"المصطبه السياسيه"
…...في معرض ردي علي تعليق لقارئ مدونتي كتبت هذا المصطلح "المصطبه السياسيه" وهذا ما جرني لأتذكر تلك الصوره القديمه ولأن أكتب هذا المقال
والمصطبه لمن لايعرف هي تسميه مصريه لا يعرفها الا أبناء الريف المصري أو المنحدرين من أصول ريفيه فقديما كانت كل المنازل في الريف مبنيه من الطوب اللبن أو الطمي المختلط بالقش
وكان المنزل عباره عن …. "صحن الدار" وتتفرع منه عده غرف وصحن الدار هذا كان يتم به كافه العمليات المنزليه … حيث كان به "فرن" الخبيز لصناعه الخبز في أحد الأركان حيث كان الفلاح يأكل خبز صناعه منزله بل كان عيبا أن يأكل خبز من مخابز عامه بعكس اليوم .. وفي صحن الدار أيضا موقد الطهي أو "الكانون" .. وأيضا مكان لغسيل الملابس
باختصار كل العمليات المنزليه كانت تتم في صحن الدار وبالتالي كانت النسوه متواجدات طيله اليوم داخل هذا المكان للقيام بالأعمال المنزليه
أما الغرف فكانت مخصصه لنوم المتزوجين من أفراد الأسره .. وأيضا فوق الفرن كان مسطحا كسرير للنوم "المكيف" شتاءا بعد تسويه الخبر بداخله ..
وكان خارج المنزل بجوار الباب هناك بناء من الطوب اللبن أيضا يشبه الأريكه للجلوس اسمه "المصطبه" وكان رب المنزل يجلس علي المصطبه ويستقبل ضيوفه وزواره ويجالسهم عليها لأنه لم يكن هناك مكان لاستقبال الغرباء في الداخل فكانت هي غرفه الصالون أو المضيفه بالنسبه لهم … وان اختفي كل هذا المظهر هذه الأيام بعد أن حلت المنازل المبنيه بالحجر محل تلك المباني وأصبح بها مطبخ وحمام وغرفه صالون وهكذا
وكان لكل قريه في ذاك الوقت "عمده" حاكم لهذه القريه وكانت جميع السلطات في يده وله مطلق الصلاحيات ويعاونه "شيخ البلد" "وشيخ الخفراء" ومجموعه من الخفراء …. يكونون معا كافه السلطات التشريعيه والقضائيه والتنفيذيه وهكذا كان حال القريه ولكن بعض العمد كانوا بالمصطلحات السياسيه "ديكتاتوريين" أو "ديمقراطيين" أو ..أو الي أخر المصطلحات المتداوله هذه الايام
حيث كانت بعض القري تعاني من عدم الشفافيه … أو ينتشر بها الفساد السياسي … أو التدهور الاقتصادي أو ترتفع بها معدلات البطاله .. ومن هنا نشأت المعارضه داخل القري ونشأت "المصطبه السياسيه" حيث تخصصت بعض المصاطب للحديث السياسي والمعارض لنظام العمده والأجهزه المعاونه له بل أنه وعلي أرضيه بعضها كانت تخطط وتدبر الانقلابات علي النظام العمدوي الحاكم
وكان عسس العمده "الغير ديمقراطي" من أجهزه القريه الأمنيه ينقلون له كل أحاديث المصطبات السياسيه سواء كانت من معارضه أو كفايه أو تنظيمات دينيه محظوره في القريه
وغالبا ما كانت "الفلكه" وهي عباره عن "عصايتين" يربط بينهما حبل لربط سيقان "المعارض المصطباوي" وترفع لأعلي كالذبيحه ويضرب علي باطن قدميه حتي تتورمان هو العقاب الناجع القامع لكل معارض مصطباوي ليمتنع بعدها تماما عن المعارضه علي المصطبه بل يسير متلفتا خلفه في طرقات القريه خوفا من أن يكون أحد العسس مقتفي أثره
وكان للعمده اياه مقوله شهيره وهي …. "ما عدش ناقص الا الكلام المصطباوي ده .. كل واحد قاعد علي المصطبه يشد في الجوزه ومفيش علي لسانه غير العمده العمده" بل كان بعض العمد يصدرون قرارات بهدم بعض المصاطب وتقوم "سلطه الخفراء التنفيذيه" بتنفيذها عقابا لصاحبها علي السماح للمعارضين بارتياد مصطبته وحتي لا يجد مكان للجلوس فيضطر للجلوس داخل المنزل كالحريم تجريسا له
فالمصطبه صوره تراثيه مصريه أصيله انقرضت من الريف المصري تبعا للتطور الطبيعي وانقرض معها العمده التقليدي اياه صاحب السلطه المطلقه أيضا
واليوم لدينا الكثير من الصور والتي نتساءل متي تنقرض هي الأخري؟
التعليقات (0)