المسيحية التي أعرفها
كمال غبريال
لا أنتوي في هذه السطور أن أخبر أحداً بما لا يهمه أو بما ليس من شأنه، وأعني بهذا طبيعة وتفصيلات إيماني بالأمور التي لا ترى، والتي تسمى بلغة الفلسفة الماورائيات، كما لن أتطرق لمدى التزامي بما يعرف بالفروض أو الطقوس، فهي أيضاً أمر يخصني وحدي، ولا أحب أن أثقل بالحديث عنها إلى أحد، كما لا أحب أن يسألني عنها ثقيل!!. . ما أحتاج بالفعل للحديث عنه للجميع هو المسيحية بصفتها مرجعية أساسية لحياتي، وعلى أنوارها أستمد رؤيتي لذاتي وللعالم.
أعرف المسيحية محبة، كما أن إلهها أيضاً محبة. . هي محبة ليست فقط للأحباء والأعداء كما يحب أن يردد كثيرون، لكنها بالأساس محبة لكل هذا الكون. . محبة للأفلاك والنجوم والكواكب، لهذا الوجود الضخم والرائع، محبة للكرة الأرضية، بجبالها الشاهقة ومحيطاتها. . بأنهارها وغاباتها وصحاريها. . محبة لهذا التنوع الهائل للكائنات. . تلك المحبة التي تتأنى وتترفق. . محبة لا تحسب ما لنفسها، بل تحسب ما يمد يد العون والحنان لكل ما يحيط بنا من وجود.. . محبة تتأسس على العطاء، الذي لا يشترط في جميع الحالات أن يكون مادياً، فالتعاطف القلبي والحنان يكون أحياناً هو أعظم ما يحتاجه أخي، أو يحتاجه جرو صغير يرتعش في زمهرير شتاء، كما قد يحتاجه فرخ عصفور ضل طريقه عن أمه في يوم عاصف.
لا أعرف مسيحية تأمرني وتنهاني وتتوعدني، ولا أعرف فيها قضباناً يتحتم علي السير عليها كي لا أضل الطريق، أو أغلالاً تربط قدمي، وتحدد الدائرة التي يتوجب علي التحرك داخلها. . فأنا أعرف المسيحية حديقة باتساع الكون، أنطلق فيها فرحاً مندهشاً باستطلاع غنى الوجود وجبروته. . مسيحية تدفعني أن أضيف لكل ما ألمس لمسة حب وفرح. . أطبع قبلة على جبين كل صباح ومساء، وأنا أحاول أن أحتضن كل المخلوقات، تلك التي أدعوها في كل هتاف وصلاة، لكي نلتحق سوياً بعرس الحياة الغنية المدهشة بتنوعها، ليلهو الصل مع الأسد، وأداعب بكفي أطراف النجوم، لتزداد بهاء وبريقاً.
مسيحيتي يا سادة لا تعرف الكراهية ولا الغطرسة ولا الإرغام والقهر والكبت، كما لا تعرف أي أصحاب سيادة أو قداسة، فمسيحيتي تضع الكون كله في أحضاني، فما من حاجة لي بعد إلى أي أحد، مادمت أمتلك الحياة بكل ما فيها.
التعليقات (0)