أعطاها مصحفا صغيرا وأنيقا ، وأوصاها بتلاوة آياته عهدا منها على الوفاء لحبهما في ضجيج المدينة التي ستسافر إليها ، طمأنته ورحلت . وبعد فترة عقد العزم على التعجيل بالزواج منها ، فقصد المدينة ووقف على باب بيتها وسألها : هل كنت تقرئين من المصحف الذي أعطيتك إياه ؟ .. فأجابت : كلا .. فرد منفعلا : إذن فلتعلمي أن الذي بيننا قد إنتهى .. وعاد أدراجه منفصلا عنها في سيناريو لايفاجؤه لأنه يتكرر كثيرا في قصص حبه .. فهذا الحب هو السادس في حياته الذي ينتهي بزواج حبيباته جميعهن برجال يأتون فجأة من السماء كالنسور ويخطفونهن من أمامه ..
وطبعا (حيلة) المصحف - إذا صح القول - هي وليدة هاجس طيران حبه من أمامه كعادته ، لذلك إعتمدها لكبح جماح حبيبته ، وللحد من إنجرافها للمغريات فيما لو قدمت لها من طرف رجال يفوقونه إمكانيات مادية في الغالب ، لأنه يعتمد على تأثيره عليها بحكم الحب والعاطفة ، وبأسلوب الترهيب والترغيب .. مع أنه للترهيب في حيلته هذه أقرب .. وهو يبرر كل ذلك بأن إحساسه يخبره بأنها - كسابقاتها - لن تكون من نصيبه ، والحقيقة أنه لم يعطها المصحف الشريف بنية الحب الخالص في الله ولله ، أولهدايتها وتنويرها ، بل بنية تخويفها من مغبه نكوثها بعهدها المرتبط بشيء مقدس كالقرآن الكريم !..
وهو مثال عن الهجرة اليومية لجموع المسلمين لربا يأكلونه ، وأموال قذرة يغسلونها ، وزنى يسعون إليه سعيا .. وكل ذلك رغم ما يتجملون به في الظاهر من تقى وسداد ورشاد ، وهي هجرة مؤسفة لأنها ورثتهم النفاق ، وجعلتهم يبتعدون عن الإخلاص لله ولبعضهم في الأقوال وفي الأفعال ..
والمشهد واحد من بين آلاف المشاهد التي أصبحت إعتيادية في حياة المسلمين الذين لايصدقون النوايا تجاه بعضهم البعض ، ولا يثقون ببعضهم البعض . فلو كان حب هذا الإنسان صادقا لجعل من المصحف غاية لذاتها ، وليس وسيلة للسيطرة على حبيبته .. ولو أن الحديث عن النوايا لايخولنا إتهام بعضنا البعض إلا أن نتائج الخطوات التي يُقبل عليها الناس في حيواتهم تجعلنا نرى جليا مقدار الشك الهائل ، ومقدار اليقين الضئيل مقارنة بالنعم الجزيلة الممنوحة لهم ، والإختيارات الكثيرة المتاحة أمامهم ، ومقارنة بالدلائل الكثيرة على عظمة الله الذي لايغلق بابا إلا ويفتح غيره ألف باب ، وحكمته التي جعلت حقائق النساء اللواتي تعرّف عليهن صاحب المثال أعلاه تتكشف قبل فوات الأوان ، وهي نعمة تستحق الحمد والشكر ، لكن صاحبنا لايرى هذا الجانب لأنه كغيرنا كثيرون لانحسن الظن ببعضنا ولا بخالقنا.
التعليقات (0)