ينعقد المعرض الدولي للنشر بمدينة الدار البيضاء بالتزامن مع صدور التقرير الثاني للتنمية الثقافية العربية (تصدره مؤسسة الفكر العربي)، والذي قدم مؤشرات تعكس الصورة الباهتة للوضع الثقافي المغربي دوليا وإقليميا، وتؤكد مؤشرات هذا التقرير أن المشهد الثقافي المغربي اليوم يتسم بالهشاشة وانعدام سياسة سوسيوثقافية تدعمه من حيث توفير التجهيزات والبنيات الخدمية والترويجية سواء على صعيد النشر والتوزيع أو الإعلام والاتصال أو المتابعة والاستثمار.
فقد صنف التقرير الوضع الثقافي المغربي مرة أخرى في مراتب متدنية، ومعلوم أن المغرب قد اتخذ جملة من التدابير في سياسته الثقافية لاحتواء ما صار يسمى داخل الحقل الثقافي المغربي بـ "أزمة القراءة"، ومنها: دعم دور النشر، ودعم عملية الترويج للكتاب وتشجيع المؤلفين والكتاب والناشرين، وإقامة معارض الكتاب وطنيا ودوليا كمعرض الدارالبيضاء وطنجة، وإطلاق كتابة الدولة المكلفة بالشباب مبادرة "القراءة للجميع"، ومبادرة "زمن الكتاب"، وخلق المزيد من الجوائز التقديرية لتشجيع المؤلفين ماديا ومعنويا، فإن توزيع الكتاب نادرا ما يتخطى1500 نسخة من المبيعات. وهي نسبة لا تتلاءم والمغرب يتوفر على 13 جامعة و65 من المعاهد والكليات وعشرات الآلاف من الطلبة الباحثين والمدرسين، وهو ما جعل الكل يتساءل عن السياسة الثقافية المعتمدة بصفة عامة في المغرب.
وقد عبر القاص المغربي أحمد بوزفور عن هذا الواقع المخجل لسوق القراءة بالمغرب، حين رفض جائزة أدبية منحتها إياه وزارة الثقافة قائلا: "أخجل من تلقي جائزة عن كتاب طبعت منه ألف نسخة ولم توزع منها سوى500 على شعب من ثلاثين مليون نسمة، لأفصح دليل على الوضعية التي يعرفها الكتاب وأننا لم نصل بعد في المغرب إلى تحقيق "المجتمع القارئ".
وكان بن سالم حميش وزير الثقافة توقع أن تحقق الدورة السادسة عشرة لمعرض الدولي للكتاب التي تنظمه وزارته طفرة نوعية في تاريخ الدورات، مشيرا إلى أنه ولأول مرة تعمل الوزارة «في إطار الشراكات اعتمادا على سياسية الدبلوماسية الثقافية».
ويبرز هاجس ضعف نسب المقروئية داخل المجتمع المغربي، وهو ما يبرر قول وزير الثقافة بن سالم حميش بأن هذه التظاهرة الثقافية، التي تنظم تحت شعار "العلم بالقراءة أعز ما يطلب"، ستولي أهمية كبرى لفئة الشباب والأطفال عبر تنظيم أولمبياد للاستظهار، مع تخصيص مجموعة من الأنشطة والفضاءات تتعلق بهذه الفئات العمرية.
وتتفهم الجهات الرسمية بالمغرب ضعف الإنتاج الإبداعي والثقافي المغربي، وهو ما استرعى انتباه وزارة الثقافة على احتضان المغاربة المقيمين بالخارج، وخاصة الذين يؤلفون بلغات المهجر، لربط انتاجاتهم بالساحة الفنية والفكرية المغربية، وهذا المنطق ينسجم وما يصرح به المسؤولون المغاربة بالقول: إن الاحتفاء بمغاربة العالم يعد إقرارا جديدا مفاده أن خريطة مغاربة العالم الجغرافية والسوسيولوجية والمهنية والفكرية شهدت تغييرا جوهريا في العقود الأخيرة.
وفي هذا السياق يأتي تنظيم المعرض الدولي للكتاب في دورته السادسة عشرة على شرف الجالية المغربية المقيمة بالخارج، حيث سيعرف المعرض مشاركة150 مبدع ومبدعة مغاربة ينتمون إلى17 دولة؛ هي: فرنسا وإسبانيا وبلجيكا وإيطاليا والمملكة المتحدة وهولندا وألمانيا والتشيك وكندا والولايات المتحدة وسورية وقطر وتركيا وتونس والجزائر والفلبين واليابان...
وسيتم عرض أكثر من120 عنوانا حول الهجرة التي ستقدم للجمهور المغربي بالإضافة إلى20 ترجمة لكتب الجالية المغربية من الفرنسية إلى العربية ومن العربية إلى الفرنسية تنشر لأول مرة.
ويشارك في هذه الدورة 38 دولة و918 عارضا وُزّعت عليهم الأجنحة طبقا لنظام الحصص المعمول به في هذا المعرض. كما ستزخر خزانة هذه الدورة بأكثر من 120 عنوانا حول الهجرة التي ستقدم للجمهور المغربي بالإضافة إلى 20 ترجمة للكتب الجالية من الفرنسية إلى العربية ومن العربية إلى الفرنسية تنشر لأول مرة.
ويكاد يتفق كل المثقفون المغاربة اليوم على أن الوضع السوسيو الثقافي المغربي مقلق للغاية، يعكس التراجع المهول في معدلات القراءة ورواج سوق الكتاب. فقد أشارت الاحصائيات أن نسبة القرائية لدى المغرب، تعد الأسوأ بين الدول العربية حيث احتل المرتبة ما قبل الأخيرة بنسبة 52 % بعد موريتانيا 51 %، في حين تصل ما فوق 89 % في فلسطين مثلا.
ويعد المغرب من البلدان العربية التي يقل فيها نصيب الفرد من نسخ الصحف اليومية بنسبة 1.1 صحيفة، حيث يبلغ عدد النسخ من الصحف اليومية لكل ألف شخص 15 صحيفة فقط، في وقت لا توزع هذه الصحف إلا نحو 453 ألف نسخة على أكثر من 30 مليون مغربي.
وأشار إلى أن أهم دافع للمواطن العربي لاستخدام الإنترنت هو الترفيه والتواصل (46%) ثم الأخبار (28%) فالمعلومات (26%)، وتحظى المواقع الإلكترونية للصحف من قبل المتصفح العربي بنسبة استخدام كبيرة (28.6%) بالمقارنة بالمواقع الإخبارية العامة (21.4%).
وأوضح التقرير أن مجموع ما أنتجه المغرب في عام 2007 مثلا من الكتب بالعربية والفرنسية هو 865 كتابا بما يعني أن كل 38323 فردا من السكان أنتجوا أو أصابهم عنوان جديد، نحو 52.7% في الآداب والبلاغة بـ440 كتابا، في حين لم تتجاوز نسبة ما كتب في العلوم النظرية والتطبيقية 2.1% أي 17 كتابا "وهو رقم قليل جدا ولا يتلاءم مع مكانة المغرب الثقافية"، مشيرا إلى ضعف تعزيز مكانة اللغة العربية وضعف الترجمة والمشاكل التي يعاني منها المؤلف والناشر والقارئ تتطلب تضافر الجهود لمواجهتها مؤسساتيا وفرديا وحكوميا وقطاعا خاصا.
ويتساءل المهتمون بالشأن الثقافي المغربي كيف يعقل أن يترك الناشر صفقة دسمة للكتاب المدرسي يطبع فيها 400 ألف نسخة من الكتاب الواحد، ويطبع ديوان شعر أو رواية من 1500 أو 2000 نسخة، علاوة على انعدام وجود مجتمع قارئ وصناعة حقيقية للكتاب وتسويقه في بلاد تبلغ نسبة القراءة فيها 1.5 في المائة حسب دراسة نشرتها وزارة الثقافة منذ بضع سنوات. وبوجود حوالي ثمانين ناشراً فقط بالمغرب حسب نشرة تعنى بالنشر بالمغرب، ولا يطبعون من الكتاب المغربي الواحد سوى حوالي2000 نسخة، وأن مجموع العناوين التي تصدر سنويا بالكاد لا تتجاوز المائة.
وتقر الجهات الرسمية المعنية بمراقبة الوضع الثقافي أن الكتاب المغربي عرف تراجعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة على مستوى الإنتاجات الإبداعية، حيث لم تصدر سوى مجموعة قليلة من الأعمال المهمة، وتسجل أيضا تراجعا في عدد من المطبوعات الثقافية وانقراض عدد منها، واختفاء مهرجان قصيدة النثر، وانكماش غريب لأنشطة بيت الشعر. إضافة إلى تراجع الإعلام الثقافي المكتوب، وغياب صحافيين ثقافيين متخصصين، وعدم اهتمام هذه الصحافة بالمشهد الثقافي في شموليته، وعدم توفر العديد من الجرائد على أقسام ثقافية، وعدم تعويض الكاتب وتحكم منطق التطوع، وتبعية الثقافي للسياسي.
ونبه المهتمون إلى الفجوة العميقة بين رواج سوق القراءة في المغرب وفرنسا، التي كانت قد باعت، سنة 2003، 415 مليون نسخة من إصداراتها، وحققت مليارين ونصف مليار يورو من الأرباح الصافية، حيث نسبة الزيادة السنوية في المبيعات 10 في المائة. وتصدر سنوياً ما يتجاوز 44145 عنواناً جديداً بحجم 520 مليون نسخة. أما النسبة الدنيا للسحب، فهي 7303 نسخ، وأشاروا أن استقراء هذه الأرقام عن حقيقة الرواج الثقافي والفكري في مجتمعات حسمت مشاكل الأمية.
ويعزى المثقفون المغاربة تراجع الوضع الثقافي إلى استمرار الأمية التي لا تزال تنتشر في البلاد بنسبة 39 % حسب تصريح كتابة الدولة المكلفة بمحاربة الأمية وبالتربية غير النظامية، وتتجاوز في صفوف النساء نسبة 60%، كما ألقوى باللائمة على التراجع في نوعية الثانوي والتعليم العالي، بحيث يصنف تقرير التنمية الثقافية العربية المغرب من الدول الضعيفة بشأن الالتحاق بالتعليم الثانوي، والذي يقدر بـ68% بالبلدان العربية في مقابل 90% بإسرائيل واليابان، وما فوق 90% في فلسطين وقطر والسعودية، غير أنه في المغرب لا يتجاوز 49%.
كما أن المغرب من بين الدول ذات فرص التعليم العالي الضعيف (المرتبة 13) تبعا لمؤشر معدل الطلاب لكل مائة ألف من السكان ولمؤشر معدل الالتحاق الخام، كما سجل التقرير ضعف معدل التحاق النساء بالتعليم العالي لا تتعدى 10.6% من المجموع الكلي (31.18%).
حظي الوضع الثقافي المغربي بأهمية كبيرة ضمن خلاصات التقرير الثاني للتنمية الثقافية العربية الذي أصدرته "مؤسسة الفكر العربي"، فأشار التقرير إلى أن المغرب احتل المرتبة الأولى عربياً وال 34 عالمياً في مؤشر نسبة صادرات تقنيات المعلومات والاتصالات.
وأظهرت المعطيات المتعلقة بهذا الموضوع تفوق دولة الإمارات العربية على كل نظيراتها من البلدان العربية في استخدام تقنيات المعلومات والاتصالات في المكاتب والمدارس والدوائر الحكومية وأعداد المشتركين، كما احتلت المركز الخامس دوليا، فيما جاء المغرب في المركز 111 عالميا.
أما في مجال الإنفاق الحكومي السنوي على الطالب الجامعي فقد أوضح التقرير أنه لا يتجاوز 800 دولار في كل من المغرب ومصر والأردن وسوريا، ويصل إلى نحو 1.800 دولار في لبنان وتونس، ويبلغ 8.000 دولار في السعودية، في حين يصل في كل من إسرائيل وفرنسا إلى أكثر من 10.000 دولار، وفي الولايات المتحدة الأمريكية يبلغ 22.000 دولار.
وعلى العموم فإن التقرير أكد أن معدل إنفاق العرب السنوي على الطالب الجامعي لا يتجاوز 800 دولار في أحسن النماذج في الوقت الذي تنفق فيه إسرائيل أكثر من 10000 دولار على الطالب الجامعي، بينما تنفق الولايات المتحدة 22000 دولار.
لقد حظي إذن ملف التعليم أهمية خاصة ضمن محاور التقرير وخاصة فيما يخص قضية "التمويل واستقلالية الإدارة في التعليم العالي"، فأشار بأن مشكلة التمويل تترك آثاراً على أداء الجامعات: نمو المؤسّسة بمعدل لا يتناسب مع معدل نمو مخصّصاتها، تقلص عدد الأساتذة الذين يجري تأهيلهم في الجامعات الغربية المرموقة واللجوء إلى إعدادهم محلياً، عجز الجامعات عن تمويل الإجازات التدريسية والبحثية لأعضائها خارج البلاد... والأبرز الذي طرحه التقرير كان حول معدلات الإنفاق على التعليم العالي في البلدان العربية، وإذا ما حقّّق الجودة التعليمية المنشودة.
واعتبر التقرير أنه بقدر ما يكون إنتاج بلد عربي قليل الانتاجات السينمائية فإن اهتمامه سيزداد بالمهرجانات وتمويلها دون اهتمام جدي بتمويل حركة إنتاجية، وفي هذا السياق تتعدد المهرجانات السينيمائية التي ينظمها المغرب بعدد من مدنه.
وأوضح التقرير أن سنة 2008 عرفت إنتاج المغرب 15 فيلماً روائياً طويلاً وعشرات الأفلام القصيرة، كما تميز بتقديم انتاجات مصرية سينمائية جديدة، حيث ظهر ما لا يقل عن 13 مخرجاً سينمائياً مصريا جديداً تولوا إخراج أفلامهم الأولى. وأشار أن المهرجانات الفنية في دبي وأبو ظبي وغيرها تبدو الأكثر قدرة على استقطاب الجديد والجيد من السينمائيين.
إن تأكيد دلالة تراجع المشهد الثقافي المغربي لم تعد اليوم في حاجة إلى أرقام احصائية تبرزها، بل صارت بادية بالعين المجردة للجميع، حين حذفت كبريات الجرائد الوطنية لملاحقها الثقافية، بعد تراجع نسب قراء هذه الملاحق. واقع يؤكد أن الممارسة الثقافية بالمغرب، تجهل خصائصها بشكل دقيق لا على مستوى الميولات والأذواق ولا على مستوى شكل الممارسة ودرجتها ومحدداتها السوسيواقتصادية والسوسيوديموغرافية لهذه الممارسات.
وهو الواقع الذي يجعل عددا من المثقفون ينزون بأنفسهم جانيا خارج سلطة القرار، وتوكيل الأمر لإطلاقية الزمن بأن يتكفل بتدبير الواقع الثقافي الذي لا يسر أحدا حتى الوزير المغربي المثقف والذائع الصيت على المستوى العربي والعالمي، والذي يكاد لا يقرأ له أحد في بلده المغرب.
وعلى العموم فإن تعيين بن سالم حميش الفيلسوف وزيرا للثقافة جعل المثقفين المغاربة يتنفسون الصعداء، ويعلقون عليه أمالا جد عريضة، منها لملمة الوضع الثقافي المغربي ليعيد بريقه الضائع بفعل سياسات ثقافية فاشلة.
عبـد الفتـاح الفاتحـي
Elfathifattah@yahoo.fr
التعليقات (0)