كنت أن تطفلت في مقالة سابقة لأضع مقارنة بين الحالتين المصرية و الموريتانية، انقلاب الجنرال محمد ولد عبد العزيز على الرئيس المؤتمن الشيخ ولد سيدي عبد الله و انقلاب الفريق ثم المشير عبد الفتاح السيسي على الرئيس المنتخب محمد مرسي، مستخلصا في ذلك التاريخ أن الحالة المصرية تختلف عن الحالة الموريتانية لاعتبارات كثيرة، فطبيعة الولاءات القبلية و تجذر الحزب الحاكم في موريتانيا و هشاشة المعارضة و تغير ولاءات السياسيين الموريتانيين جعل من حزب معاوية أو بعد ذلك حزب الشيخ ولد سيدي عبدالله هو نفسه حزب و أغلبية الجنرال ولد عبد العزيز، رغم الاختلاف سارت مجريات الأمور في مصر على نفس النهج، فالفريق الزاهد في السلطة الراغب عنها بات مرشح الشعب لرئاسيات مصر 2014، و أغلبيته هي أغلبية مبارك و أغلبية شفيق مع إضافة بعض أحزاب الفتات كالوفد و التجمع و بعض من الناصريين.
بات الآن لمن كان يشكك في حقيقة 3 يوليوز أو 30 يونيو أن ما حدث انقلاب عسكري، المخدوعون هم الآن و في أحدث الإجراءات ممنوعون قضائيا و أعني بذلك الحكم القضائي بحظر حركة 6 أبريل، فمن يعمر المشهد السياسي الآن؟ لنذكر حمدين صباحي مرشح الثورة إن صحت التسمية كما يرى، أن انتخابات الرئاسيات الموريتانية التي أدت إلى فوز رئيس مدني مرت في جولتين و أنها شهدت منافسة قوية بين مرشح المعارضة التاريخية أحمد ولد داداه و مرشح الجيش و أغلبية معاوية حينها الشيخ ولد سيدي عبد الله و انتهت بفوز الأخير بفارق قليل و أن انتخابات الرئاسة التي ترشح فيها الجنرال ولد عبد العزيز صاحب الانقلاب مرت في شوط واحد و انتهت بفوز الجنرال على كل منافسيه بفارق كبير و حصل زعماء المعارضة الموريتانية على نسب متدنية جد. خطأ المعارضة الموريتانية أنها قبلت باتفاق دكار و شاركت الجنرال مبايعته رئيسا للفقراء كما كان يسمي نفسه، و اليوم بعد مرور فترة رئاسية كاملة للجنرال هاهو يعيد ترشيح نفسه و هاهي المعارضة الموريتانية تحاور نفسها في إمكانية المشاركة أو الدخول بمرشح واحد بعد أن غابت عن الانتخابات البرلمانية و قاطعتها بخلاف أحزاب كتواصل الإسلامي ( إخوان موريتانيا) و تبحث عن ضمانات لتوفير مناخ يمكنها من المشاركة، و هنا نقف قليلا عند مشاركة حزب تواصل الإسلامي في الانتخابات النيابية و التي لم يحصل فيها على نتائج تذكر، فكانت له الخسارة و أودع عزيز و أغلبيته نقطة ثمينة بأن فك عنهم عزلة المقاطعة و أعطى بعضا من المصداقية لانتخابات قاطعتها أقوى الأحزاب المعارضة، و قد سبق لتواصل أن حالف الجنرال و هذا أمر يخالف فيه إخوان مصر و الحجة في ذلك أن تواصل لم يكن في السلطة حتى تخلع منه، و قد حاول الحزب التقرب من الجنرال لتوافق المصالح، غير أن الجنرال و في ركوب موجة معاداة تيار الإسلام السياسي التي دشنتها دول خليجية إضافة إلى مصر عمل على حظر مؤسسات هي الذراع الجمعوي و الدعوي لحزب تواصل، ومقارنة بإخوان مصر يصعب التكهن بأن الجماعة قد تمد يدها إلى السيسي في مستقبل الأيام .
ما يمكن استنتاجه أننا في دول المبايعة العربية، لا توجد نزاهة بوجود القوي الغالب المتمكن من السلطة الراغب فيها و النخبة الفاسدة من سياسيين و رجال أعمال، فمصر لن تعدو كونها موريتانيا ثانية كما الجزائر في انتخاباتها الأخيرة أو كما سوريا أو العراق المالكي، وسيفوز السيسي بفترة أو فترتين و قد يغير الدستور لفترات أكثر و أطول، فبدايات الأمور تعطينا نظرة على نهاياتها، مصر اليوم لربما أسوء من مصر مبارك، و نشوة الدولة العميقة بانتصارها أوجد حالة من الانتقام الواسع ضد من تجرأ و قاد أو شارك في ثورة 25 يناير، قوة التغيير و إفشال عودة نظام مبارك المدعوم إقليميا أمر منوط بحركية المعارضة المصرية و توجهاتها المستقبلية، للأسف اليوم نحن أمام تيارين يعملان دون انسجام، لنذكر أن المعارضة الموريتانية التي استجمعت قواها اليوم في إطار منتدى موحد كانت طيلة فترة حكم ولد عبد العزيز مشتتة بعضها بارك الانقلاب ظنا بحيادية الجيش و عدم مشاركته و من ثم فوزه و بعضهم ساند الجنرال بعد أن أصبح رئيسا و شارك في الحكومة أو اتخذ منزلة بين المنزلتين فلقب بالمعارضة " الناصحة " ، و النتيجة أن لا أحد من هؤلاء دام له الوصل مع عبد العزيز .
التعليقات (0)