المعارضة بين الواقعية والمثالية:3
فروقات الانتماء للمعارضة والسلطة:
لا يمكن حصر الفروقات بين المنتمين للسلطة والمنتمين للمعارضة بمختصر مفيد، بل هو حديث من الصعب تحديد نهايته! ولكن من الممتع ذكر جانبا منه لتبيان الفروقات الجسيمة بين المنتمين لاحدى الجهتين وتمييزه عن الاخرين.
اساس الفروقات هو الفارق الرئيسي في الوظيفة المتعارف عليها والمتضمنة تأييد الاجراءات وتبرير الاعمال بالنسبة لرجال السلطة،بينما وظيفة المعارض هي الكشف عن الاخطاء والسلبيات وفضح كل من له صلة بذلك لغرض الدفاع عن حقوق الافراد والممتلكات مع عدم التنازل مطلقا او نسبيا في سبيل تطبيق مايراه صائبا.
من السهل جدا على انظمة الحكم ان تخلق رجال السلطة ونسائها! ويمكن لها ان تغطي عيوب المنتمي الجديد ليظهر بوجه حسن ترافقه هالة اعلامية مميزة،تستهلك الكثير من الامكانيات المادية ولكن لها نتائج سحرية على قطاعات واسعة ولاسباب شتى فقد نجد السذج والمغفلون والانتهازيون الذين يتقبلون ذلك بسهولة ويسر بينما نجد الاخرين الذين يرفضونه بدون الحاجة الى ملكات عقلية عالية او خبرات معرفية رفيعة المستوى،ولكن يلاحظ ان المنتمي الجديد للسلطة لا يشترط فيه ان يكون ذو صفات ومواهب غير اعتيادية حتى يرتفع مقامه ضمن الصفوف الامامية! بل قد يظهر فجأة كثيرون هم نتاج منظومة سياسية واجتماعية واقتصادية تسمى بالوراثة السياسية!(وهو موضوع بحثناه سابقا)...
ينتسب الكثيرون للسلطة العليا بواسطة تلك الالة الاجتماعية الخلاقة التي لا تتوفر الا لذوي الحظ الكبير والا لما دعيت بالوراثة السياسية!...ومن خلالها يستطيع اي كائن حي له صلة قرابة تقترب من اصحاب القرار في الانظمة الغير ديمقراطية ان يكون له مكان مميز مستقبلا في اجهزة الحكم حتى لو لم يكن لديه امكانيات التصدي الفكرية والادبية والاخلاقية التي تحتاج الى مهارات عالية وخبرات طويلة مع صفة النمو التراكمية بمرور الزمن للانسان العادي حتى يمكن له ان يحصل على ما يريد وفق تلك الامكانيات الذاتية التي لا يحصل عليها الا اقلية نادرة،ولذلك جرت على الشعوب المنكوبة بهذا النوع من الحكم الكثير من الويلات والمصائب من خلال وصول اناس هم بعيدون كل البعد عن التصدي لابسط الوظائف الحكومية فكيف يمكن لهم ان يقودوا امم وشعوب ونظم وجيوش،ومن هنا تأتي الهزائم والنكبات وينتشر الفساد بمختلف اشكاله وتقع الكوارث الاقتصادية والاجتماعية ويفقد الزمن الذي لا يعرف قيمته الا المهتمون ...الخ من المساوئ المتعارف عليها.
في عصرنا الحديث حصلت حالات عديدة جرت خلالها عملية الوراثة السياسية في المعارضة،ولكن تلك الحالة خضعت لعوامل عديدة قد يكون من اهمها وجود القاعدة الشعبية الصغيرة والمستوعبة لعملية الوراثة السياسية المذمومة مع ضعف حالة التنافس مع الزعامة التي عادة تكون قد شغلت المنصب لفترة طويلة! ولكن الملاحظ ان الغالبية منهم لا يستطيعون المحافظة على مستوى حجم المكانة السابقة للموروث او حتى احيانا تتم مخالفة السير على نفس المنهج من خلال تجاوز الكثير من التفاصيل الدقيقة في العمل السياسي،ناهيك عن المشاكل المستحدثة التي تصاحب تلك الحالات والتي تسبب آثارا مدمرة في الوسط الاجتماعي والسياسي،ويكون غالبا مستوى هؤلاء اقل بكثير من اسلافهم ويكونوا في حالة صراع اعلى درجة في المستويات الشخصية مع الاخرين بسبب عدم الانسجام الجماعي مع تلك الحالة الدخيلة التي تتنافى مع طبيعة العمل المعارض! الداعي الى مساواة الجميع وفق مبادئ الحرية والعدالة والامكانيات الذاتية.
الوراثة السياسية في السلطة هي تستند على قواعد القوة وفرض الامر الواقع ومن خلالها جرت تلك العملية دون ان يجد المعارضون لها المقدرة الكاملة على منع حدوثها لانها في حالة الانظمة الجمهورية سوف تكون متناقضة كليا مع طبيعة النظام المتعارضة مع النظام الملكي الوراثي، وبالتالي فأن الانظمة التي جرت فيها هذا النوع من الانتقال السلمي لتوريث السلطات هي قد تحولت الى انظمة امنية منغلقة على ذاتها ويصعب على الاخرين ليس فقط اختراقها كما هو حقهم الطبيعي بل حتى نقدها في الداخل،وكلما كان النظام اكثر قساوة كلما سهلت تلك العملية والعكس صحيح!...ومن هذا المنطلق نرى ان الانظمة التي سارت على هذا الطريق هي التي تنطبق عليها تلك المواصفات مثل كوريا الشمالية وسوريا وكوبا وآذربيجان وغيرها بالاضافة الى الدول المرشحة للسير في نفس الاتجاه وهي مصر وليبيا واليمن وغيرها...
في المعارضة يكون فرض الوراثة من خلال وجود الامكانيات المتاحة للزعيم والتي قد تجعل له سطوة توازي الحاكم ولكن ضمن نطاق التنظيم السياسي والاجتماعي ولكن هذه الامكانيات المتاحة تخضع للظروف المحيطة بكل تنظيم سياسي وقد نجد احيانا اختلافات فكرية بين تلك التنظيمات الا انها تخضع لتلك الصفة! مما يعني ان صفة الوراثة السياسية في المعارضة قد يقع في مستنقعها اي تنظيم يستند لاي فكر كان ولذلك رأينا بعض الاحزاب الماركسية واليمينية واليسارية والاسلامية قد جرت عملية انتقال الزعامة بفعل عامل الوراثة وليس الانتخاب الحر مما يعني ان صفة العمل المعارض الحقيقي الخالي من الشوائب سوف تكون مفقودة في تلك التنظيمات التي تقع عرضة للسخرية او الهجوم من قبل الاخرين! ولكن بالرغم من ذلك نرى وجود قطاعات ذات مستويات تعليمية عالية قد سارت في ركاب تلك القيادات الهزيلة الخالية من الزعامة الحقيقة مما يعني ان صفة المعارض الحقيقي قد ضعفت كثيرا.
عملية صنع رجل المعارضة هي ليست بالصورة التي يمكن ان يتوقعها اي شخص،بل هي عملية طويلة من التكوين الذاتي والنضال في سبيل تحقيق المبادئ والقيم والدفاع على المكونات الشعبية مع وجود المخاطر الكبيرة الناتجة من عمل المعارضة سواء داخل التنظيم ام خارجه وبخاصة ضد النظم التي لا تحترم المعارضة ايا كان نوعها وايا كان انتماء الشخصيات القيادية وبذلك فأن النتيجة سوف تكون خروج قيادات تمتاز بتفوق واضح في كافة المجالات على رجل السلطة والسائرين في ركابها وسوف تمتاز تلك الشخصية بنزاهة عالية للمحافظة على الاحترام الشعبي العالي على المدى الطويل ولا يخضع لاغراءات السلطة وتحدياتها مهما كانت،وبذلك تكون الشخصية القيادية في المعارضة محل اعجاب وتقدير من قبل الغالبية الشعبية التي تكون رصيده في مواجهة السلطة...
ان عملية تكوين المعارض الحقيقي هي مقاربة لعملية تكوين المبدع العلمي والادبي،فهي شاقة وطويلة وتحتاج الى صبر وتحمل البلايا والمتاعب مع معادلة صعبة جدا تتمثل في ارضاء القواعد والقيادات الموازية مع ارضاء او محاربة السلطة،وكما ينظر للمبدع في العلوم والاداب فأن النظرة مشابهة للمعارض الحقيقي الذي لا يساوم ويبقى عنيدا او مرنا بما تسمح له الظروف الموضوعية القادر على استيعابها وفق متطلبات المرحلة التي لا تتطلب الجمود بل تتطلب التصدي لكافة التحديات وفق اسلوب مغاير في الشكل ولكن ثابت في المعنى والجوهر.
لوحظ ان القيادات التي يمتلك اصحابها مستويات عالية من التعليم او القدسية الدينية او الاجتماعية سوف يكون محل احترام وتقدير اكثر من غيرهم او حتى اصحاب القدرات الاستثنائية في العلوم والاداب،كما لوحظ انه كلما كانت القيادات قريبة للواقع الشعبي السائد كلما ازداد حجم التأييد والعكس صحيح حيث ان المنتمي للمعارضة عليه واجب ان لا يمتلك اي من مواصفات رجل السلطة في طبيعة التعامل اليومي مع الناس لانه سوف يكون قد خرج من نطاق المعارضة الداعية للتغيير فعليا حتى ولو نطق صوتيا بذلك لان رجل السلطة يتعامل مع القاعدة من موقع استعلائي فارغ ليس له اساس قيمي سوى ان المكانة السياسية او الوظيفية هي التي تمنح له تلك الهالة الفارغة!.
كلما طال عمر المعارضة كلما كثرت تحدياتها ومن ضمنها الملل الذي يقع في نفوس الاتباع او تراجع البعض عن التأييد لان الطبيعة البشرية ترغب في الحصول على النصر او المنافع بأسرع وقت ممكن!، كذلك فأن السير في منهج ثابت او متغير لا يعني ثبات القاعدة مع القيادة بل غالبا مع تضعف الا في حالات القسوة العالية من جانب اجهزة الدولة تجاه المعارضة والتي هي سياسة غبية بحق لان التطرف الحكومي سوف يكون له رد فعل معاكس من خلال تطرف المعارضة وتماسك وحدتها!...والمعارضة تبحث دائما عن حلول للمساعدة على حل الازمات في اقل حجم من الخسائر مما يعني انه قد يحصل حوار مع السلطة او دول الجوار مما يؤدي الى فقدان بعض القواعد الشعبية التي ترفض ذلك السلوك بسبب الرغبة في الحفاظ على الاهداف والتطلعات دون النظر الى واقعيتها!...
التعليقات (0)