مواضيع اليوم

المشهد الديني العالمي

ممدوح الشيخ

2009-03-21 22:54:40

0


المشهد الديني العالمي
بقلم/ ممدوح الشيخ
في مطلع هذا الشهر تسلم الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف من نظيره الإيطالي جورجو نابوليتانو رسميا "مفتاحا رمزيا" للمجمع التابع للكنيسة الأرثوذكسية الروسية في مدينة باري الإيطالية في احتفال مهيب أقيم بالمناسبة التي وصفها ميدفيديف بأنها "حدث تاريخي" حقا. والرجل الذي جلس على "عرش الكرملين" في مدينة كانت لعقود عاصمة إمبراطورية أممية ملحدة لا شك أنه لا يستخدم وصف "تاريخي" على سبيل المبالغة بل إن حضوره بنفسه هذا الاحتفال يؤكد دلالاته العميقة، ويكفي أن نقارن هذا الموقف وهذا الوصف بقول الزعيم الشيوعي جوزيف ستالين متهكما: "كم فرقة عسكرية يملك الفاتيكان؟"
ميدفيديف شكر الرئيس الإيطالي على تسليم المجمع المعماري التابع للكنيسة الأرثوذكسية وقدر عاليا جهود من عملوا لذلك وبخاصة إسهامات بطريركي روسيا: السابق ألكسي الثاني والحالي كيريل في تحقيق "هذه الغاية النبيلة التي تثلج صدور كل المؤمنين المسيحيين الأرثوذكس في روسيا وخارجها". وكأن سبعين عاما من الحكم الشيوعي لروسيا ذهبت أدراج الرياح ليعود الدين، ليس فقط رقما مهما في هذه العاصمة المهمة، بل بطلا من أبطال المشهد العالمي.
لم تكن تلك الإشارة الوحيدة على التغير العميق الذي طرأ على مكانة الدين في هوية روسيا وسياساتها، فبالتزامن مع هذا الحدث افتتح في موسكو المؤتمر العلمي التطبيقي "روسيا والعالم الإسلامي" كان من أهم المشاركين فيه السياسي المخضرم يفجيني بريماكوف. والمؤتمر عقد بمبادرة: "فريق الرؤية الاستراتيجية: "روسيا/ العالم الإسلامي" الذي أنشئ في 2005، وهذا الفريق عقد اجتماعات في موسكو وقازان واسطنبول، ويتوقع أن يجتمع قريبا في جدة. ومع هذا الاهتمام كان طبيعيا تأكيد الحضور المتزايد للمسلمين في روسيا حيث يشكلون 20 % من السكان، وهناك إحساس متنامٍ في روسيا بأهمية الدين في السياسة الداخلية والعلاقات الدولية. والتغير الأهم وجود إدراك لأهمية الحوار بين مختلف الحضارات، وبخاصة بين الغربية والإسلامية حيث تتنامى الحاجة للتصدي لمحاولات البعض تأكيد حتمية الصدام بين الحضارة اليهودية المسيحية والحضارة الإسلامية.
فمن كان يتخيل بعد عشرين عاما من سقوط الشيوعية أن تتصدى روسيا لدعم الحوار بين الإسلام والغرب؟
ومن مفردات "المشهد الديني العالمي" مساعٍ للقضاء على "الأمية الدينية" التي فرضها الحكم الشيوعي السابق على بلغاريا قبل عقود، عبر تدريس الدين كمادة إلزامية في المدارس. وقد قوبلت الخطة الرسمية بردود فعل متباينة من المواطنين الذين يعلن 70% منهم إلحادهم.!
وقبل العهد الشيوعي كان تدريس المسيحية أساسيًّا في مناهج الدراسة، وبعد تسلم الشيوعيين حكم البلاد في الأربعينيات بدعم من الاتحاد السوفييتي السابق تم منع ممارسة الطقوس الدينية، وإعلان الانتماء الديني لأي شخص. ولكن بعد سقوط الشيوعية عام 1989 عاد الدين بشكل تدريجي ودفعت الكنيسة بقوة في اتجاه إعادة تدريس المسيحية. ومنذ 10 أعوام أصبح من المتاح للطلاب دراسة المسيحية أو الإسلام بشكل اختياري بحسب معتقداتهم. ومنذ عام 2001 أصبح من تقاليد تسلم مسئولي الحكومة لمناصبهم، أن يقسموا على الإنجيل. وتم افتتاح مبان ومكاتب تقدم الخدمة الدينية.
وحسب استطلاع للرأي أجراه معهد جالوب لاستطلاعات الرأي عام 2004، فإن العديد من البلغار لا يزالون يخلطون بين العقيدة الدينية والخرافات، وأن نصفهم لا يزال يعتقد في وجود السحر الأسود، بينما 20 % من البلغار يعتقدون بوجود الأشباح، وأن القطط السوداء شؤم، وأن هناك من يستطيعون محادثة أرواح الأموات!.
وفي أقصى الغرب في أمريكا اللاتينية تشغل التحولات المذهبية لمسيحيي كولومبيا اهتمام المراقبين، فكولومبيا التي يعرف شعبها بتدينه تتحول بشكل كبير عن الكنسية الكاثوليكية بينما تكتظ كنائس المبشرين الإنجيلين بالأتباع. البعض يرى أنه في الظروف العسيرة، كالحروب والأزمات الاقتصادية عادة يبحث الناس عن شيء أعظم منهم، شيء يوفر لهم الإحساس بالأمن، وهو الدين. بينما البعض الآخر يحمل الكنيسة الكاثوليكية المسئولية لأن الكولومبيين يبحثون الآن عن دين يحل مشكلة الفقر، وهذه المسألة تشغل بال كثير من الأساقفة الكاثوليك وهم يشهدون زيادة عدد الكنائس البروتستاتينية، لاسيما في القطاعات الشعبية. وبالتالي بدأت نسبة الكاثوليك تتراجع لصالح البروتستنت، فبعد أن كان الكاثوليك يمثلون90 % من الشعب أصبح هناك 5 ملايين بروتستنتي من 43 مليون نسمة. ولعل من الحقائق الجديرة بالتوقف صدور قانون كولومبي لحرية الأديان في 1991، وكان جزءا من سياق عالمي.
وفي إطار تقدم "المشهد الديني" ليحتل أهمية كبيرة تتزايد باستمرار، أصبح هناك موجة مسوحات واستطلاعات رأي دينية تصنف شعوب العالم لتحدد "الأكثر إيمانا" و"الأكثر إلحادا"، بعد أن استقر في وجدان وعقل كثيرين شرقا وغربا أن العلاقة بين الدين والحياة العامة انتهت إلى غير رجعة منذ قيام الثورة الفرنسية، والآن أصبح هناك مفهوم شديد الأهمية لفهم العالم اسمه: "المشهد الديني العالمي"!
 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !