مواضيع اليوم

المعلم" جبرائيل نموذج للدور الفكري والعملي للكنيسة

أخبار ترقوميا

2011-08-25 06:35:40

0

 لاشك أن للانتماء العقدي تأثيره الظاهر على التوجه الفكري سواء رضينا ذلك أو رفضناه , ولاشك أيضا أن الأيديولوجيات العقدية تستطيع تسيير دفة الفكر بل والسلوك نحو مبتغاها الذي تريد ومرماها الذي ترنو .


ولقد عملت الأيديولوجية المسيحية في العصر الحديث على فكرتين هامتين : أولاهما فكرة التبشير بالفكر المسيحي وثانيها هو دعم فكرة القوة , فجعلت للمنتمين لها عمادا يعتمدون عليه وقوة يستظلون بها , بل وأعلنت ذلك صراحة على لسان الرئيس الأمريكي الأسبق بوش بأنها حروب صليبية جديدة بينما كانت طائراته تدك الدول الإسلامية وأسماها بالصدمة والرعب في مواطن أخرى
كما جعلت من التبشير ملجأ من الجوع والفقر والخوف في البلدان الفقيرة في إفريقيا وجنوب الدول الإسلامية كالجزائر والسودان وغير ها
إنها تلك الأيديولوجية التي لبست ثوب الفكرة وتقمصت دورها وساقت بيديها السلوك الدولي والفردي في كثير من الأحيان .


وتعتبر مصر أنموذجا يصح التعبير به عن تحول الانتماء العقدي لتوجه فكري وتبن سلوكي فإن ما يحدث بمصر الآن وأثناء كتابة هذا المقال يعلن عن شر دفين يكمن تحت الرماد وخلل كبير يبدو من بين ثنيات الأحداث , ولنقترب بنظرة أكثر وضوحا وجلاء .
فإن لنا في دروس التاريخ عبرة , فمن يستطيع أن يُكذب عِبَر التاريخ ؟, ومن يمكنه أن يدعي أن الحكمة القائلة بأن " التاريخ يعيد نفسه " ليست صحيحة ؟ .
لاشك أنه ليس كل من وُلد على أرض مصر وشرب من نيلها يستحق أن يتحدث باسم أهلها ولا عن طائفة منهم , فأبناء مصر الحقيقيون هم الذين يحمونها ويخافون عليها ويدافعون عن ترابها ويقفون صفا واحد أمام أعدائها .


وعند التقييم التاريخي لشخصية مثل سليمان الحلبي ذلك الطالب السوري المسلم الذي كان يدرس في الأزهر الشريف وشاهد بعينيه ما يفعله الاحتلال الفرنسي بالمصريين من تنكيل وانتهاك حرمات وتخريب في البلاد ودخول الخيل الأزهر ونصب المدافع وتوجيهها للعزل من المصريين , لم يستطع إلا أن يتصدى للقائد الفرنسي كليبر , ألم يكن جديرا بأن يكون مصريا حتى النخاع .
وبالمقارنة بغيره من المصريين نكتشف أنهم لا يستحقون أن يحملوا جنسية هذا البلد ومن هذا الصنف ذاك الرجل " المعلم يعقوب" الذي عاش في زمن الحملة الفرنسية والذي يقول عنه الجنرال مينو آخر جنرالات الحملة الفرنسية في رسالة لنابليون ‏:‏ ‏"إني وجدت رجلاً ذا دراية ومعرفةٍ واسعة اسمه المعلم يعقوب وهو الذي يؤدي لنا خدماتٍ باهرة منها تعزيز قوة الجيش الفرنسي بجنود إضافية من القبط لمساعدتنا " .


وفي كتابه "مظهر التقديس بذهاب دولة الفرنسيس"، حيث يقول المؤرخ عبد الرحمن الجبرتي: "وفي خامس عشر سافر عدةٌ من الإفرنج إلى جهة الصعيد وعليهم صاري عسكر المتولي على الصعيد اسمه "دزة" وبصحبتهم يعقوب القبطي ليدبر لهم الأمر ويعمل لهم أنواع المكر والخداع ويطلعهم على الخبايا ويصنع لهم الحيل، فمنهم أنه كان يرسل الجماعة من الإفرنج لقبض الأموال وطلب الكلف، ويلبس البعض لبس العثمنلي ويكتب لهم التحذير من المخالفة، ويذكر لهم أن هذا أمرٌ سلطاني، فيروج ذلك على كثيرٍ من أهل البلاد، ويمتثلون الأوامر " .


وتولى المعلم يعقوب جمع الضرائب من أهالي الصعيد واستعمل أبشع وأعنف الوسائل في الجباية، وكان أهل الصعيد يسمون حملة الجنرال ديزيه (جيش المعلم يعقوب).
وعاد يعقوب إلى القاهرة بعد حملة الصعيد، وكانت ثورة القاهرة الأولى قد وقعت، ويبدو أنه قد عرف حقيقة موقفه وموقف الأهالي منه ولذا حول داره إلى ما يشبه القلعة العسكرية، وجعل لها بوابةً محصنة يقف عليها الحرس المسلحون ليلاً ونهاراً، وتوافق ذلك مع شروع نابليون في بناء عدة قلاعٍ حول القاهرة، بحيث تحيط مدافعه بالقاهرة كلها. واعتبرت قلعة المعلم يعقوب واحدةً من قلاع الفرنسيين في القاهرة .


ووفقا لما قاله المؤرخ شفيق غربال أنه بوصول يعقوب إلى منصب "آغا" الملة القبطية أي كبير الأقباط، فقد بدأ في تكوين فيلق قبطي في خدمة الفرنسيين يتألف طبقا لبعض التقديرات من ألفي جندي وضابط تولى تجنيدهم من أهل الصعيد، في حين تكفل الفرنسيون بتدريبهم على حمل السلاح والقتال، وتعلم يعقوب نفسه الخطط العسكرية وترأس الفيلق. ويشير د. لويس عوض في كتابه "تاريخ الفكر المصري الحديث" إلى أنه منذ ذلك التاريخ ارتبط مصير المعلم يعقوب ومصير الفيلق القبطي بمصير الجيش الفرنسي .
وبعد عودة بونابرت إلى فرنسا، قدم له الفارس المالطي تيودور دو لاسكاريس اقتراحاً بأنه " من المهم ترك حزب قوي ليستمر في الحفاظ على النفوذ السياسي والتجاري في مصر، ولذلك يجب تعزيز الفيلق القبطي الذي يقوده المعلم يعقوب" وهكذا تمت ترقية يعقوب إلى رتبة جنرال ، وهو أول أجنبي ينال هذه الرتبة ، في حين نال ابن أخيه لقب كولونيل .


وجعله القائد العام جاك مينو مساعداً للجنرال بليار في مارس عام 1801 للدفاع عن القاهرة، فأنشأ شبكة تجسس لمواجهة ثورات القاهرة التي اندلعت ضد الاحتلال , وبذلك تمكنت القوات الفرنسية بمعاونة المعلم يعقوب من قمع ثورة القاهرة الأولى سنة 1213 هـ، وثورة القاهرة الثانية سنة 1214هـ .
وكانت نهاية الخيانة الممثلة في شخص المعلم يعقوب الذي خان وطنه أن طُرد مع طرد الحملة الفرنسية وجلائها عن مصر ومات بعدها بقليل ودفن - كما أوصى - بفرنسا بجوار أصدقائه جنرالات الحرب على مصر .


ويطالعنا اليوم المتحدث باسم الكنيسة القبطية المحامي نجيب جبرائيل لينفخ في نار الفتنة ليشعلها نارا على المصريين جميعا مسلمين ومسيحيين , ويهدد ويتوعد بطلب قوات دولية لتحتل مصر مرة أخرى وليعاونها في محاربة بني وطنه لكي يصل إلى المنافع التي لم يستطع المعلم يعقوب الأول أن يصل إليها , ويريد محامي الكنيسة أن يجدده مرة أخرى بعد أن تناسى المصريون موقف ( يعقوب وأعوانه ) المخزي في الحملة الفرنسية , وبعد أن تلاحم شعب مصر في ملحمة نادرة من التقارب , وبعدما سالت دماء الفريقين وامتزجت ولم تفترق , وبعدما كانت طلقات الرصاص لا تفرق بينهم على أي أساس , جاء "المعلم" جبرائيل ليشق هذا الصف وليطالب بمطالب تعجيزية .
المحققون السياسيون يرون أن على المجلس العسكري أن يترك شعور الضيف الذي يتعامل به مع الفتن في المجتمع المصري في هذه المرحلة , وأن يترك تلك " الشفقة " التي لا تجدي نفعا مع الخارجين على القانون من الطرفين , وعليه أن يتعامل بكل حزم وسرعة وشدة وليطبق أقسى وأقصى العقوبات على مرتكبي شتى الجرائم من أمثال جريمة إمبابة – التي قتل فيها قرابة 15 وجرح فيها قرابة 200- والتي تصل إلى أحكام مشددة لكل من تورط في الدماء بيده أو بلسانه أو تحريضه بأي وسيلة , ولابد وأن يترك الحساسية الغريبة في التعامل مع القضايا المصيرية وأن لا يجامل أحدا على حساب أمن ومستقبل مصر .


لست أعتقد أن المشتركين في هذه الفتنة من المسلمين ينتمون إلى تيار ديني أو سياسي , فقد تحدث شيوخ السلفية مرارا وتكرارا عن حكم الإسلام في معاملة النصارى ودعوا الناس كثيرا إلى الالتزام بأحكام الدين , ولا ينسى أحد دورهم المؤثر في وأد الفتنة في إطفيح و في إعادة الأمن إلى تلك القرية ولكل ربوع مصر , بيد أن أحداث إمبابة عمل يستحق مرتكبه أن يعاقب .
ويستغل الحادث " المعلم " جبرائيل مطالبا بتعيين لواء جيش قبطي كعضو في المجلس العسكري مخالفا ومتخطيا وضاربا عرض الحائط بكل القوانين العسكرية التي لا تخضع فيها ترقية الضباط للأهواء بل توجد لوائح منظمة يعلمها كل من يتعامل مع القوات المسلحة .
ويطالب أيضا في تحد للدستور الذي اتفق المصريون جميعا على أن تتشكل له جمعية تشريعية لصياغته بعد انتخاب مجلس الشعب , فيطالب بإضافة مادة صريحة تنص على أن مصر دولة مدنية , فهل يستغل الموقف الحرج في فرض مواقف أو قناعات خاصة به ؟ .


كذلك يطالب بمخالفة صريحة أيضا للدستور الذي نص على أن المصريين جميعا متساوون في الحقوق والواجبات , فيطالب بكوته خاصة للنصارى في المجالس النيابية , مع أنهم مصريون يمارسون نفس الحقوق والواجبات ولم يمنعهم أحد من الترشح في أية دائرة انتخابية وساعتها سيكون الحكم للصندوق الانتخابي , فلماذا يطالب بطلب غير دستوري بتمييز النصارى عن بقية المصريين ؟ .
ويطالب بالإفراج عن متهمين لازالوا قيد التحقيق والمحاكمة , في تحد آخر للقضاء وإهدار لهيبة الدولة لصالح النصارى حيث أنه يجعلهم فوق القانون وفوق المحاسبة أو المساءلة , وهذا مخالف لكل عرف دولي .


وبعد كل هذه الطلبات الغير قانونية والغير دستورية والتي من الصعب أن يوافق عليها أحد لمخالفتها للدستور والقانون , يهدد المصريين بجلب العدو الخارجي إن لم تنفذ الحكومة والمجلس العسكري أوامره لهما , فماذا يريد هذا الرجل وإلى أية هاوية يدفع بمصر ومن فيها ؟
نتساءل أخيرا هل يختلف "المعلم" جبرائيل كثيرا عن المعلم يعقوب؟ وهل يختلف أحد على أن هذا الرجل وأمثاله يهدد الأمن والسلام الوطني والاجتماعي ويدعو إلى الفتنة في وقت تحتاج فيه مصر لتضافر كل جهودها بعد ثورتها العظيمة على المستبد الداخلي ؟
إن ما يحدث الآن هو الرد العملي الذي هدد المصريين به موشي يعلون وزير الشئون الاستراتيجية ونائب رئيس الوزراء الإسرائيلي حين هاجممصر بسبب سياسة التقارب التي تتبعها القاهرة مع حركة المقاومةالإسلامية حماس وقال " لدينا وسائلنا للتعبير عن سخطنا وانزعاجنا مما تفعله القاهرة " فظهرت بعده مباشرة مطالب "المعلم" جبرائيل
إن مطالب محامي الكنيسة التي أعلنها في مؤتمره تعنى ما يلي :
1- زيادة الفرقة والإنقسام الوطني والتحزب على أساس طائفي
2- فشل وإفشال كل المحاولات لرأب الصدع بل الصب في آتون القوة والصدام
3- الاستقواء بالخارج واستدعاء الاستعمار الخارجي وهو في حد ذاته خيانة كبرى
4- استغلال الظرف استغلالا سيئا وعدم مراعاة أحوال البلاد
إنه وإن كان هناك تأثير لازم للاعتقاد على الفكر والسلوك فلا يصل ذلك لدرجات تسوء فيها الأخلاق ويخون فيها الأمانات وتسام فيها الأوطان سوء المآل..
إن الإسلام عقيدة متينة لاشك أنها تؤثر على الفكر والسلوك , لكنه تأثير إيجابي يصب في حماية المجتمعات وأمن الجار والمعاهد وحسن الخلق مع البعيد والقريب وحسن العهد مع كل أصناف البشر.




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !