سيظل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل رمزاً لذكاء "الجورنالجى" كما يطلق هو على نفسه رغم كل ما يُقال عنه بالباطل كثيراً وبالحق أحياناً ، ومشكلة الأستاذ هيكل أنه لم يُعارض ولم يتكلم فى أثناء نظام حكم حسنى مبارك على ما يبدو أنهم لم يقرأوا للرجل شيئاً ( ! ) أو أنهم لم يستوعبوا لغته التى يتحدث بها ، ويظهر ذلك فيما قاله الأستاذ هيكل من قبل عن ملابسات الضربة الجوية والتى قال عنها أنها كانت طلعة جوية ، ولم يكن الوحيد الذى قال ذلك بل قالها وزير الحربية ورئيس المخابرات الأسبق أمين هويدى فى كتاب له نُشر فى لبنان وتم منعه من النشر والتداول فى مصر ، أو عما يكشف عنه اليوم فى الحلقات التى ينشرها فى كتابه الجديد "مبارك وزمانه .. من المنصة إلى الميدان " .
فسوف أتحدث بأشياء بسيطة مما علق بذاكرتى عما تحدث به هيكل فى عز مجد حسنى مبارك ، وسر إهتمامى بما يكتبه بدأ ـ مع بداية قراءاتى ـ أى منذ أن قرأت تصريحاته الجريئة التى نشرها الكاتب الصحفى عادل حمودة فى مجلة روزاليوسف فى عز مجدها وذلك بعد محاولة إغتيال الرئيس السابق مبارك فى أثيوبيا ، وقال ما قاله وقتها بكل جرأة وكان لتلك التصريحات تداعيات نالت منه ومن الكاتب عادل حمودة ، وهو أول من تحدث وفتح ملف التوريث منذ سنوات طويلة على قناة دريم التى نقلت محاضرة له من الجامعة الأمريكية ، فأحدث رجة عظيمة وتم إلغاء برنامجه فى تلك القناه وقتها ، ولماذا نذهب بعيداً وهو أول من كتب عدد خمس ـ على ما أتذكر ـ رسائل مفتوحة للرئيس مبارك قبل أن ينتهى العام الأول من حكمه ، لمجلة آخر ساعة بعدما طلب منه رئيس تحريرها الصحفى الكبير مكرم محمد أحمد ، ثم عادت تلك المقالات فى يد د. أسامه إلباز راجياً أن يؤجل نشر تلك الرسائل المفتوحة ، وظلت مجهولة إلى أن تم نشرها بعدها بربع قرن فى جريدة المصرى اليوم ومن الممكن قراءتها لمن شاء ذلك على موقع الجريدة الإلكترونى ، هيكل الذى نصح مبارك قبل سقوطه بعامين بأن يقوم بعمل إصلاحات سياسية و تشكيل مجلس أمناء للدولة والدستور من 12 عضو منهم على سبيل المثال زويل والبرادعي ومنصور حسن وعمرو موسى ويتم ذلك فى ضمانة الجيش المصرى ، وقال أن جمال مبارك تم إقحامه على المصريين وكان ما كان وقتها من تطاول على ما قاله هيكل من "كلاب" مبارك المسعورة فى الصحف الحكومية ومنها قول الصحفى أنور الهوارى رئيس تحرير الأهرام الإقتصادى عن هيكل " مجنون برقاش " ، وأظنهم جميعاً ـ لو كانوا مُنصفين ـ سيقولون الآن " ياليتنا سمعنا كلام هيكل ونفذناه" .
سيظل هيكل شاء من شاء وأبى من أبى رمزاً صحفياً مصرياً وعلامه من علاماته ، إذاً من يقول أن هيكل لا يتحدث إلا فى الوقت الضائع فهذا كلام مردود عليه ، فليس كل ما يُعرف ـ لمن فى وضع هيكل ـ يُقال ، هيكل الذى طالبنا بألا نعقد آمالاً كثيرة على كلام أوباما فى جامعة القاهرة ، فقال البعض عنه أن مُتشاءم ، وبعدها بأسابيع قليلة ظهر صدق توقع هيكل وكتبت وقتها مشاركه بعنوان ( عفواً .. هيكل على صواب ) ونشرتها المصرى اليوم فى حينه .
حقيقة ما زال الأستاذ هيكل يُبهرنا ببعضٍ من خبايا ما يعرفه والتى أكاد أُجزم أنه ما زال يملك منها الكثير ، لأنه قال بعد سقوط مبارك ناصحاً المجلس العسكرى بأن يفتح أمام عقلاء الأمة ما سماه " بالصندوق الأسود لبلاوى مبارك " ، حتى لا يردم ـ أو بمعنى أدق يطرمخ ـ أى رئيس قادم على ذلك الصندوق الأسود .
من يُريد أن ينقد هيكل فلينقد أفكاره أو يُكذِّب معلوماته ، فالرجل يقول ما يعرفه وليس بينه وبين مبارك عداوه شخصيه ، فمبارك لم يُوذى هيكل حتى ينتقم هيكل من مبارك ، فجمال مبارك طلب من إبن هيكل تحديد مقابلة مع والده ، فكانوا جميعاً يعرفون قامة وقيمة الرجل برغم تطوع "كلابهم المسعورة" لنهش الرجل لا لسبب إلا لأنه يُريد مصلحة مصر لا مصلحة شخص .
التعليقات (0)