ما حرك الشعوب المسلمة ضد طغاتها، الظلم الذي مورس عليها طيلة عقود من الزمن، وتمثل هذا الظلم في تعين القادة والمسؤولين على حساب التبعية والمحسوبية، لا على حساب التقوى والأهلية ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتطبيق القانون على الفقير وعدم محاسبة الأمير وأتباع الأمير، مما خلق جواً من الضغينة والكراهية بين أفراد المجتمعات الإسلامية، حتى فاض الأمر بالشعوب المسحوقة فخرجت تسعى بحثاً عن حرية فقدت، وعيونها ترنوا إلى تحقيق عدل مرجو، يعامل من خلاله الجميع بالسواسية، ويكون الكل تحت القانون، وطائلة المسؤولية.
ولكن هذا الأمر لم يرق لأحد من القيادات سواءً تلك المعارضة منها أو الحاكمة، لأنها جميعاً تعيش على الواقع نفسه، و ترتكب الخطأ نفسه، تختار من حولها على أساس التبعية والمحسوبية، ولأن محاسبة الحكام والمسئولين السابقين سيؤدي إلى محاكمتهم من بعدها؛ عملت على حرف بوصلة الشعوب الإسلامية عن هدفها الذي كانت تسعى إليه، وتآمرت مع القوى الغربية وقدمت التنازلات مقابل الوصول إلى كرسي الحكم، دون اعتبار للتضحيات التي قدمها الشعب مقابل تخلصه من الحكام الذين سبقوا.
ولذا لم يكن غريباً أن لا تطال يد العدالة أحداً من الظلمة وأن لا ينزل القصاص بأحد من القتلة، كما جرى في تونس ومصر حيث حكم رئيسيها المخلوعين بالمؤبد، بينما يسرح الرئيس السابق في اليمن كيف يشاء، بعد أن اخذ صك غفران لذنوبه، وفي ليبيا جرى البارحة إطلاق أربعة من المعتقلين وسمح لهم بمغادرة البلاد، على أن يعودوا وقت استدعائهم إلى المحاكمة، وإن لم يحضروا فسيحكم عليهم غيابياً.
وفي حال وصلت الشعوب إلى معاقبة المذنب، والقصاص من القاتل، لتحررت من قبضة الغرب، التي تتحكم بالدول الإسلامية وتختار حكامها وقادتها وفق أهوائها ، ولا يسمح لأحد بالوصول إلى سدة الحكم إلا بعد أن يُطبّع ويبصم لهم بالعشرة، فيحاربون أهل الحق والعدل من فورهم ويعملون على تقريب المجرمين وشذاذ الآفاق، أو من هو مستعد ليكون كذلك.
ولأن وصول أهل الحق إلى قيادة الشعوب الإسلامية سيؤدي إلى إنهاء هذه الحقبة المؤلمة من تاريخ الأمة الإسلامية، وتخليص للدول الإسلامية من الهيمنة الغربية، وإقامة دولة العدل المنشودة، ولهذا حُرفت الشعوب الإسلامية عن مرادها الذي قامت من أجله على الحكام الظلمة، باستبدال قيادات المعارضة نفسها مكان الحكام السابقين، وإقرارها للغرب أنها ستعمل ما كان يعمل به الرؤساء السابقون، فضُيعت الدماء وذهبت الأعراض هدراً، ولم يقتص من أحد، بل أن وزير الخارجية التونسي الذي ظهر كثيراً على قناة الجزيرة الفضائية أثناء الثورة التونسية وهو يتحدث كثائر ويرغي ويزبد ويتعهد ويتوعد، نكث بكل عهوده وتنكر لكل أقواله بمجرد أن أصبح وزيراً للخارجية، وفي زيارة له لروسيا من أيام أعلن – بكل وقاحة– بأن تونس الثورة متفقة مع الرؤية الروسية لحل القضية السورية، كما فعل المرزوقي من قبله في قمة بغداد.
واليوم تجري مؤامرة كبيرة من قبل معارضة سوريا في الخارج وهيئة التنسيق في الداخل على الثورة السورية، مقابل الوصول إلى الكرسي على غرار ما حصل في بقية دول الثورات الإسلامية، وبعد تمنع من معارضة الخارج وممانعة، ومزاعمهم برفض الحوار مع الأسد، استطاعت الجامعة العربية أن تقودهم جميعاً إلى حضنها،بعد إقرار مؤتمر جنيف العمل على تشكيل حكومة انتقالية تجمع أطيافاً من المعارضة وأطيافاً من الحكومة الحالية، تعمل على انتقال سلمي للسلطة كما حدث في اليمن، وفق خطة عنان، أي أن يجلس المعارضون وحكومة الأسد والأسد كذلك، على طاولة واحدة للوصول إلى هذا الانتقال السلمي المزعوم، وإجراء مباحثات هزلية يتلاعب من خلالها الأسد بالجميع، وفي الأخير يُطيح بهم جميعاً ويبقى على سدة الحكم في سوريا، بعد أن يتم له تصفية الثورة بشكل نهائي.
وإذا كان الأسد ورغم كل المهل الممنوحة له، والمبادرات المزعومة، والشروط التي وضعت عليه، لم يلتفت لأي منها، ولم يلتزم بأي شرط من الشروط التي وقع عليها، فمن الذي سيسمح بتشكيل هذه الحكومة الانتقالية، والتي أرى أنها لا يمكن لها أن تتشكل إلا بعد المرور فوق أجساد عشرين ألف شهيد سوري، والتنكر للأعراض المنتهكة والأطفال التي مزقت أجسادها، والمعتقلين الذين يسامون سوء العذاب داخل السجون، واللاجئين المشردين في سوريا وخارجها.
وهذا هو الجنون بعينه والاستخفاف المذري بدماء الشهداء، لأن هذا النظام المجرم لا يفهم سوى لغة واحدة، وهي لغة القوة التي من خلالها يتم إيقاف الدم النازف، لا لغة التملق والدجل، وكأني بقيادات المعارضة السورية تريد أن تُضيّع الثورة كما أضاعتها من قبل في ثمانينات القرن الماضي، وتتنكر للجيش الحر كما تنكرت للطليعة من قبل، وتمارس دورها المرسوم لها من أجل الوصول إلى السلطة، وإذا كنا قد عتبنا على تقصير العرب والمسلمين تجاه إخوتهم في سوريا، فلا عجب!!
وأمام المجلس الوطني وأي معارضة تدعي شرفاً خطوة واحدة، لا أكثر ولا أقل، وهي إيقاف هذه الأعمال الخيانية، والعودة إلى حضن الشعب السوري وجيشه الحر، مكفرة عما ترتكبه يداها، ومعلنة كفرها بأي حوار سيقودها إلى الجلوس وجهاً لوجه مع الجزار بشار، أو أي أحد من أعضاء حكومته المجرمة، وإلا فإن الشعب السوري لن يرحمها، وسيعلن منها عدواً لثورته، كما هو حال المجرم بشار، الذي يحاول العالم تأمين ملاذ آمن له، بعد أن اقتربت نهايته، وعلى رأسهم المعارضة السورية.
وهنا أدعو الشعب السوري الثائر والجيش الحر، في حال لم ترتدع تلك القيادات الخائنة عن غيها، وعملت على مواصلة بيع الثورة، والمتاجرة بالدماء، أن يعلن يوم الجمعة القادم باسم "المجلس الوطني لا يمثلنا، من يمثلنا الجيش الحر فقط" ولا يًسمح بعدها لأحد بأن يمثله إلا من هو من داخله، يعيش همومه ويحس بأحاسيسه، يديه غير ملطختين بالدماء ولم توقعا صفقة من قبل، ولسانه غير متعود على الكذب، ومن ثم يواصل طريقه نحو تخليص سوريا من القاتل بشار بجهوده وجهود أبنائه الأبطال؛ ولن يضرهم أن ينفضوا عنهم هؤلاء التجار فهم مخذولون من العالم كله منذ انطلقت ثورتهم، ولم يكن لهم سوى الله معيناً وهو حسبهم "وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ" آل عمران120.
وبغير هذا نكون قد حكمنا على ثورتنا بالموت، وذهبت الدماء والأعراض هباءً منثوراً، وقد نفاجأ بعدها بالأسد يتجول في شوارع دمشق بعد أن أقرت له الحصانة، بل قد يفتح عيادة يمارس بها مهنته في الطبابة، في حال تكرم على شعبه وترك لهم السلطة، بعد أن اعمل بهم إبادة وتشريداً وتنكيلاً!!
احمد النعيمي
Ahmeeed_asd@hotmail.com
التعليقات (0)