مواضيع اليوم

المظاهرة النسائية تنفض .. قبل أن تأتىي الشرطة وتنقض

حسن توفيق

2009-06-06 21:35:53

0

                                                                            الحياة الحب ... والحب الحياة 

                                    بقلم : حسن توفيق

 

                                                                  7 - المظاهرة النسائية تنفضّ
                              
قبل أن تأتي الشرطة وتنقضّ

 

كان لا بد للمظاهرة النسائية ضد الحرب أن تنفض، قبل أن تأتي الشرطة وتنقض، فقد تجلت مظاهر الخلاف واضحة بين اللواتي أردن أن يتصدرن تلك المظاهرة، خصوصاً بعد أن انسحبت الأميرة الشاعرة المدللة ولادة بنت المستكفي وانطلقت مع شاعرها العاشق ابن زيدون قاصدين زمان الوصل بالأندلس، كما أن الخنساء المتشحة بالسواد فضلت أن تتوارى بعيداً دون ندم أو عتاب
لم تهتم أي امرأة بالهدف المعلن وراء تنظيم المظاهرة، لأن الرغبات الشخصية طفت على السطح، فقد أرادت منى أن تتصدر المظاهرة حتى تهتم وسائل الإعلام بجمالها، مما قد يؤدي لترشيحها في مسابقة من مسابقات ملكات الجمال، أما ليلى فإنها كانت تطمع في أن تعمل مذيعة في إحدى القنوات الفضائية دون أن تدخل أي امتحان، لمجرد أن صوتها وهي تهتف لا للحرب نعم للحب فيه من الإثارة ما فيه وفيه من النعومة ما يكفيه، في حين تصورت سلمى أن هز الوسط الذي تتقنه قد يؤهلها لأن تصبح راقصة شرقية في أحد الكازينوهات الليلية، أما المرأة المسكينة المسنة التي ترتدي نظارة طبية، فإنها تخيلت أن المهرجانات الثقافية ستتهافت على استضافتها لتدلي برأيها في قضايا المرأة، مقابل حصولها على مكافآت سخية، تعوضها عن سنوات شبابها التي أضاعتها في شراء المراجع وقراءتها وسهر الليالي سعياً وراء العلم...


بدأت المناوشات خفيفة في البداية إلى أن دخلت كثيرات من النساء في مرحلة شد الشعر التي كشفت عن فضيحة لإحداهن، لأن شَعرها الناعم الطويل لم يكن سوى باروكة سقطت على الأرض أثناء تلك المرحلة وقد حاولت إحدى النساء المخلصات لهدف المظاهرة أن تبحث عن رجل يستطيع تنظيم الصفوف، بشرط ألا يكون جباناً مثل عمر بن أبي ربيعة أو نزار قباني، لكن الوقت كان قد فات، وأحست كل امرأة أنهن جميعاً قد احتشدن ليتفرقن، ولكي يشمت فيهن تجار الحروب ومصاصو دماء الشعوب .
هكذا أصبحت الحديقة الجميلة خالية تماماً من النساء اللواتي كن يتهيأن لمظاهرتهن السلمية، وحين دخل رجال الشرطة ليتفقدوا المكان من جميع زواياه لم يجدوا غير باروكة شعر مرمية وعلبة «روج» منسية، لكنهم لمحوا فجأة شبحين، وعلى الفور قسم رجال الشرط أنفسهم إلى مجموعتين، وانطلقت المجموعة الأولى لتحاصر أحد الشبحين، بينما تقدمت المجموعة الثانية لتتعرف على هوية الشبح الثاني ...


بصوت خشن، صرخ قائد المجموعة الأولى في الشبح الذي كان يجلس هادئاً، وهو يتمتم بكلمات غير مفهومة:
- من أنت أيها الرجل الذي يتظاهر بأنه هادىء؟
= أنا أحد الحائرين في الحياة، وأ تمنى أن أكتشف ما فيها من أسرار وألغاز
- كلام جميل هل تحمل أسلحة معك؟
= معي قلم وعدة أوراق، فيها قصائد كتبتها لألقيها في إحدى الأمسيات الشعرية

- هذا أمر لا يهمني قل لي بوضوح من أين جئت؟
استبدت الحيرة بالرجل، فأخذ يهمس بصوت حزين:


جئت لا أعلم من أين ولكني أتيتُ
ولقد أبصرت قُدَّامي طريقاً فمشيتُ
وسأبقى ماشياً إن شئت هذا أم أبيتُ
كيف جئت؟ كيف أبصرت طريقي؟
لست أدري
وطريقي ما طريقي؟ أطويل أم قصير؟
هل أنا أصعد أم أهبط فيه وأغور
أأنا السائر في الدرب أم الدرب يسير
أم كلانا واقف والدهر يجري؟
لست أدري
أنا لا أذكر شيئا عن حياتي الماضية
أنا لا أعرف شيئا عن حياتي الآتية
ليَ ذات غير أني لست أدري ذاتيه
فمتى تعرف ذاتي كنه ذاتي؟
لست أدري


حين انطلق قائد المجموعة الثانية ليستجوب الشبح الثاني، وجد رجلا مهموما، توحي ملامحه بأنه قد أضاع شيئاً غالياً، لا يمكن تعويضه سأله بحذر مشوب بالحسم
 - لماذا تجلس هنا وحدك في هذه الحديقة؟
 = لم تكن الحديقة خالية حين دخلتها، لأني شاهدت نساء كثيرات، فيهن مليحات، وفيهن قبيحات، ويبدو أنهن كن يتشاجرن فيما بينهن
 - لكنك لم تجب على سؤالي
 = جلست وحدي لكي أستريح من عناء البحث عما ضاع مني؟
 - وما الذي ضاع؟
 = حقي وحق كل إنسان يريد أن يحيا في أمان، دون أن يتعرض للطغيان


كيف ترى  الأكثرياتُ  هذي المهازل
يكدحُ الشعبُ  بلا أجرٍ   لأفراد قلائل
وملايين الضحايا  بين فلاح وعامل
كلها يصرعها الظلمُ وتدعو
أين حقي؟

ليتني أسطيع بعث الوعي في بعض الجماجم

لأريحَ  البشرَ المخدوعَ  من  شر  البهائم

ونصون الدين  عما ينطوي  تحت العمائم

من مآسٍٍ تقتل الحق وتبكي

أين حقي؟


يا قصوراً لم تَقُمْ إلا بسعي الضعفاء
هذه الأكواخ فاضت من دموع البؤساء
وبنوكِ استحضروا الخمرة من هذي الدماء
فسل الكوخَ يُجِبْك الدم فيه
أين حقي؟


خرج أفراد الشرطة من الحديقة، عائدين إلى ثكناتهم، وتم تدوين ما جرى - لا في مدونات إيلاف - ولكن  في محضر رسمي  .. المظاهرة النسائية انفضت تلقائيا، دون أن نتدخل، اما الشبحان أو الرجلان اللذان وجدناهما جالسين في الحديقة، دون أن يكونا مسجلين خطرين، فهما المدعو إيليا أبوماضي الذي يحاول فك الطلاسم والمدعو محمد صالح بحر العلوم الذي تركناه وهو يصرخ بأعلى صوت: أين حقي؟

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !