يتجدد الجدل بين الأغلبية الحكومية والمعارضة على خلفية الشروع في مناقشة مشروع القانون المالية المغربي لسنة 2010 بين متفائل لمستقبل السياسة الاقتصادية للمغرب ومتشائم، فإذا كان المتفائلون يعتبرون أن مسار الاقتصاد المغربي قد عرف نموا مضطردا مكنه من استيعاب الصدمة الأولى للأزمة الاقتصادية العالمية، وهم بذلك مطمئنون للسياسية الاقتصادية التي تنتهجها حكومة الوزير الأول المغربي عباس الفاسي.
فإن الطرف المعارض يذهب عكس ذلك، ويسوق مبررات أخرى منها كون الاقتصاد المغربي اقتصاد غير مهيكل بما في الكلمة من معنى، حيث تقوم تعاملاته الكبرى على اقتصاد الريع، وهو ما منحه قدرة "مرحلية" على تقبل صدمة الأزمة الاقتصادية ظاهريا.
ومعلوم أن تقارير للبنك الدولي دعت المغرب إلى تحقيق مبدأ تكافؤ الفرص أمام مؤسسات الأعمال، بزيادة الشفافية وتقوية المؤسسات والهيئات المعنية بتطبيق القوانين والإجراءات الحكومية وبالحاجة إلى المنافسة ـ بدلاً من الامتيازات ـ لزيادة استثمارات القطاع الخاص.
وفيما تعترف لطيفة بناني سميرس رئيسة فريق الوحدة التعادلية للحزب الحاكم في المغرب بتراجع بعض مداخيل خزينة الدولة، فإنها تعتبر أن مؤشرات مشروع القانون المالي لسنة 2010 تصب جميعها في دعم الاقتصاد والمشاريع الكبرى، بحيث ستستفيد مجموعة من القطاعات الوزارية ذات الطابع الاجتماعي من ارتفاع الميزانيات المعتمدة لها، وفي مقدمتها العدل التي سترتفع ميزانيتها بحوالي 36 في المائة، وميزانية الصحة بنسبة 36 في المائة، والتعليم بنسبة 34 في المائة، إضافة إلى إحداث حوالي 21 ألفا و750 منصب شغل.
وعلى الرغم من التخوفات التي تبديها المعارضة فإن الحكومة ترى في مشروع قانون مالية سنة 2010 نموذجيا، إذ توقع فيها وزير المالية والاقتصاد المغربي صلاح الدين مزوار تحقيق معدل نمو بنسبة 3.5 في المائة، بعد أن عرف نموا بنسبة 5.6 في المائة عام 2008 وبنسبة 5.3 في المائة في السنة الحالية. بالإضافة إلى افتراض استقرار نسبي لمعدل التضخم في مستوى 2 في المائة، وعجز الميزانية في حدود 4 في المائة، واستقرار نفقات التسيير للدولة في المستوى المسجل سنة 2009.
وأكد من جهة أخرى أن الغلاف المخصص لصندوق المقاصة سيصل إلى 12 مليار درهم (1 دولار= 8 دراهم مغربية)، موضحا أن قيمة الاستهداف المباشر للأسر المغربية تقدر بحوالي مليار و750 مليون درهم، تهم بالأساس قطاع التعليم وقطاع الصحة، حيث ستوجه 500 مليون درهم لدعم الأدوية، و300 مليون درهم لتلقيح 600 ألف طفل.
وأوضح أن الحكومة ستواصل تكثيف الاستثمار العمومي قصد تجهيز البلاد وتوفير وتأهيل البنيات التحتية والإنتاجية، عبر مواصلة سياسة الأوراش الكبرى وعلى رأسها تعميق النظام اللامركزي، وإصلاح القضاء، ومواصلة سياسة بناء الطرق والطرق السيارة والسدود والماء والصرف الصحي والطاقة والموانئ والسكك الحديدية والنقل الجوي) بهدف عصرنة بنيات الإنتاج وتنويع مصادر التنمية وتقوية الصادرات المحلية.
وفي جانب النفقات أكد وزير المالية والاقتصاد المغربي أن حجم النفقات الجارية ارتفع بنسبة 4.3 % مقارنة مع 2009، وبلغ 156.4 مليار درهم، فيما ارتفعت نفقات الاستثمار بنسبة 20 % إلى 53.8 مليار درهم.
وأعلن أن مشروع ميزانية السنة الجديدة قد وضع على ضوء المتغيرات العالمية وخاصة الأزمة الاقتصادية العالمية على أمل الحفاظ على تنافسية الاقتصاد المغربي ومواصلة الدعم للمشاريع الكبرى والقطاع الاجتماعي الذي يشكل 53% من ميزانية 2009، بحيث ستعرف مداخيل الدولة زيادة بنسبة 20 في المائة في مجال الاستثمار العمومي مقارنة مع سنة 2009.
وفي ذات السياق اعتبر السيد أحمد رضا الشامي وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة أن مشروع ميزانية الوزارة لسنة 2010 يروم النهوض بالميثاق الوطني للإقلاع الصناعي وتعزيز المهن الدولية الموجهة للاستثمارات المباشرة وتكوين الموارد البشرية وأضاف أنه ومن خلال هذا المشروع سيتم تفعيل البرامج الخاصة بالترويج لعروض المغرب التحفيزية بقطاعات صناعة الطائرات والسيارات والإلكيترونيك ولباقي القطاعات الجالبة للاستثمارات الدولية ومصدرة إلى دول جنوب أوروبا.
بعض المراقبين أكدوا أن المغرب بإمكانه تحقيق نسب النمو المعلن عنها، إذا ما كان الموسم الفلاحي لهذه السنة جيدا، وإذا ما تمت مواكبة البرامج الحكومية من خلال اعتماد سياسات قطاعية لصيقة للتوجيه وفق ما يستجد على الصعيد الدولي والمحلي.
وإذا كانت الحكومة تشدد على أن مشروع قانون المالية للعام 2010 قد ارتكز على دعم القدرة الشرائية للمواطنين، والنهوض بالنمو الاقتصادي، وتسريع وتيرة الإصلاحات، فإن المعارضة لا تكف عن وصفه بمشروع ميزانية تصريف الأزمة التي تتخبط فيها الحكومة بدليل لجوئها إلى الرفع من قيمة الضرائب على عدد من المنتجات الأساسية التي تمس القدرة الشرائية للمواطنين.
ويرى أصحاب هذا الرأي أن الإجراءات الجديدة التي اعتمدتها الحكومة في مشروع القانون المالي لسنة 2010 تنبئ بزيادة صاروخية في الأسعار، وهو ما يهدد القدرة الشرائية للفئة المتوسطة والفئة الأشد فقرا.
واعتبروا أن الحكومة ترسم سياستها المالية على توقعات غير دقيقة، وبرروا ذلك معاودة أسعار البترول زياداتها التي تجاوزت 70 دولار للبرميل الواحد قبل حلول فصل الشتاء. إضافة إلى دخول الاقتصاد العالمي في مسلسل جديد من التراجع والانكماش بفعل استمرر الأزمة الاقتصادية والمالية العالمية.
وأضافوا أن الحكومة ستكون مضطرة إلى تقليص النفقات، والزيادة في الضرائب على القيمة المضافة، وذلك لتعويض خسارة مواردها الجمركية بفعل دخول اتفاقيات التبادل الحر مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، إلى جانب اتفاقية منظمة التجارة العالمية حيز التنفيذ، على أن يفقد المغرب كل هذه الموارد في سنة 2012.
وتوقع خبراء اقتصاديون أن الإجراءات التي جاء بها مشروع ميزانية المملكة المغربية لسنة 2010 ستقلص كثيرا الطلب الخارجي الموجه إلى المغرب، وهو ما سيؤدي بحسبهم إلى ارتفاع نسبة العجز، بسبب تقلص الموارد، مقارنة مع النفقات، ويبرر ذلك قيام الحكومة بالرفع من قيمة الضريبة على القيمة المضافة في حدود 7 في المائة على مجموعة من المواد من بينها المحروقات. معتبرين أن هذا الخيار سيرفع أوتوماتيكيا من نسبة البطالة، ويزيد في التهاب الأسعار، وهو ما يضعف القدرة الشرائية للمواطنين.
وحول نسب النمو التي تدافع بها الحكومة عن حصيلتها أبرز عدد من المتتبعين أن جودة الموسم الفلاحي للسنة الماضية أنقدت ماء وجه الحكومة، معلنين أن ما قوى سياسات الحكومة في السنة الماضية من شأنه أن يلعب ضدها هذه السنة؛ والمغرب يعيش حاليا على وقع احتباس الأمطار وتؤخر انطلاق الموسم الفلاحي.
وأضافوا أنه من المتوقع كذلك أن تتراجع صادرات قطاع النسيج والألبسة والجلد بشكل كبير بفعل تقلص الطلب عليها من البلدان الرئيسية المستوردة: كإسبانيا، وفرنسا، وألمانيا، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، وهو ما يترتب عنه فقدان مناصب شغل كبيرة، وهو ما يرفع معدل البطالة إلى أزيد من 10.2 في المائة كما كان في سنة الماضية.
وتبقى جملة من المشاكل والتحديات الكبرى تطرح نفسها بإلحاح على حكومة عباس الفاسي، منها انخفاض مداخيل خزينة الدولة بحوالي 8.8 في المائة لتسجل 93 مليار درهم فقط عند بداية شهر يونيو الماضي، فيما وصلت إلى رقم 102 مليار درهم في الفترة ذاتها من سنة 2008. وتراجع حجم الاستثمارات من 2.80 مليار درهم سنة 2007 إلى 2.38 مليار درهم خلال سنة 2008. كما تراجعت استثمارات المغاربة بالخارج ليحتل المغرب المرتبة الخامسة، بحوالي 369 مليار درهم، بعد أن احتل المرتبة الثالثة سنة 2007، بما يناهز 621 مليار درهم.
وانخفاض مداخيل الضريبة على الشركات بنسبة 13 في المائة، وتقلصت الضريبة على الدخل بنسبة 22 في المائة، وتراجع عائدات السياحة بنسبة تتجاوز 24 في المائة، وتراجع الاستثمارات الخارجية بنسبة 32 في المائة، بالإضافة إلى تقلص تحويلات المغاربة القاطنين في الخارج بأكثر من 15 في المائة، علما أنها نافذة إغاثة مهمة في تقليص عجز الميزان التجاري بنسبة 60 في المائة، وتراجع قيمة الصادرات، مقارنة مع ارتفاع الواردات.
وحتى وإن نجح المغرب إلى حد كبير في مواصلة تنفيذ الأوراش الكبرى والاصلاحات المهيكلة الأخرى وعلى رأسها ورش إصلاح القضاء، والصحة، والتعليم، ودعم خيار الجهوية في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية، فإنه يبقى محاصرا بتحديات كبرى يجب العمل على تدبيرها وفق مقاربة شمولية.
غير أنه من باب الحقيقة فإنه لا يمكن نكران أن الاقتصاد المغربي حافظ على نسبة نمو متوسط ومستقر خلال العشرية الأخيرة بنسبة 3 %، في ظل تراجع أداء القطاع الزراعي وقتامة الظرفية الاقتصادية العالمية الصعبة. مسجلا تحسنا واستقرارا متواصلا بنسبة نمو تعادل %1 سنة 2000 و% 6,5 سنة2001 و%3,2 سنة 2002، و %5,2 سنة 2003.
كما تمكن من إعادة التوازنات المالية تدريجيا إلى اقتصاده، حيث انتقل نسبة العجز المالي لديه من 12 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 1982 إلى2,7 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2001 و 3,5 من الناتج الداخلي الإجمالي سنة 2003.
وتم ضبط نسبة التضخم في حدود مقبولة ومستقرة، بحيث تم تقليص نسبة ارتفاع الأسعار من 6,1 في المائة سنة 1995 إلى 2,5 في المائة سنة 2000، ثم 1,4 في المائة سنة 2001.
هذا ويستمر السجال بين الأغلبية والمعارضة في ظل الفشل في تحقيق مجموعة من الطموحات والأهداف الكبرى خاصة فيما يخص التعليم وبرنامج مدن بدون صفيح، وبلوغ 10 ملايين سائح في فق 2010، والتأمين الصحي للمواطنين، واستقلالية القضاء وغيرها من الملفات...
التعليقات (0)