لن يكون من الانصاف عدم الاشارة الى ان الخطوة المهمة التي اقدمت عليها المملكة العربية السعودية في منح المرأة الحق في التصويت بالانتخابات البلدية قد تكون تحولا مهما جدا ونصرا معنويا في الحملة الطويلة والمغيبة والمعتم عليها التي تخوضها بصبر وصمود وشجاعة بعض الناشطات السعوديات من اجل الحصول على بعض الحقوق الأساسية ورفع قوانين الوصاية المشددة التي تتحكم في كل جانب من جوانب حياتهن في المملكة التي تعيش تحت السلطة المباشرة لاكثر الرؤى تشددا وتطرفا للحرية والحياة والتاريخ..
وتأتي اهمية هذه الخطوة من خلال كونها تتجاوز ما كان يعد من الثوابت في السياسة الداخلية السعودية وتحجيما علنيا مهينا لسلطة وسطوة رجال الدين وتسلطهم على رقاب وحريات وحقوق الشعب السعودي وجناحه الاضعف المهيض..فعلى الرغم من ان هناك دولة واحدة في العالم تتشارك مع الحكم السعودي في منع النساء من حق التصويت ..الا ان المملكة قد تنفرد بكونها الدولة الوحيدة التب تتعامل مع مبدأ التقاطع مع الحريات الاساسية للشعب كأمر وجودي معلن ..وتنظر لسلب حقوق الاقليات والفئات الاجتماعية الضعيفة كحتم لا يكتمل الدين ولا تتم النعمة من دونه وضمن فلسفة تدخله قسرا في خانة التقرب الى الله زلفى ..وهو ما قد يحيلنا الى ان هذا القرار قد يكون حلقة صغيرة ضمن العلاقة الحذرة والمتعثرة والمترددة ما بين البلاط الملكي ورجال الدين وكذلك داخل الاسرة الحاكمة التي تواجه صراعا خفيا حول ولاية العهد المنتظر شغورها –بعد عمر طويل-وسط ضغوط الانفتاح الكبير والحريات التي تجتاح الشرق الأوسط في اعقاب الربيع العربي وتزايد المطالب الشعبية من المواطنين الذين يعايشون فكرة ان اخواناً لهم في العروبة والاسلام يقتربون من الديمقراطية دون ان تلعنهم الملائكة او تخسف بهم الارض او ان ترميهم السماء بشهب من نار
ورغم قلة المؤمل من القرار على مستوى المساواة او ان يكون للنساء صوت قوي في البلاد التي تعد" القلعة الحصينة للرجعية"بسبب ان المملكة لا تشهد –واقعيا- الا انتخابات دعائية على المستوى البلدي المنخفض –ان لم يكن الفاقد-الصلاحيات ،وان جميع السلطات محصورة تقريبا في يد العائلة المالكة.الا ان القرار بمنح النساء حق التصويت والمنافسة في الانتخابات البلدية هو إشارة غير مسبوقة باتجاه حسم الصراع تجاه تحجيم وتهميش المؤسسة الدينية خصوصا في الامور التي تضفي المزيد من السلبية على السجل المعتم اصلا للمملكة في مجال الحريات وحقوق الانسان..
فان صدور هذا القرار في عز شعور التيار المحافظ المتشدد بنشوة النصر في معركة تغليظ القيود على المرأة السعودية واطمئنانهم الى وقوف الاجهزة الامنية ومراكز القرار الى جانبهم ممثلا بالنفوذ المتعاظم لحلفائهم التقليديين داخل الاسرة الحاكمة..وشعورهم بالفخر لاتساع الافق امامهم للنيل من المناوئين والمنادين بما هو الاقل المفترض من الحقوق..وتجاوزهم الآمن حد التطاول على الاعراض وتنظيم الاعتداءات المبرمجة على الناشطين الحقوقيين في المملكة والخارج وعلى الفضاء الالكتروني الذين ملأوه صراخا وزعيقا واناشيد للجهاد ومناظر قطع الرؤوس تجاه كل من يطالب بان يتساوى مع بقية المنتمين لهذا الكوكب ..وفي ظل الخطوات الاسترضائية للحكم من خلال انفاق مبالغ كبيرة على بناء المساجد وعلى شرطة الامر بالمعروف والنهي عن المنكر الى جانب حظر انتقاد الاعلام لكبار رجال الدين..تأتي مثل هذه القرارات لتؤكد بانهم ليسوا الا وسيلة قد تكون ثانوية جدا في منظومة الصراع الابدي على السلطة والنفوذ..
وقد يكون الاكثر احراجا هو اشارة الملك-وان كان باهمال واضح-الى القرار جاء بعد "التشاور مع الكثير من علمائنا في هيئة كبار العلماء ومن خارجها والذين استحسنوا هذا التوجه وأيدوه"رغم ان السادة العلماء الافاضل يدعون جهارا نهارا الى ان اشراك المرأة في السياسة ربما يكون بمثابة فتح "باب عظيم من أبواب الشر".
كما ان عزو القرار الى"قيمنا الإسلامية التي تصاغ بها الحقوق مطلب هام في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين أو للمترددين."قد يدخل في خانة"المتخاذلين والمترددين"بعض كبار العلماء الذين ينظرون الى ان الامر" أبعد بكثير من مشاركة المرأة في الشورى أو المساواة ونحو ذلك من الدعاوى، الأمر يدور حول السعي لهدم الدين في معقله ومئرزه "
بل قد يكون من المربك ان يصرح البعض الآخر بان مشاركة المرأة" استمرار لمكائد الأعداء ضد هذه الأمة"في حين ان الملك يقول بانه استند في هذا القرارالى ضوابط الشرع وثوابت الدين محذرا" ومن يخرج على تلك الضوابط فهو مكابر وعليه أن يتحمل مسؤولية تلك التصرفات."
فرغم الاقرار باهمية وقوة هذه الكلمات ولكن هناك الكثير من الاسئلة التي يثيرها القرار مثل هل ان "المكابرة"تشمل من كان يفتي حتى وفاته بان عمل المرأة قطعا"محرم بالكتاب والسنة ومصادم للفطرة السليمة ، ومن أقوى الأسباب في تخلخل المجتمع وتداعي بنيانه" او من كانوا يفتون على الهواء ومن خلال الفضائيات السعودية بان الانتخاب نفسه هو"شرك" وذلك" بجعل الشعب شريكا مع الله في الحكم وهو من شرك الربوبية"وان الديمقراطية "من الاثم والعدوان"لانها"تعتمد على المساواة بين صوت المسلم والكافر، والرجل والمرأة، والأمين والخائن، وصوت أهل الحل والعقد وأهل اللهو والمجون، وقد حرم الله مثل هذه المساواة "
ويبقى هنا السؤال الاهم.. هل ان هذا القرار هو مقدمة لمسيرة اصلاحية حقيقية او هو واحدة من الصفعات المتباعدة التي يحلو للحكم تسديدها للمؤسسة الدينية بين وقت وآخر كلما استشعر تنامي قوتهم وتمددهم الى المناطق المحرمة عليهم..
كما ان الاكثر اهمية سيكون.. هل ان السيدة التي ستحظى بشرف الحصول على مقعد في مجلس الشورى السعودي والتي ستعتمد البلاد على علميتها وشخصيتها ورجاحة عقلها في تسيير امور الدولة واقتراح القوانين ..سـتأتي الى المجلس بسيارتها الخاصة ودون محرم ذكر او انها ستكون عرضة للضرب بالعقال كما يدعو بعض اهل الفضيلة والعلم..
التعليقات (0)