مواضيع اليوم

المشاعر المُستترة

سلمان عبدالأعلى

2012-01-05 10:00:55

0

المشاعر المُستترة

بقلم: سلمان عبدالأعلى

لا يُنكر أحد منا –إلا مكابراً أو مشكوكاً في عقله- أهمية العلاقات الاجتماعية وضرورتها بالنسبة له، فالكل منا حريص على أن تكون له علاقات وصلات بالآخرين حتى وإن كان يجهل الدافع الحقيقي الذي يقوده نحوها، فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي، وهذا ما يؤكده علماء الاجتماع عندما يقولون: "الإنسان مدني بالطبع" إذ لابد له من العيش في وسط مجتمع إنساني يشاركه في هذه الحياة .

فإذا كان كذلك، فلماذا إذن نجد الكثير من الناس يتنكر للآخرين، ولا يبالي بدورهم ويتعامل معهم بكل غلظة وشدة وكأنهم لا يهمونه ولا يعنون له شيئاً ؟

وأنا هنا لا أعني بهذا التساؤل تعامل الشخص مع من يبغضه، لأن هذا أمر مفروغ من مناقشته، وإنما أقصد تعامل البعض مع من يحبه و يوده، كتعامل الوالدين مع أبنائهم، والأبناء مع والديهم، والزوج مع زوجته، والزوجة مع زوجها، والأخوة مع بعضهم البعض، والأقارب والأصدقاء فيما بينهم، فكل هذه العلاقات والروابط التي ذكرناها هي بصورة عامة في غاية الأهمية بالنسبة لأي فرد منا، ولكننا مع ذلك نجد الكثير لا يتعامل معها كما ينبغي ويجب .

فالمشهد يكون أحياناً مقلوب ومعكوس، فبدلاً من إظهار المشاعر اللطيفة نرى القسوة و الجلافة، وكأن إظهار المشاعر عيب كبير وخطيئة عظمى لا ينبغي أن تصدر من الشخص المتزن، ولهذا نجد الكثير من أبناء مجتمعاتنا يخجل من البوح عن ما يكنه في صدره من مشاعر جميلة تجاه الآخرين، فبدلاً من عبارات المحبة والألفة نرى عبارات الغلظة والشدة، وكأنه يريد التهرب من ما يستتر في أعماق فؤاده من مشاعر وأحاسيس، ليبرأ نفسه من تهمة العاطفة، فالبعض يعتقد بأن من يتعامل بعاطفته هو شخص عاطفي بحت في كل شئون حياته، ولا يمكنه أن يكون حكيماً و عقلائياً في سلوكه وتصرفاته .

وهذا الأمر مردود على صاحبه، فنحن نرى الكثير ممن يملكون فن التعبير عن مشاعرهم أكثر عقلانية من غيرهم، وخير مثال على ذلك الأنبياء والصالحين عليهم السلام، ففي سيرهم تتكامل العاطفة مع العقل لتؤدي دورها الفعال من خلال الشخصية المتكاملة الفذة التي تستطيع أن تؤثر في الآخرين لتدعوهم لما يرشدهم ويهديهم .

أتذكر هنا سؤال سأله أحد الزملاء لأحد أساتذتنا وهو الأستاذ الدكتور محمد صالح صبحي في أحد دروس فن الاتصال في الإدارة وهو عن دور العقل والعاطفة، السؤال هو : ما رأيك في استعمال العاطفة في المجال الإداري ؟

فكان جواب الدكتور : "لا بأس بالعاطفة التي لا تُغيب العقل ولا تُضر به" .

 

للأسف أننا نجد بعضهم يُظهر باستمرار للمحيطين به بأنهم لا أهمية لهم عنده، مع أنهم قد يمثلون له الكثير إذا لم يكن هم أهم أو كل شيء بالنسبة له، وهو يظن أنه يتصرف بحكمة وعقل مع أن تصرفاته سوف تقوده إلى قتل العلاقة الحية بينه وبين من حوله، والخوف أن يستيقظ يوماً ما ولا يجد أحداً ليسمعه أو ليستمع إليه .

لذلك إن إظهار المشاعر الطيبة اللطيفة أمر مهم وفي غاية الأهمية، ومن الأمور التي تقوي العلاقات والصلات الاجتماعية بين الناس، لأنها تضفي لحياتهم معنى أسمى وأجمل، لذا حري بنا أن نتعامل بطبيعتنا ببساطة وعفوية (على السليقة) بدون أي تكلف أو مانع يمنعنا من إظهار ما نشعر به خصوصاً إذا كانت هذه المشاعر إيجابية ومشروعة .

ولابد أن نبادر في سبيل ذلك دون انتظار طلب الآخرين، لأن الكثير من الأشياء تفقد معناها إذا طلبت خصوصاً إذا كانت مشاعر وأحاسيس . ويمكنك تخيل حال زوجتين : الأولى تطلب من زوجها أن يقول لها كلمات غرامية فيستجيب لها الزوج، والأخرى يبدأ الزوج ويبادر بنفسه بهذه الكلمات بدون أي طلب مسبق، فأيهما تعتقد بأن له معنى أكبر وتأثير أكثر ؟ !!

فعلينا إذن أن نبادر للتعبير عن ما يختلج في صدورنا من مشاعر صادقة لمن نحبه، قبل أن يأتي اليوم الذي لا نجده فيه ونندم على ذلك، فكم من المشاعر التي ظهرت لأشخاص كنا نودهم ولكن بعد فوات الأوان، لأننا لم نستطع الإفصاح عنها إلا بعد فقدهم وتوديعنا لهم .

وقد يكون من المناسب أن أطرح سؤالاً هنا : لماذا تحتجب مشاعرنا عن الظهور حتى في المواقف التي من المفترض أن تظهر فيها ؟

إن الجواب على هذا السؤال قد يكون بسبب الثقافة التي تربينا أو اعتدنا عليها منذ نعومة أظافرنا، فنحن في المجتمعات العربية وفي الجزيرة العربية بالخصوص تعودنا على أن نتكبر ونتجبر على مشاعرنا وأحاسيسنا إلى حد الطغيان، لدرجة ترانا مبدعين في إخماد صوت المشاعر، وحتى إذا تمكنت منا وظهرت، فإنها سوف تظهر بصوت مبحوح منهك لا يكاد يُسمع .

يقول أحد الأخوة : بأنه منذ طفولته وهو معتاد على التنكر لمشاعره فإذا أرادت نفسه شيئاً أظهر بأنه لا يريده، وإذا أحب شخصاً أظهر بأنه لا يحبه، وهذا الأمر ملازم له مع غالبية المشاعر الإيجابية التي يشعر بها، حيث يقوم بحجب مشاعره عن الظهور، ويحاول إظهار خلافها، وهذا الأمر ليس موجوداً عند هذا الشخص فقط، و لربما رآه البعض سمة من سمات الرجولة ، ولا أدري أي رجولة يقصدون !!

لذا إنني أدعو وبكل جرأة للتبرج ولرفع الحجاب عن المشاعر المحتجبة لكي نتركها حرة طليقة متبرجة تتجلى بوضوح أمام أعين الناظرين والقاصدين، ليتسنى للجميع مشاهدتها دون أي مانع يمنعهم أو يصدهم عنها .

 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !