تصنَّف الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم ولكن الإختلاف حول التاريخ الذي وصلت إليه لتلك المكانة حيث أنه بحساب الناتج المحلي الإجمالي(GDP – Growth Domestic Product), فإنه يمكن إعتبار سنة 2009 تاريخا مقبولا, ولكن بحساب مايسمى مفهوم تعادل القوة الشرائية(PPP- Purchasing Power Partition) فإن سنة 1992 هي السنة التي شهدت صعودها لتلك المكانة. وبإستخدام نظرية تعادل القوة الشرائية(PPP) فإن الصين قد تجاوزت ألمانيا سنة 2009 كأكبر قوة تصديرية. ولكي نأخذ فكرة عن الفرق بين الناتج المحلي الإجمالي(GDP) وتعادل القوة الشرائية(PPP) علينا أن ننظر بداية لكل من المفهومين والفروق بينهما.
الناتج الإجمالي المحلي هو عبارة عن القيمة النهائية لكل من السلع والخدمات التي يتم إنتاجها محليا وفي فترة زمنية معينة. الناتج المحلي الإجمالي للفرد يستخدم في عدد كبير من الدول ومؤشرات المؤسسات الدولية المختصة كمؤشر لمستوى المعيشة في دولة ما بينما لا يعد مؤشرا على مستوى معيشة الفرد نفسه. وفي الأغلب فإن الناتج المحلي الإجمالي يتم حسابه بالدولار وفقا لسعر الصرف الرسمي. تعادل القوة الشرائية عبارة عن نظرية إقتصادية تعود جذورها للقرن السادس عشر الميلادي وتم تطويرها في القرن العشرين بفضل البروفيسور غوستاف كاسيل(Gustav Cassel) حيث اعتمد على مفهوم قانون السعر الواحد والذي يفترض نفس السعر للسلعة بالأسواق المختلفة إذا تم التعبير عنها بنفس العملة مع إفتراض عدم وجود عوائق أو حواجز جمركية. إن تلك النظرية تأخذ في الإعتبار معدل التضخم والتكلفة النسبية للمعيشة وتعد اتجاها جديدا لتقييم الأداء الاقتصادي للدول ومن قبل المؤسسات المالية والنقدية الدولية التي تفضلها على حساب الناتج المحلي الإجمالي.
إن اختلاف الطرق في حساب مقدار النمو الاقتصادي والعائدات مقابل الإستثمارات قد أدى إلى تغيير عدد من المفاهيم التي كانت قد تحولت لصورة نمطية, دول العالم الثالث هو أحد تلك المفاهيم. وقد ينظر البعض للولايات المتحدة أو ألمانيا أو فرنسا على أنها من دول العالم المتطور أو العالم الأول والصين على أنها دولة من دول العالم الثالث على الرغم من أن تلك الصورة تعتبر خاطئة من نواحي عديدة. سوف نأخذ مثالا مدينة شنغهاي في الصين حيث يعتبر مطارها أحد أفضل المطارات في الصين بل وفي العالم وأكثر تطورا من مطارات دول تعد رسميا مصنفة على أنها دول صناعية متقدمة من العالم الأول, خارج المطار ينتظر المغادرين قطار معلق يستخدم خاصية الدفع الكهرومغناطيسي بدلا من الطريقة التقليدية وهي العجلات والقضبان ويسير بسرعة 220 ميلا في الساعة حيث من الممكن أن يوصلك إلى وجهتك في لحظات.
إن مقارنة الأحياء الأثرية في مدن مثل بكين وشنغهاي حيث تعد تلك الأحياء مكان السكن المفضل لرجال الأعمال المليارديرات في الصين بنظيرتها في عدد من المدن الأمريكية فإن الصينية تعد أكثر تقدما من نواحي عديدة خصوصا شبكة الإتصالات والمواصلات والمباني التي تعد تحفة معمارية وملفتة للأنظار. إن مستويات المؤشرات الإجتماعية المهمة كأمان الطرق ومعدل وفيات الأطفال ومتوسط العمر في مدن مثل شنغهاي تعد أفضل بكثير مقارنة بمدينة نيويورك كما أنها تتمتع ببنية تحتية كشبكة القطارات والموانئ ومترو الأنفاق والقطارات عالية السرعة وحتى المناظر الليلية الخلابة أفضل بكثير من نظيرتها في مدينة نيويورك. بل أي مدينة صينية متوسطة سوف يعطي نتائج أفضل من مدن في دول كالهند أو وارسو البولندية أو بودابست الهنغارية أو حتى مدن في دول إيطاليا أو فرنسا أو إسبانيا أو حتى مدينة ديترويت التي أعلنت إفلاسها وطلبت حماية من الدائنين على الرغم من أنه المفترض أن مؤشراتها تدل على مستوى معيشي مرتفع.
إن المدن الغربية كمدينة نيويورك أو باريس أو مدريد أو روما قد تتميز على مدن صينية كبرى كشنغهاي وبكين بسبب تواجد كبريات المؤسسات المالية والدولية فيها. إن تلك الفوارق بدأت بالتقلص حيث تحرص المؤسسات المالية الدولية على معاملة الصين بما يليق بها والمكانة المتقدمة التي حققتها. على سبيل المثال, تم إدخال اليوان في إحتياطي سلة العملات المعتمدة من قبل صندوق النقد الدولي. كما أن الفروقات الثقافية هي أيضا بدأت بالتقلص مع سياسة الانفتاح والقائمة على التبادل الثقافي والتجاري والتي توجت بإنضمام الصين رسميا لمنظمة التجارة العالمية سنة 2001.
وإن سألك أحدهم عن السبب أو السر في تلك المعجزة الصينية والتقدم الهائل في كافة المجالات والمحاور الذي حققته الصين فالإجابة يجب أن تكون وبكل ثقة أن الصينيين أعادوا اكتشاف أنفسهم وبفضل حكمة القيادة السياسية وتطبيق الاشتراكية الصينية وحققوا كل تلك الإنجازات في فترة زمنية تعد قياسية بكل المعايير. ولكن على الرغم من كل ذلك فإن عملية الإصلاح والتنمية والتحديث في الصين مستمر وبلا توقف على كافة النواحي والأصعدة.
مع تمنياتي للجميع بدوام الصحة والعافية
رابط الموضوع على مدونة علوم وثقافة ومعرفة
https://science-culture-knowledge.blogspot.com/2019/06/blog-post_2.html
الرجاء التكرم بالضغط على رابط الموضوع بعد الإنتهاء من قرائته لتسجيل زيارة للمدونة
النهاية
التعليقات (0)