عامٌ مـَرَّ وأنت في ذهني لا تبرحه إلا قليلا، فقد قضيت بجوارك ردحاً طويلا من الزمن، تعلمتُ منكَ، وغضضتُ الطـرْفَ عن جرائمك في حق شعبنا، والتزمت الصمتَ حيال كل التجاوزات والسرقات والنهب وتحويلات أموالك وانتهاكات حقوق مواطنيك مَنْ عذبت منهم، ومـَنْ أحرقتَ، ومن ألقيت في أقبية سجون لا يعرفها الجن الأزرق.
أنقذتــُك من ملايين الغاضبين الذين لو تمكنوا منك في ميدان التحرير فإنهم كانوا سيمزقون كل أنسجة جسدك فلا تبقى فيه خلية واحدة سليمة.
ثم أكرمتك في منتجعك المفضل بشرم الشيخ، وضربت بعــُرض الحائط نداءات القصاص منك، وتركتك تحرك أموالك في الداخل والخارج، وتقنن الهبر، وتجعل لصوص الدنيا يحسدونك على عبقريتك، وفي النهاية عندما اضطررت تحت الضغوطات المليونية جعلتــُك تــُحاكــَم راقدا في محكمة هزلية، وعبثية لنعلن بعدها سرية المحاكمات، فالشعب الثائر لا يحق له أن يعرف ما يدور في محاكمة القرن و.. كل القرون.
سيدي الرئيس الشيطان،
نحن تلاميذك الأوفياء وقد أثبت عام مضى أننا أقرب إليك ممن يوسوس لك، بل من قرينك الذي لا يفارقك، وعبقريتك امتدت روحُها إلينا فجعلنا المصريين بعد عام كامل من الإطاحة بك يكرهون الثورة وشبابها ومحرري مصر من براثنك والغاضبين على نظام حكم أذاقهم الويلات، وعاملهم معاملة الحشرات، وحشرهم في دائرة الفقر المــُذل تحت أحذية رجال أمن لا يعرفون الله ولا يؤمنون بمشاعر الرحمة فهي ضعف وتنازل وجبن.
الأغبياء الحمقى يظنون أننا في المجلس العسكري الحاكم وفي كل أجهزة الأمن والجيش لا نستطيع أن نجمع الخارجين عن القانون وأصحاب السوابق واللصوص والبلطجية في يوم أو بعض يوم، ونجعل مصر أكثر أمنا من كل بلاد الدنيا، لكننا لن نفعل فتلميذك خط أحمر ، كما كنت أنت من قبل، يصنعه الجبناء والمنافقون والمتزلفون والوصوليون، وحتى مجلس الشعب الإسلامي الذي يُــلـَوّح أعضاؤه بقبضاتهم في الهواء لضرورة محاكمة رجالي لا يقتربون مني، فهم صناعتي التي استعنت بصناديق الاقتراع لإيصالهم للحرم الديمقراطي شريطة أن لا يقتربوا مني، ويعبدونني كما كان أعضاء مجلس الشعب السابق يعبدونك من دون الله، بل كانوا يخشونك أكثر من خشيتهم رب العالمين.
كما اتفقت معك، سيدي المخلوع المريض العجوز، أن لا تقترب أي قوى من أموالك ولو شج كل المصريين رؤوسهم في الحائط، وفعلا وصل المصريون إلى الحدود الفاصلة بين الفاقة والمجاعة، ولم تبق غير خطوة واحدة فيفترس أكثرهم جوعاً أشدَّهم ضعفاً في ظل وضع كارثي لفقدان الأمن والأمان، وأصبح أمراً طبيعيا مقبولا أن يقف جنود الجيش والأمن كمتفرجين بلهاء أمام معارك بالسلاح الأبيض والناري حيث لا يعرف أحد من يقتل من في بورسعيد والسويس والقاهرة.
أنا أكثر تلاميذك ولاء ووفاء والتزاماً وحنيناً لعهدك، ولا تخش أن يحاسبني أعضاء مجلس الشعب من القوى الإسلامية فقد منحت لهم الفرصة الذهبية للحصانة البرلمانية وغزل السفيرة الأمريكية فكحــَّلوا عيونهم من الداخل لئلا ترى مشهدا واحدا من مشاهد حياتي معك أو بعدك، فالإسلاميون مستعدون لبيع مصاحفهم من أجل سلطة وحصانة ومال ونفوذ وسطوة على قلوب العباد.
أنت، سيدي المخلوع الراقد الحاكم الخفي، دائن لنا جميعا في المجلس العسكري، وما قمت به من تدمير مصر في ثلاثة عقود فعلت أنا ضــِعفه في عام واحد، وسيأتي الوقت الذي لا تزور غفوة نوم واحدة عيني مصري حتى يزوره ملك الموت، وقد نجحنا إلى حد بعيد، ويتمنى عودتك معظم الأغبياء والبسطاء والمغسولة أدمغتهم.
لقد قضيت ومجلسي العسكري على روح ميدان التحرير، وأصبحت المليونية ألفية، ولو قتلنا كل شباب بمصر وخلعنا عيونهم بقناصتنا البارعين فإننا نضمن على الأقل وقوف الأغلبية الصامتة معنا ، وسيدعمنا الزاعمون أن الله معهم، وأن طاعة الدستور مرهونة بعدم التعارض مع شرع الله وهي الكلمة التي تحتمل كل التأويلات، ونقطع بها أعناق مخالفينا بدعوى أنها تعليمات العلي القدير.
إنني أعدك، سيدي الحاكم الأوحد في القصر أو المنتجع أو المستشفى أو السجن، أن أقوم بتعليم المصريين كيفية السير على أربع، وأن أحذية عسكرنا أشرف من شهدائهم الذين لم أحاكم حتى الآن قاتليهم أو معذبي زملائهم أو كاشفي مواضع العفة والعذرية لزميلاتهم، وسأجعل المصريين يحسدون الحشرة على حياتها وهنائها وقوت يومها الذي تضمنه ولو كانت في قفراء موحشة.
شيء واحد أخاف منه عليك وعلينا في مجلسنا العسكري وهو عودة الروح للثورة في تنظيم إلكتروني مليوني يفاجئنا من حيث لا نحتسب، فنكتشف أن كل شرفاء مصر، من شباب وشابات وأطفال وشيوخ وربات بيوت وقوى سلبية، إسلامية وقبطية، لم تعد تحتمل مهانة أكثر مما يحدث الآن يخرجون ملء مصر، ميادين وشوارع وأزقة وحواري، حتى لو ناهضهم وعارضهم وامتنع عن دعمهم العسكر ورجال الأمن وملايين من الذين أعطوا أصواتهم للإخوان المسلمين والسلفيين.
يحدثني أعضاء المجلس العسكري وهو يرتعشون عن خوفهم أن تعود روح ثورة 25 يناير فيتجمع ملايين الشباب في اعتصام كأنهم جند الله فينتهي نظامك وفلولك ورجالك وخليفتك المشير وتسقط شرعية مجلس الشعب ويبحث شباب الثورة في ثوبهم الجديد عن مزيد من حبال غليظة تلتف حول أعناقنا جميعا لتعود مصر إليهم.
وإلى أن تعود ويتكاتف المصريون فإننا لهم بالمرصاد، وستسمع في جناحك الفاخر كل يوم عن كوارث وفواجع وحرائق وقتل واصطياد وقنص واعتداء على البيوت والحرمات والنساء والأموال والممتلكات، فأنت سيدنا وإبليسنا وجحيم المصريين، واقفا أو راقداً.
أعدك بأن أظل وفيا لك ما بقي لي من عمر، فإسلاميو مجلس الشعب غفروا لي، وأهالوا التراب على ذنوبي، وصفحوا عن مشاركتي إياك لسنوات طويلة، وخــُيــّروا بيني وبين الله، فاختاروني كما فعل مجلس الشعب السابق الذي انحاز إليك ضد الله .. جل جلاله.
سيدي الرئيس،
عاش إبليس، محررنا من رسالات الله السامية والسماوية، ومن القيم والمبادئ والأخلاق والمــُثل العليا وما قيل بأن من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، لأننا مؤمنون بأن من قتل المصريين جميعاً فكأنما قتل مصرياً واحدا.. عن غير قصد!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
4 فبراير 2012
التعليقات (0)