كانت الجريمة التي أقدم عليها "برهان غليون" الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري بتوقيعه وثيقة سياسية مع هيئة التنسيق السورية، الخنجر الأول الذي غرسه المجلس الوطني في خاصرة الثورة السورية، حتى وإن تراجع غليون عن هذه الوثيقة تحت ضغط الثوار السوريين، وأعلن أنها مسودة لا تلزم أحدًا، ولكن الرسالة وصلت وهي تأكيد المجلس الوطني على أن هيئة التنسيق جزءٌ من المعارضة السورية، رغم الحقيقة التي تؤكد بأن لا وجود لمعارضة داخل سوريا، وأن هؤلاء الذين يزعمون أنهم معارضة إنما هم جزء من النسيج الأسدي المجرم، وهي الذريعة التي لا زال الغرب من خلالها يسمح للمجرم الأسد بمواصلة قتل شعبه، بحجة أن المعارضة غير موحدة.
ولم تكد تمضي شهور على هذه الجريمة حتى كانت هيئة التنسيق جزءاً وثيقاً من المعارضة السورية، التي اجتمعت جميعاً تحت سقف الجامعة العربية، في المؤتمر الذي عقد في القاهرة يوم الاثنين الثاني من تموز الحالي، رامين خلف ظهورهم إرادة الشعب السوري الثائر الذي أعلن بأن هيئة التنسيق لا تمثله.
وأسوء ما حصل في مؤتمر القاهرة، كان حضور السفير الروسي في القاهرة "كير بيتشينكو" للمؤتمر، وقد أوضح لافروف طبيعة هذا الحضور، بقوله: " إن السفير الروسي سيعمل على إقناع المعارضة السورية ببلورة موقف موحد لتسوية الأزمة والاتفاق بشأن من سيمثلها في المفاوضات مع الحكومة السورية" والأسوأ منه إعلان لافروف أن المعارضة السورية ستعقد اجتماعها المقبل في موسكو.
وقد سبقت هذه الزيارة إعلان وزير الخارجية الفرنسي عن انشقاق العقيد مناف طلاس قائد الفرقة 105 من الحرس الجمهوري السوري، وأنه في طريقه إلى باريس، وذلك في مؤتمر أصدقاء سوريا الذي انعقد في باريس يوم الجمعة السادس من تموز، وإلى هذه اللحظة لم يخرج فيها طلاس إلى العلن ليوضح ما حدث، حتى كشف حقيقة ما يجري عضو هيئة التنسيق السورية من موسكو "ميشيل كيلو" الذي دعا إلى أن يقود طلاس رئاسة الحكومة الانتقالية في سوريا!!
ورغم أدراك العالم كله بأن روسيا والصين وإيران هم من يقف خلف مقتل الشعب السوري، وأن لافروف شبيح أسدي، ومتحدث رسمي باسم المجرم الأسد، وبأسلحة تلك الدول يقتل الشعب السوري، إلا أن المعارضة السورية كانت مصرة على المتاجرة بالدم السوري، ووضع يدها بيد قتلة الشعب السوري، مقابل أن تصل إلى جزء ولو بسيط من الحكومة المقبلة، بعد أن قضت عشرات السنوات خارج سوريا.
ورغم ادعاء المعارضة السورية بأن الحل السياسي يبدأ بإسقاط النظام ورموز السلطة ومحاسبة المتورطين بقتل السوريين، وأن لا حوار مع الأسد حتى سقوطه، فإنه لم يُدر في خلدها، أو قد دار وهي تحاول تجاهله، بأنه وبوصولها إلى روسيا قد بدأت محاورة الأسد، بدأت بمحاورة المتحدث الرسمي باسمه، بدأت بمحاورة من وضع الفيتو بوجه وقف الدم النازف في سوريا، ثم تدعي بأنها لن تحاور الأسد، وقد غاصت في الحوار حتى أذنيها، وعار كل العار على من يضع يديه بيد قتلة الشعب السوري، بل وحتى من يحاول أن يساوم على هذا الدم الطاهر!!
وهذا الموقف المتخاذل والشائن من المعارضة السورية هو الذي أعاد إلى الحياة مبادرة المجرم عنان، بعد أن أعلن عن فشلها يوم الأحد الثامن من تموز، وإذ به يزور سوريا يوم الاثنين ليعيد التأكيد بأنه قد أجرى مباحثات بناءة مع الأسد، تعهد من خلالها الأخير بأن يوقف القتل، حسب بيان صدر عن الأمم المتحدة، جاء فيه على لسان عنان:"خضت محادثات صريحة وبناءة مع الرئيس بشار الأسد، حيث ناقشنا كيفية إنهاء العنف في بلاده، والوسائل والطرق المتاحة لتحقيق ذلك" ثم تلاها بزيارة إلى إيران أوضح خلال مؤتمر عقده في طهران يوم الثلاثاء العاشر من تموز كيفية وقف العنف في سوريا، جاء فيه: "اقترح الأسد وضع منهج تدرجي يبدأ من مناطق الاضطرابات الأعنف، لمحاولة احتواء العنف هناك خطوة بخطوة، والبناء على ذلك لإنهاء العنف بكافة أنحاء البلاد" دون أن يخوض في بقية التفاصيل، قائلاً بأن:"الخطة بحاجة إلى مناقشتها مع المعارضة السورية" ووصلت به الوقاحة إلى القول: "أنا اجري محادثات حالية لأحصل على الدعم الإيراني في المساعي التي أقوم بها من أجل تحقيق السلام في الأراضي السورية".
أي أن المعارضة التي قبلت أن تجعل من روسيا محاوراً، وهي المشاركة في قتل الشعب السوري ، مطلوب منها الآن أن تكون الطرف الضاغط على الجيش الحر حتى يوقف السلاح، ويُترك الأسد ليواصل الإبادة بكل أريحية، لأنه ليس معنياً بهذا الوقف للقتل، وإنما الضحية هي المعني الوحيد بهذا، وعليها أن تستسلم بكل هدوء لسكين الجزار، حتى يسمح الغرب لهذه المعارضة بأن تشكل حكومة يرأسها "مناف طلاس" تحوز من خلالها على جزء من الحكومة، مع بقاء الحكومة الحالية أو بعضاً منها كما جاء في مؤتمر جنيف، وذلك كما آلت إليه الحالة اليمنية، ولن يحدث هذا إلا في حال إنهائها للجيش الحر.
لعبه قذرة تحاك، ومتاجرة بالدماء التي سفكت، وتضيع للأعراض التي انتهكت، ما زالت المعارضة السورية تمارسها، وستكون إيران المحاور الآخر – بعد روسيا- عن الأسد كما يرغب عنان والعالم، ورغم كل هذا ما زالت المعارضة السورية تتحدث بكل وقاحة بأن لا حوار مع الأسد!!
ولا أقول إلا لـ" خالد أبو صلاح" قولاً واحداً بأنه ما كان ينبغي لك أن تكون في مثل هذه المواقف أبداً!!
احمد النعيمي
Ahmeeedasd100@gmail.com
التعليقات (0)