في معرض تعليقه على اتفاق المصالحة بين فتح و حماس، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي " بنيامين نتنياهو": " إن الإتفاق يمثل تهديدا جديا للسلام وهدية للإرهابيين". طبعا ليس من حق نتنياهو أن يتحدث عن السلام، لكن من حقه أن يعبر عن التخوفات الإسرائيلية من تداعيات هذا التقارب الفلسطيني المعلن.
لقد كانت إسرائيل هي الرابح الأكبر من واقع الشقاق الفلسطيني طيلة السنوات الأربعة الماضية. ذلك أن التناحر السياسي و الإقتتال الداخلي بين أنصار فتح و حماس، على خلفية المنازعة حول الشرعية، منح لإسرائيل مزيدا من الوقت لتنفيذ سياساتها التوسعية و المضي قدما في الإستيطان و رفض كل صيغ السلام المطروحة رغم ما تتضمنه من تنازلات.وبذلك منح هذا الإقتتال الفلسطيني الداخلي لإسرائيل عطلة طويلة الأمد و مدفوعة الأجر، مادامت الدولة العبرية تتمسك بزمام الأمور و تفرض شروطها السياسية استنادا إلى إرادة القوة التي تمنحها مفاتيح العقد و الحل في مستقبل الصراع في الشرق الأوسط على المدى المنظور على الأقل.
إسرائيل تدرك جيدا أن أعداءها يعيشون انقسامات داخلية لا حصر لها. و هي تدرك أيضا أن من مصلحتها استمرار هذا الوضع لأطول فترة ممكنة، لأن ذلك يمكنها من تكريس الأمر الواقع، ويجعلها في موقع تفاوضي قوي، فالتوصل إلى حل للصراع يقتضي أولا تقديم ضمانات بعدم تهديد الأمن الإسرائيلي مستقبلا. و تلك هي القاعدة التي تأسس عليها مسلسل المفاوضات منذ اتفاق أوسلو سنة 1993، و التي تتجلى في خيار " الأرض مقابل السلام ". لكن الفعل المقاوم الذي تبديه " حركة حماس " يقدم لإسرائيل الذرائع الكافية للتملص من التزامتها، و يجعل القوى الفاعلة دوليا و التي ترعى عملية السلام تميل في مواقفها إلى جانب إسرائيل، بالرغم من أن كل الوقائع تشير إلى أن قادة إسرائيل لا يبحثون عن هذا السلام. أما الخاسر الأكبر من هذا الواقع فهو الشعب الفلسطيني و بالتحديد سكان غزة الذين يعيشون تحت الحصار منذ أن اختارت " حماس " تأسيس دولتها الخاصة في القطاع.
و الآن، وبعد الإعلان عن اتفاق المصالحة، فإن إسرائيل تتخوف من سقوط ورقة التوت الأخيرة التي تتشبث بها لفرض الأمر الواقع. لكن احتفالات الفلسطينيين بهذا " النصر " لا يعني أن صفحة الخلافات قد طويت إلى غير رجعة. فقد عرفت السنوات الأخيرة عددا من الإتفاقيات بين الغريمين الفلسطينيين، لكنها كانت تصطدم باستمرار بحائط التعنت من الجانبين. تعنت قسم علبة السردين التي صنعها اتفاق أوسلو إلى قطعتين محكومتين معا بسياسة القهر و فرض الأمر الواقع. فكانت مصلحة الشعب في الحاتين معا هي الغائب الأكبر، لأن صانعي القرار في فتح و حماس اختاروا أن يهرولوا خلف أجندات خاصة بدل الإلتفاف حول صوت واحد من شأنه أن ينهي مأساة هذا الشعب الذي عانى طويلا من نير الإحتلال. لذلك فإن الخوف الإسرائيلي من التقارب بين دويلة الضفة و دويلة القطاع قد لا يكون في محله . و أعتقد جازما أن أفراح المصالحة سرعان ما تصطدم بمسلسل جديد من الخلافات بين حماس و فتح. و مادامت الخلفيتان الإيديولوجيتان اللتان تؤطران مواقف الحركتين على طرفي نقيض فإن المستقبل ينذر بجولة جديدة من الشقاق و الصراع. و قد تكون الإنتخابات المزمع تنظيمها في الأشهر المقبلة نقطة اللاعودة في هذا الشأن.
إن توقيع اتفاق للمصالحة و ما رافقه من تبادل للكلمات و التهاني بهذه المناسبة لا يعني شيئا على أرض الواقع، فالحصار على غزة تفرضه إسرائيل، ولا سلطة لأي أحد عليها لرفع هذا الحصار ما دامت مسوغاته حاضرة. لذلك فإن المطلوب هو الإتفاق على أسلوب واحد في التعامل مع إسرائيل سواء من خلال تصعيد المقاومة، وهو خيار أقرب إلى الإنتحار في ظل موازين القوى الراهنة، أو من خلال الإنخراط في السلام بالشروط الإسرائيلية. و هذا أمر لا تستسيغه حماس بطبيعة الحال. ماذا تبقى إذن؟. مزيد من الشقاق طبعا.
محمد مغوتي.05/05/2011.
التعليقات (0)