مواضيع اليوم

المسيحيون وحل الرحيل

كمال غبريال

2012-09-09 17:00:17

0

المسيحيون وحل الرحيل


كمال غبريال
الحوار المتمدن-العدد: 3845 - 2012 / 9 / 9 - 20:40
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني

 

تتداول وسائل الإعلام منذ فترة بخفة وعشوائية أخباراً متضاربة عن قرار هولندي بفتح أبواب الهجرة أمام الأقباط، وأيضاً عن قرار مماثل للبرلمان الأوروبي، والحقيقة التي نستطيع أن نستخلصها باطمئنان هو أن هذه على الأقل إرهاصات بمواقف قد يضطر العالم الحر لاتخاذها عاجلاً أو آجلاً، ففي مقابل ما نسمعه من صيحات يطلقها بعض أقباط المهجر من دعوات لتقسيم مصر، وأقل ما توصف به السذاجة والنزعة الطائفية، يبدو حل رحيل الأقباط من وطنهم الأزلي هو الرؤية الأقرب للواقعية والإنسانية.
ليس مسيحيو مصر فقط هم من يبدو أن خيار رحيلهم هو الأنسب لهم، وإن لم يكن بالضرورة الأفضل لمستقبل أوطانهم، فمسيحيو الشرق الأوسط عموماً ينبغي رحيلهم من المنطقة، فهذا أولاً سوف ينقذهم من التيارات الدينية السياسية التي بسبيلها للسيطرة على الشرق الأوسط كله، وثانياً قد يكون هذا الرحيل للمسيحيين عاملاً مساعداً لشعوب الشرق المسلمة على أن تحسم أمرها مع هذه التيارات، بعد رحيل المنافس أو العدو التقليدي المسيحي حسب رؤية المتطرفين، فإن ارتضوا العيش في ظل ما تضمره وتصرح به هذه التيارات فلهم هذا وفقاً لحكم الأغلبية، حتى وإن كانت المسافة بين هذا المنطق وبين ما نعرفه من مفهوم "الديموقراطية" أبعد من المسافة بين كوكبنا الأرضي وبين أبعد نجم أو كوكب في مجرة درب التبانة، وإن رفضت الأغلبية المسلمة العيش في ظل نظم وقوانين أربعة عشر قرناً مضت، فذلك شأنها أيضاً، وهي المسؤولة الأولى وربما الأخيرة أيضاً عن إعادة دعاة التخلف إلى حيث كانوا، أو إلى حيث ينبغي أن يكونوا.
هنا تبدو لنا ضرورة قيام مؤسسة خيرية عالمية تتولى عملية ترحيل المسيحيين من الشرق الأوسط، وتسهل لهم الإجراءات والعلميات اللوجستية وما تحتاج عملية الترحيل من تمويل مادي ومساندة قانونية لحفظ حقوقهم المادية والمعنوية والقانونية في أوطانهم، وذلك حتى لا يرحل القادرون فقط كما يحدث الآن، ويتركون غير القادرين والفقراء لمصير لابد أن يكون في هذه الحالة أكثر سواداً.
قد يبدو هذا الكلام بغيضاً أو حتى شاذاً من وجهة نظر وطنية، لكن من يركز على الإنسان، ويدير ظهره لما قد يتعارض مع الإنسانية من مطلقات مثل الوطن وما شابه، لابد وسيجد أن هذا هو الدواء المر المتاح حالياً لإنقاذ ملايين الأبرياء من محرقة ما يسمونه زيفاً وادعاء "نهضة إسلامية"، علاوة على احتمال مساهمته ولو سلبياً في دفع المسلمين لإزاحة هؤلاء الظلاميين إلى حيث ينبغي أن يكونوا.
فنحن نؤمن أن الوطن من أجل الإنسان وليس العكس، فإذا ضاق الوطن بقوم فهناك متسع من سطح كوكبنا الأرضي لابد وأن يحتضنهم، ولا نرى وطنية أو إخلاصاً للوطن في أن نتركهم ليكونوا قرباناً وذبيحة مجانية في وطن سيطر عليه من لا يعترفون بوطن أو وطنية.
هنا ينبغي التنوية إلى اعتقادي الجازم بأن الظلاميين يرحبون ولو في دخيلتهم بهذه الدعوة، لكي يتخلصوا من "الكفر والكفار"، وقد حدث هذا في السودان حين نادى حسن الترابي بانفصال الجنوب، في حين كان جون جارانج الزعيم الجنوبي وحدوياً ينادي بسودان ديموقراطي موحد. . هؤلاء الظلاميين يعلنون بوضوح أنهم لا يعترفون بالأوطان، هم فقط يسرقونها ويسلبوننا إياها ليحققوا بها أسطورة خلافتهم الإسلامية.
يقتضي ما تقدم التجاوز بالتطرق إلى لمحة شخصية عن كاتب هذه السطور، نراها ضرورية للمساعدة على فهم ما تقدم بصورة أكثر دقة، وهي أن كاتب هذه السطور سيظل ما تبقى له من سويعات العمر على أرض وطنه مصر، ليموت ويدفن بأرض أجداده وأجداد أجداده، الذين يمتد نسبهم إلى ما قبل التاريخ، وما قبل قيام الملك مينا "نارمر" بتوحيد مصر، كما سيظل أيضاً يحاول قدر جهده إيقاد شمعة في دياجير الظلمة التي تزحف على وادي النيل، وإذا ارتأى البعض في هذا الموقف "انهزامية"، فإننا نراه من قبيل "شجاعة الاعتراف بالهزيمة".




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !