مع تواصل الأحداث العنصرية المؤسفة ضد المصريين الأقباط أو الأقلية القبطية بمفهوم آخر فى الشهور الأخيرة، أكتشف العالم على لسان المتحدثين الرسميين بأسم السلطة أن مصر أصبحت من أكبر مستشفيات الأمراض العقلية فى العالم وأصبح الإختلال العقلى صناعة مصرية له من الصفات ما يعجز غيره من المختلين عقلياً فى بلدان العالم على الأتيان به من أعمال، فنجد المصرى المختل عقلياً يرتكب نوعية خاصة من الجرائم التى تحدث فى مصر من قتل وتدمير وأعتداء على الكنائس أو روادها تلك الجرائم التى تتميز بصفة مشتركة أسمها العنصرية الدينية.
تلك الأضطرابات النفسية والعقلية التى يصفها لنا علماء وخبراء السلطة المصرية فى بياناتهم الإعلامية، فالإنسان "المصرى" بعد سيطرة الوهابية على هويته أصبح يعانى من الهلع العصابى الذى يدفعه إلى حالة من الهيجان عند سماعه خبراً عن بناء سور فى كنيسة أو الشروع فى بناء دورة مياة "فى كنيسة"، وتتفاوت درجة التوتر والإنفعالات السلبية وردود الأفعال عند صعود أحد المسيحيين إلى مترو الأنفاق أو إلى ميكروباص المدينة أو الأرياف.
الحمد "للإله" الذى أنعم على مجتمعنا المصرى بالخلل العقلى والأضطرابات النفسية من الهوس والعصاب وغيرها من الأمراض التى قام بتشخيصها كبار المسئولين بأعتبارها ظاهرة صحية لن تؤثر على "النسيج الواحد" من أبناء مصر المحاصرين فى أكبر مستشفى للأمراض العقلية!
أدان بشدة مجلس الشعب المصرى بكافة تياراته المختلفة الحادث الأخير وقال بأن الذى قام بالأعتداء على أربع كنائس بالأسكندرية هو شخص مختل عقلياً ثم يطالب المجلس بعد ذلك بسرعة محاكمة الجاني، وإنزال العقوبة الرادعة عليه . عندما ينشر هذا الكلام فى بيان يتضح التناقض: أما أن يكون الأعضاء غير مصدقين أن الجانى مختل عقلياً أو أن أعضاء المجلس المصرى يعرفون بأنه لا يمكن إنزال العقوبة الرادعة عليه لأن الجانى ببساطة مختل عقلياً!
إذن الجناة يخرجون دائماً بعد كل حادثة إعتداء يقع فيها قتلى طلقاء يسبحون بحمد الله على السلامة وكأننا أمام حدوتة مصرية كاملة الحبكة الدرامية ببراعة التأليف والإعداد والسيناريو والحوار وكافة الممثلين من المتخلفين عقلياً والمخرج المنفذ الساهر على أمن المختلين عقلياً فى المحروسة مصر.
المشاكل إذن تبقى وتتراكم ولا أحد من المسئولين يتطرق إليها لأن " مصر نسيج واحد وفيها وحدة وطنية " ، وقد يتساءل البعض: وأين المثقفين والمفكرين المصريين فى كشف ما يحدث من تجاوزات كبيرة فى هذا المجتمع المصرى المريض؟ لماذا يصمتون عن أجهزة الإعلام الذى تحولت من مصرية إلى وهابية وكأن لسان حال المثقفين يقول: "أنا مبسوط كده"؟!
هذه الحالة البائسة التى يصورها مسئولين وصحفيين وأمن دولة وأطباء المصحة العقلية المصرية تجعل من الصعوبة تناول جرعات الدواء التى يصفها أبناء مصر المخلصين وتصبح مصر "محلك سر"!
نحن إذن أمام ضرورة كبرى ملقاة على عاتق كل مثقف وكل مفكر وكل صحفى وكل إنسان له رأى حر أن يعيد بكتاباته وأفكاره كرامة الإنسان التى سلبها الأنتهازيون من رجال الدين والسياسة وأهدروا حقوق الإنسان الطبيعية فى أن يكون إنساناً جديراً بالأحترام سواء كان مؤمناً أو كافراً، وأن يتوقف حراس الوهم الدينى عن إستغلال الدين فى مناهج التعليم وفى وسائل الإعلام للتشهير ونشر الفوضى العنصرية بين أبناء مصر.
صمت المثقفين تجاه المغالطات الصحفية والتاريخية، صمت المثقفين تجاه مشاكل المواطنين والأقليات المصرية والأنحياز الواضح لأفكارهم بأعتبار أن المواطنين ليسوا سواء! هذا الصمت الذى طال سنين عديدة كان عبارة عن قارب النجاة للجماعات الدينية والسياسية للوصول إلى أهدافها والنيل من مصرية المصريين ومن حضارتهم ومن تقدمهم فى عصرنا الحاضر.
الإنسان الذى يعى قيمة إنسانيته يدرك جيداً أن مشاعر الكراهية والتعصب ضد الآخر هى مشاعر باطلة، وأنه لا بديل من حقيقة أن الوطن للجميع كما أن الهواء للجميع! وأن كراهية الآخر الدينى لن يحل مشاكل الفساد السياسى أو الأقتصادى أو الإجتماعى.
سؤال شخصى: هل الدين هو مجموعة مشاعر وأحاسيس كراهية وغضب دفين مكبوت تجاه الآخر ممزوج بالتأزم والأحتقان وحب التشهير والنيل من الآخر أتقدم بها لعبادة الإله؟
كلمة أخيرة: لا تجعلوا من الدين نقمة على البشر، بل أجعلوه نعمة تفيض بالخير والحب على أنفسكم والآخرين!
2006 / 4 / 23
التعليقات (0)