلاء عبادك قد اجتمعوا لقتلي تعصبا لدينك وتقربا اليك ، فاغفر لهم فانك لو كشفت لهم ما كشفت لي لما فعلوا ما فعلوا ولو سترت عني ما سترت عنهم لما ابتليت بما ابتليت ، فلك الحمد فيما تفعل ولك الحمد على ما تريد " ([15]) بعدها كان دور ابو الحارث السياف ! ؟ …
بعد قتله بهذه الصورة الدرامية الدامية اخذ التصوف منحى اخر وخفت لغة الشطح ، وأصبح أكثر باطنية وتشعبت مصطلحاته وأصبح اكثر تعقيدا وغموضا لان السلطة الدينية الفقهية برهنت ان لها القوة في الردع ، فأصبح الخوف عاملا محسوبا والا سيكون هناك اكثر من حلاج ، فكان للكتمان والسرية دور في تعقيد اللغة الصوفية وترميز الكلام لانها (اللغة) شاهد الإدانة الذي يحاجج به المتصوفة ، وما يؤكد هذا ان عملية تصفية الحلاج (الجسدي+الفكري) أنهت مذهبه ولم يتجرأ احد ان يتبناها ولم يعد للحلاج سوى (سيرة) اما الحلول والاتحاد فقد صودر نهائيا وهو من أهم الآراء الحلاجية في بناء مذهبه الذي كان في ثلاثة فروع " أولا :الفقه ، يمكن الاستعاضة عن الفرائض الخمس بشعائر أخرى بما في ذلك الحج (إسقاط الوسائط) ، ثانيا : علم الكلام ، تنزيه الله عن حدود الخلق –الطول العرض- ، وجود روح ناطقة غير مخلوقة تتحد مع روح الزاهد المخلوقة –(حلول اللاهوت بالناسوت)- يصبح الولي الدليل الذاتي الحي على الله –هوهو- ومن ثم القول (انا الحق) ثالثا : التصوف ، الاتحاد التام مع الإرادة الإلهية –عين الجمع- عن طريق الشوق والاستسلام للآلم والمعاناة"([16]).
يعد التكلم في أي من هذه الآراء مجازفة خطيرة يطبق عليها ما طبق على الحلاج ، وهذا ما حصل فعلا لأحد المتصوفة الأذربيجانيين (عماد الدين نسيمي) الذي حذا حذو الحلاج فقتل في حلب بعد محاكمته عام (
استراتيجية الطواسين .
هي الوثيقة الأكثر أهمية من الوثائق الحلاجية التي وصلتنا ([18])، وهي كراس قليل الصفحات معقدة في محتواه ، كتب في فترات تاريخية متقطعة وامتدت أيدي الناقلين إليه ، وكان آخر ما كتبه الحلاج في حياته هو (طس الأزل والالتباس في صحة الدعاوي بعكس المعاني) حين كان في السجن فسلمه لتلميذه النجيب (ابن عطاء الآدمي) الذي قتل قبل شيخه لدفاعه المشهود عنه .
الطواسين مجموعة من المفاهيم والعقائد الصوفية الخاصة بالحلاج ، وضع فيها جملة آراءه وتصحيحاته واعتقاده بشكل تعبيري ملفت للنظر ، حيث انه لا يدرج ضمن الواردات الإلهية او التلقي ألعرفاني ، بقدر ما هو تكوين منظم لأفكاره ، ومن المرجح انه كان يتحدث بمادة الطواسين قبل تدوينها أمام المريدين والعامة ، ثم حول المقال الى نصوص مكتوبة ابان حياته في الفترة الأخيرة .
يحتوي الكتاب على احد عشر نصا يبدأ بـ 1- طس السراج 2- الفهم 3- الصفاء 4- الدائرة 5- النقطة 6- الأزل والالتباس 7- المشيئة 8- التوحيد 9- الأسرار في التوحيد 10- التنزيه 11- بستان المعرفة (الذي لم يعتبره الحلاج طس) ولم يصل إلينا طس التنزيه الا ان ماسنيون نقل لنا ترجمة فارسية له ، قامت مصر بترجمته في إحدى طبعات الطواسين القديمة ، اضافة لذلك يحتوي الكتاب على رسوم غريبة منها تجريدية جدا ومنها كالطلاسم وعددها احد عشر رسما وزعها في ستة طواسين ، وفي الكتاب أربعة محاور هي :
أ- النظرية الصوفية : يعد الكتاب بشكل عام (نظرية صوفية) اما على وجه الخصوص فان الحلاج وضع أسسا لنظريته في المقامات (43 مقاما) ، أولها الأدب وآخرها مقام البداية ، وهذا ما لا نجده في مؤلفات وأفكار متصوفة عصره ، حيث ان النظرية الصوفية تعتبر (النهاية=الوصول) اخر المقامات حيث الوصول الى الحضرة الإلهية او عين الجمع/الفناء، الا ان الحلاج اعتبر النهاية هي البداية لأنها أعلى مرتبة في الطريق فيكون بينها وبين عين الجمع زمن قصير وفيها يصبح الصوفي في (اللانهاية) او الاتحاد الكلي بين المخلوق والخالق، وقد صاغ الحلاج فكرته هذه في طس الصفاء .
ب- التوحيد والتنزيه : وضع الحلاج معضلة المعرفة الإنسانية وعجزها في إدراك التوحيد والتنزيه الحقيقي (عجز العقل البشري) وأحيانا نشعر بمطالعتنا للطواسين أننا بحالة عجز تام لمعرفة أي شئ على حقيقته فالحيرة هي مشكلة التصوف كما نجدها عند النفري الا ان الحلاج رسم لنا صورة اكثر وضوحا عن حقيقة الحيرة (طس: التوحيد ، الأسرار في التوحيد ، بستان المعرفة) .
ت- معضلة الأمر والمشيئة : وهو اهم محور في الطواسين ، فقد نلمح الحلول او الاتحاد او وحدة الوجود ووحدة الشهود سطحيا ، اما الأمر والمشيئة فانه اخطر ما اقره الحلاج في الكتاب وقد يكون السجن السبب الذي دفعه لابتكار هذه الفكرة (المعضلة) حيث اننا نجدها واضحة في طس الأزل والالتباس ردا على أفكار الشلمغاني المتطرف الذي كان احد ألد خصوم الحلاج ، فما كان من الحلاج الا ان يرد من خلف القضبان على خصمه معلنا (لا أضداد في العالم !؟) مسيقاً أمر السجود ورفضه من قبل إبليس ثم مدافعا عنه وعن فرعون وهذا شيء لم يعهد من قبل ابدا (طس: الأزل والالتباس ، المشيئة) .
ث- معرفة الحقيقة : وهي النقطة التي تربط أفكار النصوص مع بعضها والتي بدونها لا يصل المرء الى معرفة الإشارات الحلاجية ، فقد بين عوائق الفهم ومراتب الفهم بالقياس الى مراتب الحقيقة ولا غرابة ان نجد الحلاج يتطرف في رؤيته لهذه المسألة فيقحمنا بما هو أعقد (حقيقة الحقيقة ، حقيقة الحقائق ، حق الحقيقة ….الخ) (طس : الفهم ، الدائرة ، النقطة) مستعينا بالرسوم هنا وهناك فاصبح الدخول الى معرفة افكار الحلاج والحقيقة التي يريد ، معضلة بحد ذاتها .
حال قراءتنا للطواسين والشعور بالحيرة أمام مواضيعه ورسومه تبدأ الأسئلة بالظهور، أسئلة تخص الأسلوب وأخرى الأفكار ، وحين ندخل في معادلة حياة الحلاج مع أسلوبه نجد ان هناك تناقضا فالحلاج : صريح ، مباشر ، يوجه كلامه للكل (عامل الخوف هامشي في حياته) بينما الطواسين ملغزة غير مباشر ، فلمن كتب الحلاج طواسينه ؟ في طيات النصوص نجد ثلاثة أشكال للإرسال .
الشكل الأول : لغة وجهت للعامة ، قابلة للفهم المباشر ولا تحتاج إلى إطار مرجعي تأويلي لفهمها ، تتسم بالأسلوب التعبيري القريب للعواطف هذا الشكل في الإرسال كتب بسياق:
اشارة تحيل الى معنى عبارة
الشكل الثاني : لغة وجهت لتلامذته ومريديه (ولمتصوفة بغداد أيضا) وهي غير مباشرة، قابلة للفهم من خلال التأويل ، أي بعد إرجاعها الى المعنى المتضمن في الإشارة والعبارة الصوفية.
وهذا الشكل يضم مصطلحات وجمل تحتاج الى شرح لكي يتكامل المعنى مع فضاء النص وهذا الشكل من الإرسال كتب بسياق :
اشارة عبارة طس سراج من نور الغيب تأويل معنى :-طس من خلال النص الحلاجي ككل بعد الرجوع الى مادة النص يتبين ان المقصود من السراج(منبع النور) هو الرسول محمدصلى الله عليه وسلم وحيث انه لم يعرف على حقيقته فهو من نور الغيب (ما عرفه احد على التحقيق سوى الصديق رضي الله عنه) التأويل المعنى التأويل
ونظن ان الحلاج كان يشرح نكات هذا النوع من الإرسال لمريده مثلما فعل بتأويل بعض الآيات القرآنية في الطواسين .
الشكل الثالث : وهو إرسال متفرد متميز حيث اللغة غير مفهومة وبأسلوب لم يعرف من قبل عند المتصوفة في ذلك العصر ، فهو ملغز غير قابل للفهم ولا للتأويل ، ما يعني انه كتب هذه الطواسين متحديا متصوفة بغداد الرافضين أفكاره ، واما كتبه منه –اليه ونرجح الاحتمال الأول .
لم تصلنا معلومة تاريخية حول ان كان الحلاج قد شرح شيئا من هذه اللغة لتلامذته ولا توجد إشارة فيما اذا كان المتصوفة السابقين للحلاج قد استخدموا هذا الأسلوب ،وقد اخطأ .د. علي صافي حسين بقوله :أن الدسوقي هو اول من استخدم هذا اللون في رسالتين له مستخدما اللفظ المعجم "الذي لا مدلول له في اي من اللغات العربية ، التركية ، الفارسية ، وحتى السريانية "([19]) وإبراهيم الدسوقي ولد في 633هـ ومات في 676هـ وبين موت الحلاج ومولد الدسوقي أكثر من ثلاثة قرون .
تعتبر الجملة الصوفية من هذا النوع ممتنعة التأويل ، لانها تتكون من إشارتين تحيل الى عبارة (=الجملة الصوفية) التي تكون المعنى ، والإشارة مصطلح صوفي يعني "ما يخفى عن المتكلم كشفه بالعبارة "([20]) أي بالعبارة الصريحة وكما عبر عنها الحلاج بدقة حين قال (من لم يقف على إشارتنا لم ترشده عبارتنا) وقال الروذباري " علمنا هذا إشارة فان كان عبارة خفي"([21]) والإشارة في الطواسين = المفهوم الذي اختزل لغويا ، وفي الشكل الثالث لا نستطيع الوصول الى فهم آلية الإشارة ولا اشتقاقها فبغض النظر عن اللفظ المعجم هناك لفظ عربي ايضا غير مفهوم لانه كتب من خلال إشارتين تحتاج كل إشارة الى تأويل مستقل ثم الربط بينهما للوصول الى العبارة = الجملة الصوفية التي تكون المعنى ، ونمثل هذا الشكل من الإرسال بهذا التوضيح :
اشارة اشارة مثل قوله :-كأنها كأنها كأنها كأنه كأنها لا نعرف ماذا قصد الحلاج من كأنها ولا نعرف ماذا قصد من كأنه وليس هناك قرينة في نصه على كأنها وكأنه التأويل تشتت المعنى عجز التأويل عبارة لا تأويل يبقى النص الحلاجي كما هو ..كأنها كأنها كأنها كأنه كأنها
شراهمه برهمية ، ضواريه مخيلية ، عماياه فطهمية ([22]) .
فهذا النموذج لا يمكن تأويله لا بذاته ولا بإرجاعه الى مادة النص ، لانه خليط من الفاظ لا كنه لها عندنا، وتأويلها شيء محال ، حتى ما ورد فيها باللفظ العربي ، وإن محاولة تأويله يعد (تأسيس معنى مسبق) لان تأويل ما لا يؤول هو عملية (احتيال) سلبية للبرهنة على معنى مسبق لم يكن التأويل سوى تأطير شرعي لهذا المعنى وهذا اخطر ما في التأويل لانه خروج عن قوانينه ، فالتأويل يجب ان ينطلق من نقطة حيادية تستوعب المعنى مهما كان اعتباره ضد النص او مع النص وهو ما ذكرناه أعلاه بـ(التحييد) فيجب تصنيف النص الى ما يؤول وما لا يؤول تاركين الاخير ضمن فضاء النص باعتباره بلا دلالة (قرينة صارفة) او معنى كونه لا يقدم معنى بذاته ولا بغيره .
هذه الاشكال الثلاثة من(الإرسال) تنطبق على النصوص الصوفية عامة لانها اما ان تكون مفهومة لا تحتاج الرجوع الى معاني المصطلحات ، نجد هذه اللغة في مؤلفات (الكيلاني ، المكي ، الغزالي ، النقشبندي …) واما ان تكون بحاجة لفك معاني المصطلحات كما نجدها عند (الحلاج ، النفري ، ابن عربي ، ابن سبعين …) وياتي الشكل الثالث غير قابل للفهم ، ولا للتأويل او ليس له معنى وقد لمس كثير من المتصوفة بعد الحلاج هذه اللغة ولكنه لم يكن سائداً في التصوف لما فيه من مآخذ أخطرها اعتباره من ضمن السحر والأقسام السفلية …الخ او خروجا عن اللغة القرآنية الدينية التي جاءت باللفظ العربي القويم ، فيعتبر هذا الشكل بلا إسناد قرآني او سني (السنة المحمدية) .
استراتيجية اللغة الصوفية
تعتبر اللغة الصوفية لغة رمزية / مجازية ذات دلالات كثيرة قابلة لأكثر من تأويل تتميز بالتخيل والتمثيل والتشبيه ، لهذا فهي عينة بلاغية خصبة ، واذا كانت اللغة عند سوسر نظاما من الإشارات التي تعبر عن الافكار فان المتصوفة استخدموا في لغتهم واستعاراتهم إشارات ودلالات تختلف عن استعارات ودلالات الأدب ، الفلسفة ، السياسة …الخ ، وتشكل هذه الاستعارات في تركيبها وتكوينها سياقا خاصا فيه مفردات وجمل متميزة فتصبح لكل مفردة دلالة ولكل جملة حجة كما يقول امبرتو ايكو ([23])، ولا يمكن دراسة النص /اللغة الصوفية الا بعد دراسة الية تكون المفردة والجملة المكونة للنص بمعنى اخر الرجوع الى التجربة الصوفية المكونة للغة التصوف ، لان اللغة هنا تكونت من منظور صوفي خاضع لسلسلة من الاستعدادات والممارسات الخاصة ، فالنص هنا لا يتكون بعد إجهاد عقلاني وتخطيط إنشائي مسبق بل من إجهاد / استعداد روحي وراء النظر العقلي كما يقول ابن عربي، على ضوءه نحتاج الى فهم التجربة الصوفي لان الكلمة او الشيء عندهم " لا يماثلان الدال والمدلول … بل هما يستمدان معناهما من خلال التمثيل الثقافي " ([24]) وهذا التمثيل هو الذي يطابق الدال والمدلول بالكلمة والجملة ، ولا نتفق مع الدكتورة سعاد الحكيم بضرورة التمييز بين التجربة الصوفية وبين التعبير عنها ([25]). لأن التعبير عن التجربة هنا هو نقل التجربة تلك من عالمها الذاتي /الحسي الى التمثيل اللغوي /التعبيري أي تطابق الذات مع اللغة والحس مع التعبير ، او كما قالت هي : العودة من الأعماق الى الآفاق فمسيرة العودة هذه هي المجال الذي تنشأ فيه اللغة /النص ، واذا لم تكن هناك مطابقة وعلاقة بين التجربة الصوفية وبين التعبير عنها ، لما ظهرت لغة خاصة بالمتصوفة التي جاءت لتمثيل واحتواء التجربة في اطار لغوي /نصي ، لأنه لو كانت التجربة الصوفية خارج نطاق التعبير عنها لما تحققت إمكانية القراءة " فلا تتحقق الكتابة الا لأنها تحمل في داخلها إمكانية القراءة ." ([26])
فكان رد الفعل الديني منصبا على هذا المحور اكثر من انصبابه على التجربة الصوفية كون الثانية استمدت شرعيتها من منظومة إسناد ديني /تاويلي (من القران والسنة) وتعليق الدكتوره أعلاه نسف التراث الصوفي اللغوي فعلى ضوء فرضيتها تعتبر النصوص الصوفية التي بين يدينا مجرد سطور تملأ فراغا في التاريخ !؟ وإذ نقوم بدراسة الردود والانتقادات التي وجهت للمتصوفة نجد انها ترتكز أولاً على أساس (اللغة /التعبير /الأسلوب /الغموض / الترميز…الخ) لان اللغة التي يتكلمها ويكتبها المتصوفة تختلف عن لغة وكتابات غيرهم ، فالآخر يطبق تمثيل ثقافي معجمي او لغوي خارج التصوف على اللغة الصوفية وهنا تولد الفجوة ! فالجوع كلمة عربية ومفهوم اقتصادي له اسباب ومصطلح سياسي ، ويمكن ان يكون مجازاً ادبياً ، أما عند المتصوفة (مصطلح) له أركان وأسلوب وغايه ، فهم يأخذون نتيجة (الكلمة) لينطلقوا بها الى مجال اخر فالجوع عندهم وسيلة للتقرب الى الله ، وهو احد اركان المجاهدة له ثمار الوصول وهو من ينابيع الحكمة …الخ ، فلاحظ الاختلاف في معنى الكلمة ، ولهذا السبب نبه الفقهاء الى " الاحتياط منهم واعتزال مجالسهم "([27]) اما الحياديون فقد اعتبروا ان للمتصوفة حالتين مختلفتين (كرد فعل على لغتهم) حالة الصحو وحالة الغيبوبة - السكر - ، اما الأولى فهي الحالة التي يكون فيها المتصوف مسئولا عما يقوله ، اما الثانية فلا يكون فيها مسئولا كونها (الحالة) لاحد عليها يوجب المحاسبة فأدرجوا لغة الشطح ضمن حالات الغيبوبة، وعبر المتصوفة باصطلاحاتهم على مثل هذه الحالات بـ(الذوق ، الشراب ،الري ، ….الخ) " فصاحب الذوق متساكر ، وصاحب الشراب سكران ، وصاحب الري صاحي … ومن قوى حبه تسرمد شربه "([28]) ولهذا كان هناك تعليلات إيجابية لشطحات المتصوفة ومنهم الحلاج بقوله (انا الحق) فلم توجب قتله رغم طلب بعض الفقهاء لاعتراض احدهم باعتبار ان مقولته صادرة عن حالة (روحية) اجتازت حدود العقل ! .
تتكون اللغة الصوفية /النص بعد استعدادات مسبقة هي (أذكار ، أوراد ، مجاهدات ، رياضات،خلوات …الخ) تؤدي هذه الاستعدادات الى تكون (الذوق الصوفي) وهو مصطلح خاص بهم لا يخضع لمنطق العلم يدرجه المتصوفة ضمن (علم الأحول)ويفهم من سياق المصطلح في مؤلفاتهم انه يعني (المعرفة ، الإدراك ، الفهم /الحدسي) " فهو نور عرفاني يقذفه الحق في قلوب أوليائه "([29]) والذوق هو القاسم المشترك عند المتصوفة وبالنتيجة هو القاسم المشترك في تكوين اللغة /النص ، وينبه المتصوفة قراءهم الى فهم هذه المسألة والدخول في التجربة كي لا يحجبوا عنه كنه مرادهم ، والذوق عندهم أول درجات الشرب ، فيكون الأخير أول درجات التلقي /الاستقبال ، والسكر نتاج الشرب فيصبح السكر أول درجات الإرسال /الانفعال ، وهذه الحالة تؤدي الى درجة اعلي من الذوق تسمى (المعراج الصوفي) "وهو عودة الى البطون ، يقوم المتصوف من خلاله بتحليل الأركان "([30])والمقصود منه رحلة داخل النفس لاستلام نتائج الذوق ، الشرب ،السكر لانه استشراف للعالم تليه حالات أخرى متقدمة هي (المحاضرة تليها المكاشفة تليها المشاهدة) ونجمع نحن هذه الحالات بمصطلح (المخاطبة) التي تكون وصفية او تحليلية تنتج اللغة الصوفية /النص .
اذا كانت " اللغة هي التي تنشئ مفاهيمنا عن العالم " ([31]) على حد تعبير دريدا فالمعراج الصوفي هو الذي ينشئ مفاهيم المتصوف عن العالم وتتغير هذه المفاهيم (حسب درجة الذوق) فدرجة الذوق تتغير بتغير الحال والمقام " ([32]) وعليه فللنصوص الصوفية درجات مختلفة في التلقي و الإرسال فقد يكون في حالة النوم او اليقظة والذين يرجعون تلقّيهم الى حالة النوم هم عادة يريدون ان يتملصوا من التبعات التي قد تلحق بهم مثلما نجد عند ابن عربي هذا الأمر ملحوظاً في الفتوحات والفصوص ، وبكل الأحوال تكون اللغة هي الصورة الناقلة لهذه التجربة اما عند الحلاج فالامر يختلف قليلا فهو لا ينقل تجربته الصوفية في الذوق والتلقي مباشرة انما نجده يقوم بتنظيم وتكوين هذا التلقي وفق نموذج فيه اللمسات الفكرية التي تناسبه ففي الطواسين لا نلمس تجربته الصوفية والذوقية العرفانية مثلما لا نجد إرهاصات الوجد الصوفي بالقدر الذي نجد فيه (الحلاج المقنع) الذي يختلف عن (الحلاج الشاعر) فالثاني شحنة من العواطف والتعبير والانفعال والخيال والصراحة !
[أنا من أهوى ومن أهوى انا ، أنعى إليك نفوسا طاح شاهدها ، نديمي غير منسوب إلى شيء من الحيف ، حويت بكلي كل كلك ياقدسي …الخ] نجده في الطواسين شخصا آخر مليء بالتعقيد والترميز ، هنا خائف وهنا متمرد ، هنا متصوف وهنا عقلاني متفلسف بمعنى آخر حول عواطف الشعر والانفعال الى مقاييس العقل والفلسفة والأكاديمية ولكن هذا العقل وهذه المقاييس بقت بـ(المتصوف) ، بهذه تكون التجربة الصوفية تجربة مختلفة من شخص الى آخر وهي تمتد أو تتحدد بالنسبة (للذات) أولا و(للنظرية) التي يريد الصوفي ان يثبت صحتها ويعمم كل شيء على ضوء معادلاتها وتتمثل التجربة نظريا بهذا التخطيط :-
حالة النوم
معراج صوفي /مخاطبة وصفية او تحليلية
ومن هذه المخاطبة يتكون النص الصوفي (اللغة الصوفية /النص)
إستراتيجية المعنى والتأويل :
جاء في المراجع اللغوية في مادة ( أول ) = تأويل ، هو الرجوع الى الشيء ، وفي لسان العرب " اول الكلام وتأوله :- دبره وقدره … والمراد بالتأويل نقل ظاهر اللفظ عن وضعه الأصلي الى ما يحتاج الى دليل لولاه ما ترك ظاهر اللفظ " ([33])وحديثاً يعني " استحضار المعنى الضمني بالرجوع الى المعنى الظاهر " ([34]) وتتوخى العمليات التأويلية الوصول الى (الفهم) الكامل المترابط مع المعنى الكلي الظاهر والذي سماه غادامير بالفهم الناجح ، وللوصول الى درجة الفهم الذي لا يعتبر فعلاً ذاتياً انما " دخولاً في عملية تراث ، يتكيف فيها كل من الماضي والحاضر … وفي هذا الفهم نكون فعلاً جزءاً من التاريخ وموضوعاً لاستمراره الذي يكشف عن نفسه بمزيد من الوضوح لأعيننا من خلال النشاط التأويلي "([35])ومع هذا تأتي العملية التأويلية ناقصة وغير مكتملة ، بل لا يمكن ان تكتمل لأنها لا تستطيع أحياء ما تؤول حيث تنصب في اللفظ المكتوب ومن حيث هو بناء في نص بينما هو تكوين من فعل حي وذات لها تكوينها ورؤيتها الخاصة ( في الماضي ) لها لا يمكن لاي تأويل نمارسه في النص " ان يعيد بناء أحجاره كما رصفتها أحداثه الأصلية ، وبالتالي كل تأويل هو محاولة إعادة الحوار بين المؤول والنص "([36]). والقراءة التأويلية تأتي أولا لدمج " وعينا بمجرى النص " ([37]) وثانياً اختيارنا المسبق لنصوص لاتحمل في ذاتها " دلالة جاهزة ونهائية ، بل هي فضاء دلالي وإمكان تأويلي "([38]) وهذا ما يجعل في القراءة طابع المغامرة والاقتحام للوصول ( للفهم الناجح ) ، والطواسين عينة كبيرة لمثل هذه القراءة ، ففيه الكثير من الإشكالات والمفاهيم والمصطلحات التي تحتاج الى تأويل ، وليس بمقدورنا عرضها بالتفصيل كما ان الرسوم التي في الطواسين تحتاج بحد ذاتها إلى دراسة مستقلة لبعض إشكالاتها ، وسنكتفي بعرض مختصر لبعض إشكالاتها ، وإن ممارستنا التأويلية تبقى رغم كل شئ عملية ناقصة وهذه بعض إشكالات النص والخطاب :-
1- طس :- عرف الحلاج لنا طس على انه سراج من النور الغيب ومثلهُ بشخصية الرسول (r ) لكن هذا لا يعني ان كل طس هو نفسه الرسول (r ) إنما هو أيضا سراج من النور الغيب ويلمح الحلاج هنا على أن الموضوع (تلقي عرفاني ذوقي) او من ضمن الأسرار التي كشفها الحلاج برحلته الصوفية ، ومما يجدر الإشارة إليه ان طس وردت في القرآن الكريم في سورة النمل فقط والمعروف أن فواتح السور (المقطعة) من الاعجازات القرآنية التي حيرت العرب وكانت تحدياً أبهت قريش فهل استخدمها الحلاج كتحدٍ منه!!!؟من المحتمل هذا والاحتمال الآخر أنه عبر بلغته عن ما تحويه هذه الكلمة من معانٍ متعددة .
من خلال القراءة التأويلية نستنتج ان طس = مفتاح فيكون مفتاح السراج ( محمد r) ومفتاح الفهم = حقيقة الحقيقة ، ومفتاح الصفاء = التصوف واجتياز المقاومات الـ 43 ، ومفتاح الدائرة = الفهم ( حقيقة الحقيقة ) والوصول الى الحضرة الإلهية ومفتاح النقطة = الفناء في الله ومفتاح الأزل والالتباس = التقديس ومفتاح المشيئة = دوائر الأمر والتكليف وهي أربعة دوائر( المشيئة ، الحكمة ، القدرة ، الأزلية )، ومفتاح التوحيد = التجريد ، ومفتاح الأسرار في التوحيد = (طس مشكل لأنه تجريد تجريد التوحيد !؟ ) مفتاح التنزيه = (طس بلا كتابة) رسوم = إشارات مختزلة ، اما بستان المعرفة فهي بلا طس ([39]) = الحيرة في معرفة الله وفهمه ….الخ . وكل ما في الطواسين يعتبر ضمن السراج الذي هو نور من الغيب او من نور الغيب .
التأويل الثاني هو ان يكون كل طس = محمد (r ) فيكون (r ) هو السراج وهو الذي جاء بالفهم والصفاء والتوحيد والتنزيه …الخ . ولهذا التأويل إثبات في الرسوم التي أدرجها الحلاج في الطواسين وسنأخذ هذا النموذج المطلسم الذي يعزز هذا التأويل .
2- الرسم الذي أورده في طس التنزيه
183
جاء في النص الفارسي الذي أدرجه ماسينيون في تحقيقه للطواسين ما معناه " هنا مكان الطاء والسين ، النفي والإثبات هذه صورته … انه فكر الخاص والدائرة التي في الأسفل [التي فيها لام الإلف ] منزهة عن جميع الجهات … أفكار الخواص تغوص في بحر الافهام … ويتلاشى العرفان "
اولاً يتضمن الشكل أعلاه إشارة لـ ( طس ) ولكن بحساب الجمل ( أبجد هوز ) والحلاج لم يدمج الحرفين معاً بل قال ، هذا مكان الطاء = 9 والسين = 60 وقد جاء الرقم ( 9 ) في سورة النمل مرتين .
أ- تسع آيات أعطاها الله لموسى ( حدث إيجابي )
ب- تسعة رهطٍ في المدينة يفسدون ( حدث سلبي )
فهل أخذ الحلاج الطاء = 9 من الآية ( الإشارة ) الأولى ام الثانية ؟
نأتي هنا لنكشف وحدة الأضداد التي يؤمن بها الحلاج فالطاء = 9 وهي إشارة سلبية وايجابية في الوقت نفسه والآيات القرآنية بينت ايجابية ( تسع آيات ) وسلبية ( تسعة رهط ) الأولى مذكر والثانية مؤنث والحلاج يعتقد ان فيها ترابط فللرقم ( 9 ) استخدام سحري يستخدم لهلاك الظالمين كما جاء في المراجع العرفانية ([40])وان جميع الأسرار الكونية في هذا الرقم ([41]) ويقصدون بالأسرار التي في عملية التكوين والخلق فهل ظن الحلاج أن الآية التاسعة التي أعطاها الله لموسى هي التي أغرقت فرعون ؟
عليه نلاحظ ان للتسعة استخدامين في القرآن سلبي / ايجابي اما السين = 60 فلا دلالة لها في السورة اما دلالتها العرفانية فهي لتسهيل بعض الأمور ! ؟
ثانياً: ينقسم هذا الشكل المطلسم خمسة أقسام باستثناء دائرة لام الألف :-
81 9 9182
القسم الأول نخرج منه الأرقام 92 18 = 8 + 1 = 9 وهم في حالة المقام اما البسط فهو
( س ) وهناك 5 = هـ في المقام مفصولة عن 5 = هـ في البسط اما الرقم 92 فهو مجموع اسم محمد باللغة العبرية ( كما جاء في التوراة ) وأيضاً باللغة العربية .
فيكون الناتج ان طس = 92 = محمد =طه
لان طاء = 9 ، هاء = 5
اما دائرة لام الألف فهي تشير أولا للنفي والإثبات وأيضا تحوي حساب ينتج
الألف =1 ، اللام = 30
اذا 31×3 = 93 وهو عدد ايات سورة النمل وهي السورة الوحيدة التي عدد اياتها 93 وهذا يعني ان الحلاج يقصد بـ(طس) سورة النمل فقد أضاف الحلاج لام ألف ثالثة لشكله رغم أن النفي والإثبات في التشهد اثنين وليس ثلاثة ! .
مما ذكره ماسينيون في دراسته عن الحلاج ان بعض المتصوفة استدلوا عن تاريخ وفاة الحلاج 309 هـ بحساب قيمة (طس) وهذا يعني أنهم جمعوا خمس سينات ثم أضافوا طاء ليكون الناتج 309 هـ ([42]) ؟
3- رمي الخرقة الصوفية /لا تناص : حدث تاريخي متفرد وغريب جدا لم يحدث في تاريخ التصوف ، يدل على قوة الرفض والتمرد وعلى الخروج من دائرة الصوفية التي كانت في عصر الحلاج ، وهو انسلاخ عن قوانينهم وانشقاق تام ، لقد كان هذا العمل إعلانا للعدمية التي أصبحت فيما بعد إيديولوجيا ، ورمي الخرقة في نظر الحلاج خطوة نحو الأصالة والاستقلال فكان لهذا العمل التعبيري /العملي دورا في الكتابي /النظري الذي تشكل من البداية بلا تناص ولا أي مرجع يحيل للماضي او الحاضر (حاضر الحلاج) فأصبح الحلاج بلا إسناد شيخي لأنه منشق هذا اللاتناص + قطع الإسناد ألشيخي هو الذي كون المحظور والممنوع في النص والخطاب ألحلاجي فالمتصوفة تردد عبر التاريخ (من لا شيخ له ، الشيطان شيخه) وكلمة الشيطان هنا مجازية تعني (الضلالة) فاخذ الخطاب ألحلاجي منذ رمية الخرقة الاتجاه التالي :
انتج هذا الفعل سلوك + كلام + كتابة
ولأن الحلاج انسلخ عن شيخه (وهو امر منكر عند المتصوفة اشد الإنكار)= لا شيخ له أدى هذا الشيء الى منع (مطلق ان يكون الحلاج شيخا لأحد)
فحكم المتصوفة على كل من يتبع الحلاج انه ضال (الرأي الضمني لشيخ متصوفة بغداد- الجنيد) هكذا اصبح الحلاج في وقته محظورا من الطرف الديني الفقهي والسياسي السلطوي والصوفي المعاصر له .
إشكال الحلول والاتحاد الانا/الانت .
مشكلة الحلول او الاتحاد او الإنسان المؤله هي صورة لنقيض الإله الإنساني الأسطورية وهي قضية عميقة في التاريخ القديم والحضارات الشرقية وغير الشرقية ، اما الحلول والاتحاد الصوفي فهي مشكلة كبيرة ليس لها جذور إسلامية إطلاقا فهي من تأثيرات الغنوصيات والأفكار الهندية والبرهمية ، وقد ذكر الهجويري " ان مشكلة الحلول والاتحاد تعود الى مشكلة الروح " ([43]) لما فيها من غموض ولبس اما معالجة المستشرق نيكلسون لهذه المشكلة وعرضه قضية الحلاج نموذجا متخذا ثلاثة نقاط للدفاع عنه إنما جاء وفق المنظور المسيحي لها لا المنظور الإسلامي ([44]) والحقيقة ان المتصوفة الذين جاءوا بعد الحلاج (الذين لم يقعوا في سلطة الخطاب) ابعدوا هذه التهمة عنه ، وعلى ضوء ما وصلنا من الحلاج فان مقولته (انا الحق) او (اننا روحان حللنا بدنا) وخطابه مع الله (قلت من انت ؟ قال انت) جميع هذه الشواهد جاءت شعرا (الحلاج الشاعر) اما ما جاء نثرا من الطواسين فهو شاهد واحدا فقط باستثناء الذي ساقه شعرا من طس النقطة اما الأخر فساقه نثرا في الأسطر الأخيرة من بستان المعرفة .
إشكالية الأنا عند الحلاج هي التي ليس لها هوية (الأنية) او حقيقة فالأنا عنده تحيل الى اللاانا ، وهذه اللا أنا تصبح أنت بالاتحاد او بالحلول .
الأنا مرتبطة بقوة باللاانا او كما يقول فيخته لا وجود لـ(اللاانا) بلا (انا) والثانية تؤسس الأولى ، الحلاج قالها بشكل اخر وبمنظار صوفي فجعل الاثنان في قالب واحد بحيث تختفي الأنا ويظهر الـ(هو) فقط ، وهنا يكمن الحلول والاتحاد فقال في بستان المعرفة : كأنها (يقصد نفسه) كأنها (يقصد نفس أخرى ؟) ولان الخطاب يخص الاله وهو في حالة التوهم والحيرة (حيرة معرفة الحقيقة) تزداد هذه الحيرة ولا نستطيع الا ان نضع هذا القول ضمن النوع الثالث من الخطاب وايضا قال في الطواسين :
ولاهي هو = فصل لا حلول ولا اتحاد (من طرف الإله)
ولا هو إلا هي = جمع حلول و اتحاد
ولا هي إلا هو = جمع اتحاد حلول
ولا هي إلا هو (ثانية) = إثبات الاتحاد و الحلول
ولا هو إلا هو = الفناء بالهو (الأنا هو)
وهذا هو الشاهد الوحيد الذي في الطواسين الذي يحوي الحلول(ويجب ان نضع كلمة الحلول هنا بين قوسين لأن الحلول في التصوف له معنى آخر ليس كما نضن للوهلة الأولى) والاتحاد فاذا كنا قد لمسناها شعرا بلا تعقيد فإننا نلمسها هنا في آخر اسطر الطواسين رغم ما فيها من تلاعب فهل نسي الحلاج أن يلبس قناعه ؟؟
نشرت في مجلة علامات - المغرب - العدد 22 السنة 2004
المصادر
1- د. محمد غلاب : التصوف المقارن / مكتبة نهضة مصر ، بدون تاريخ .
2- ماسينيون وكراوس : اخبار الحلاج / مكتبة المثنى ـ بغداد اوفسيت .
3- عبد الرحمن بدوي : شخصيات قلقة في الإسلام ، مكتبة النهضة المصرية – مصر 1946 .
4- سامي خرطبيل : أسطورة الحلاج ، دار ابن خلدون – بيروت 1979 .
5- المجلة الثقافية : مجلة فصلية تصدرها الجامعة الأردنية العدد 43/1998 .
6- دائرة العارف الإسلامية ج8 مادة الحلاج .
7- حميد أراسلي : عماد الدين نسيمي ، اذربيجان –باكو 1973.
8- د. علي صافي حسين : الأدب الصوفي في مصر –دار المعارف 1964 .
9- د. حسن الشرقاوي : معجم الفاظ الصوفية ، مؤسسة مختار للنشر –مصر 1987 مادة اشارة .
10- الحلاج : الطواسين تحقيق ماسينيون –بغداد اوفسيت مكتبة المثنى .
11- امبرتوايكو : القارئ في الحكاية ترجمة انطوان ابو زيد ،، المركز الثقافي العربي 1996 .
12- ميشال زكريا : الالسنية علم اللغة الحديث ،المؤسسة الجامعية للدراسات –بيروت 1983 .
13- سعاد الحكيم : المعجم الصوفي دار ندره للطباعة والنشر 1981 .
14- وليم راي : المعنى الادبي ، ترجمة د. يوئيل يوسف عزيز ، دار المأمون –بغداد 1987 .
15- د. محمد لطفي جمعة ، تأريخ فلاسفة الاسلام دار الكتب العلمية بيروت لبنان بدون تاريخ.
16- د. عبد المنعم الحفني : معجم المصطلحات الصوفية ، دار المسيرة –بيروت مادة ذوق .
17- مجموعة مؤلفين : معرفة الاخر ، المركز الثقافي القومي –بيروت 1990 .
18- ابن منظور لسان العرب ج1 دار لسان العرب –بيروت لبنان .
19- يوسف الصديق : المفاهيم والالفاظ في الفلسفة الحديثة الدار العربية للكتاب –تونس .
20-روديجر بوبنر : الفلسفة الالمانية الحديثة ترجمة فواد كامل دار الشوؤن الثقافية بغداد-1987.
21- مطاع الصفدي : استراتيجية التسمية منشورات مركز الإنماء القومي –بيروت 1986 .
22-مجلة الفكر العربي المعاصر العدد 60/61 –1989 .
23-محمد بن فاضل بن مامين : نعت البدايات وتوصيف النهايات دار الفكر – بيروت .
24-احمد بن علي البوني : شمس المعارف الكبرى مكتبة الثقافة –بيروت لبنان .
25-ر.أ . نيكلسون : الصوفية في الاسلام ترجمة نور الدين شريبة مكتب الخانجي مصر 1951 .
26-(مرجع باللغة الانكليزية)
Kashf-AL – Mahjub of
([3])ماسينيون (1883- 1962) مستشرق فرنسي معروف اهتم بتراث الحلاج وكتب عنه دراسات عديدة ، كما قام بجمع تاريخيه ودراسة شخصيته .
([9])قامت السلطة السياسية بدفع الوراقين للقسم على عدم استنساخ مؤلفات الحلاج او التعامل بها وامرتهم باتلافها .
([12])"في هذه السنة قُتل الحسين بن منصور الحلاّج الصوفيُّ وأُحرق، وكان ابتداء حاله أنّه كان يُظهر الزهد والتصوّف، ويُظهر الكرامات، ويخرج للناس فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء، ويمدّ يده إلى الهواء فيعيدها مملوءة دراهم عليها مكتوب: (قل هو الله أحد)، ويسمّيها دراهم القدرة، ويخبر الناس بما أكلوه، وما صنعوه في بيوتهم، ويتكلّم بما في ضمائرهم، فافتتن به خلق كثير واعتقدوا فيه الحلول، وبالجملة فإنّ الناس اختلفوا فيه اختلافهم في المسيح، عليه السلام، فَمِنْ قائل أنّه حلّ فيه جزء ألهيّ، ويدّعي فيه الربوبيّة، ومِن قائل أنّه وليّ الله تعالى، وإنّ الذي يظهر منه من جملة كرامات الصالحين، ومِن قائل إنّه مشعبذ، وممَخرق، وساحر كذّاب، ومتكهّن، والجنّ تطيعه فتأتيه بالفاكهة في غير أوانها...
وأمّا سبب قتله فإنّه نُقل عنه عند عوده إلى بغداد إلى الوزير حامد ابن العبّاس أنّه أحيا جماعة، وأنّه يحيي الموتى، وأنّ الجنّ يخدمونه، وأنّهم يُحضرون عنده ما يشتهي، وأنّه قد موّه على جماعة من حواشي الخليفة، وأنّ نصراً الحاجب قد مال إليه وغيره، فالتمس حامد الوزير من المقتدر بالله أن يسلّم إليه الحلاّج وأصحابه، فدفع عنه نصر الحاجب، فألحّ الوزير، فأمر المقتدر بتسليمه إليه، فأخذه، وأُخذ معه إنسان يُعرف بالشمريّ، وغيره، قيل إنّهم يعتقدون أنّه إلهٌ، فقرّرهم، فاعترفوا أنّهم قد صحّ عندهم أنّه إلهٌ، وأنّه يحيي الموتى، وقابلوا الحلاّج على ذلك، فأنكره وقال: أعوذ بالله أن ادّعي الربوبيّة، أبو النّبّوة، وإنّما أنا رجل أعبد الله، عزّ وجلّ! فأحضر حامد القاضي أبا عمرو والقاضي أبا جعفر بن البهلول، وجماعة من وجوه الفقهاء والشهود، فاستفتاهم، فقالوا: لا يفتى في أمره بشيء، إلاّ أن يصحّ عندنا ما يوجب قتله، ولا يجوز قبول قول مَن يدّعي عليه ما ادعاه إلا ببيّنة إقرار.
وكان حامد يخرج الحلاّج إلى مجلسه، ويستنطقه، فلا يظهر منه ما تكرهه الشريعة المطهرة..وطال الأمر على ذلك وحامد الوزير مجدّ في أمره، وجرى له معه قصص يطول شرحها، وفي آخرها أنّ الوزير رأى له كتاباً حكى فيه أنّ الإنسان إذا أراد الحجّ، ولم يمكنه، أفرد من داره بيتاً لا يلحقه شيء من النجاسات، ولا يدخله أحد، فإذا حضرت أيّام الحجّ طاف حوله، وفعل ما يفعله الحاجّ بمكّة، ثمّ يجمع ثلاثين يتيماً، ويعمل أجود طَعامٍ يمكنه، ويُطعمُهُم في ذلك البيت، ويَخدُمهم بنفسه، فإذا فرغوا كساهم، وأعطى كلّ واحد منهم سبعة دراهم، فإذا فعل ذلك كان كمَنْ حجّ.
فلمّا قرئ هذا على الوزير قال القاضي أبو عمرو للحلاّج: من أين لك هذا ؟ قال: من كتاب الإخلاص للحسن البصريّ؛ قال له القاضي: كذبتَ يا حلالَ الدم ! قد سمعناه بمكّة وليس فيه هذا؛ فلمّا قال له: يا حَلالَ الدمِ، وسمعها الوزير قال له: اكتب بهذا؛ فدافعه أبو عمرو، فألزمه حامد، فكتب بإباحة دمه، وكتب بعده من حضر المجلس.
ولّما سمع الحلاّج ذلك قال: ما يحلّ لكم دمي واعتقادي الإسلام ومذهبي السُّنّة، ولي فيها كتب موجودة، فالله الله في دمي ! وتفرّق الناس.
وكتب الوزير إلى الخليفة يستأذنه في قتله، وأرسل الفتاوى إليه، فأذن في قتله، فسلّمه الوزير إلى صاحب الشّرطة، فضربه ألف سوط فما تأوّه، ثمّ قطع يده، ثم رجله، ثم يده، ثمّ رجله، ثمّ قُتل وأُحرق بالنار، فلمّا صار رماداً أُلقي في دجلة، ونصب الرأس ببغداد، وأُرسل إلى خُراسان لأنّه كان له بها أصحاب، فأقبل بعض أصحابه يقولون: إنّه لم يُقتل، وإنّما أُلقي شبه على دابّة، وإنّه يجيء بعد أربعين يوماً؛ وبعضهم يقول: لقيتُه على حمار بطريق النَّهروان، وإنّه قال لهم: لا تكونوا مثل هؤلاء البقر الذي يظنّون أنّي ضُربت وقُتلتُ." راجع ابن الاثير :الكامل في التاريخ .ذكر حوادث 309 للهجرة ج3
([13]) عقد في القاهرة في هذا العام 2008 المؤتمر الدولى الخامس لمركز المخطوطات بمكتبة الإسكندرية والذي تناول قضية (المخطوطات المطوية) وقد جاء ذكر الطواسين من بينها .. المخطوطات المطوية:هي المؤلفات التى اختفت أو اختبأت لسبب أو لآخر . فالطىُّ لغةً هو نقيض (النشر) بمعنى الظهور، وهو اصطلاحاً: الإخفاء والاختباء والانزواء لبعض النصوص التى وصلنا عنوانها من دون محتواها ، أو بلغنا عنها خبرٌ وفُقدتْ أعيانها .. وكما أسلفنا، فقد تقلب تراثنا العربى بين الطى والنشر، وكان المطوىُّ منه هو الأكثرية، والمستورُ منه هو الأغلب من المشهور المنشور.. ويدخل فى باب (الطىِّ المقصود) ما فعلته جماعة السلطة، وسلطة الجماعة، من إزاحة لبعض المؤلفات وبعض المؤلفين حتى غاب ذكرهم وانطوى أمر ما كتبوه .. ومن هذه الناحية حُجبت (طواسين) الحلاج قرابة ألف عام، واندثرت أعمال عين القضاة الهمدانى، واختفت بالكلية مؤلفات أبى العباس الإيرانشهرى../ أ.د. يوسف زيــدان مدير مركز المخطوطات ومتحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية
([32]) الحال : ويسمى بالوارد ايضا ، وهو ما يرد على القلب ، والمقام : هو مكانة العبد بين يدي الله ، والحال والمقام رديفان لا يفترقان فالاول يتغير فاذا ثبت اصبح مقاما .
([35]) روديجر بوبنر : الفلسفة الالمانية الحديثة ترجمة فواد كامل دار الشوؤن الثقافية بغداد-1987 ص86 .
([39]) ان عدم اضافة (طس) لنص بستان المعرفة ، دلالة على ان المعرفة (بالله) ليس لها مفتاح عند الحلاج .
التعليقات (0)