لا أعرف مدى العلاقة التي تربطهما معاً .. لكنني على الأقل أعرف أنهما يعرفا بعضهما، ربما صديقا دربٍ ما .. ربما هي الصدفة التي جمعتهما لحظة اغتصاب وطن .. وربما هي الرغبة المشتركة فيما بينهما بممارسة طقوس البحث عن عفن التاريخ .. وسجلات الأشخاص الذين تركوهما هناك خلف الحكايات والأحلام المعلقة على جرس المسافات ..
نادراً ما تجد مثلهما في أي مكان .. شئت أم أبيت .. وهما معاً، كأن حكاية النورس الأخيرة قد أغفلت سر السجائر المبعثرة .. وفناجين القهوة تستمر في سرد شجونها لطيور مهاجرة ربما لن تعود إلى موطنها الأصلي في رغبة الجفاف الذي لا يمكنه سوى إنكار المطر .. أو كانهما ضميرٌ مر على كل الضمائر .. لكنه لم يجد في النهاية سوى ضميره "هو" ليوقن أنه في قمة اليقين.
ها هما وبمحض صدفة إلكترونية .. أراهما معاً .. في صورة لا أعرف متى التقطت، بل من هو الثالث بينهما، ذاك الذي اكتشف ولو بالصدفة أيضاً شخصان عشقا "ديستويفسكي" حتى الثمالة، حتى أصبحا شخصيتان ممتزجتان بكل شخوص رواياته المؤلمة ..
لم يجتمع شخصان حقيقيان هكذا منذ زمن، فعادةً ما أرى الحقيقيون فرادى، وحدهم، لكن حقيقيان معاً فهذا استثناء لا بد لي من أن أنحني له، تقديراً لقلبان وسيجارتان يحملان في دخانها مسيرة العاشقين للوطن ..
تحية كبيرة لأستاذنا الذي لا يستسلم مقابل المبدأ تيسير نظمي، ولكم أزعجته الذبابات، وتحية مشتاقة جداً لمبدع اللحظات وسارقها مهيب البرغوثي الذي ما زلت أعتقد أنه ما زال "رهيباً" ـ بالطبع ليس كـ "راسبوتين" ـ، أو كما هو متأملاً في تلك الذبابات التي كان أسقطها صديقه تواً .. عذراً لكما .. لكنني ما وجدت في اندهاشي بهذه الصورة وصفاً آخر غير أنكما "مشاكسان في هذا الزمن العنيد"...
تيسير نظمي: كاتب وقاص فلسطيني أثر في العديد من الفنانين والكتاب والروائيين الفلسطينيين، ومؤسس حركة إبداع.
مهيب البرغوثي: شاعر فلسطيني وعمل لدى العديد من المؤسسات الثقافية في فلسطين.
التعليقات (0)