المسلمون..ما بين المفتي"ساركوزي" وشيوخ فتاوي الجهل والتكفير!
"قالوا لفرعون:من فرعنك؟, فقال:تفرعنت وما أحد ردني".
لماذا كتب علينا أن نكون أمة اتخذت من الجهل عنوانا ومرجعية لها؟, وهل نفتخر بتخليد مشاهيرنا من خلال أقوال لهم تسخر منا أمثال أبو الطيب المتنبي الذي قال فينا"نحن أمة ضحكت من جهلها الأمم"..مقولة أطلقها هذا المتنبي قبل ما يزيد عن عشرة قرون, وكأنه يقرأ في"فنجاننا"..لماذا نقوم بمهاجمة من نسميهم زورا وبهتانا بأنهم أعداء لنا ولمجتمعنا وعاداتنا وتقاليدنا وديننا, في الوقت الذي تعصف بنا حالة من التشرذم والانقسام لم نشهد لها مثيلا منذ قرون خلت؟..ألم يحن الوقت لنصارح على الأقل أنفسنا ونقول بأننا لم نركب سفينة الحضارة والتقدم والتطور, بل فضلنا السير قدما في ركوب الحيوانات وخاصة الحمير منها؟..لماذا نعيب غيرنا وزماننا والعيب يحيط بنا من جميع الجهات, بل انه ينخر عظامنا, هذه العظام التي نخرها الغرب الذي لا نزال نأخذ منه سلبياته ونبتعد عن ايجابياته, فهي محرمة علينا؟.
قبل أيام خلت قام الرئيس الفرنسي ساركوزي بطرح مشروع ما يسمى"رمضان فرنسا" أو بالأحرى رمضان على الطريقة الساركوزية, حيث دعا مسلمي فرنسا الصائمين إلى تناول قهوة الصباح مع كعكة الهلالية الفرنسية المشهورة"كرواصون", مبررا طلبه هذا بأنه يرمي إلى تحسين إندماج الأقلية المسلمة في المجتمع الفرنسي.
وفي خطاب وجهه إلى الجالية المسلمة في فرنسا قال ساركوزي:" إخواني المواطنين، صلاة المسلم الفرنسي لا يمكن أن تشبه صلاة مسلمي الشرق, لذا فإنه لا معنى لمواطن أوروبي أن يقضي ساعة وساعتين بعد العشاء في صلاة التراويح، التي اتفق علماء المسلمين على أنها ليست فريضة, وعليه إخواني فلقد أصدرت قراراً جمهورياً يدعو مساجد فرنسا لإغلاق أبوابها بعد صلاة العشاء مباشرة، حتى ينصرف المواطن إلى بيته ويستمتع بمشاهدة إخبار وبرامج التلفزيون الفرنسي".
وقد قامت الدنيا ولم تقعد في العالمين العربي والإسلامي, حيث قام بعض علماء الأزهر بمطالبة حكام وعلماء الأنظمة العربية والإسلامية بمواجهة تفاهات ساركوزي هذه بالقانون، ومقاضاته لتعديه على حرية الأديان والتطاول على الدين الإسلامي والسخرية منه ومن المسلمين.
لست بصدد الدخول في تفاصيل هذا النداء لأنه يصدر عن إنسان لا يصلح أن يكون رئيسا لبلدية وليس لدولة عظمى, ويعتبر أسوأ رئيس يحكم فرنسا منذ تأسيسها وحتى اليوم, ولكن وكالعادة ساعد علماؤنا"الأجلاء" في نشر تصريحات هذا المهووس في جميع وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية وفي كافة بقاع المعمورة..نعم, فنحن لا نتعلم من دروس الماضي وكتب التاريخ.
في عام 1988 أصدر الكاتب سلمان رشدي البريطاني الجنسي والهندي الأصل كتابه المشهور"آيات شيطانية" وقامت الدنيا ولم تقعد في العالم الإسلامي السني والشيعي, وفي نفس العام أصدر الإمام الخميني فتواه بإهدار دم الكاتب، بعد ما اعُتبرت كتاباته إهانة لشخص الرسول, ورصدت إيران جائزة قدرها مليون دولار لمن يقتل رشدي تنفيذا لفتوى الزعيم الإيراني الراحل آية الله الخميني..هذا الكتاب لم يسمع به أحد حتى أهدر الخميني دم كاتبه.. لكن الكاتب ما يزال حياً, وأصبحت عظام الخميني رفاتاًً, فماذا استفدنا من إهدار دم الكاتب, فالنتيجة هي أن مبيعات هذا الكتاب ازدادت ازديادا منقطع النظير وأصبح رشدي مليونيرا وتزوج وطلق أربع نساء..ويذكر أن الملكة البريطانية اليزابيث الثانية منحت رشدي لقب فارس في شهر حزيران عام 2007، في إطار منحها سنويا أوسمة إلى مجموعة من الشخصيات، تقديرا لانجازاته في المجال الأدبي..وهذه ضربة غربية أخرى لنا كعرب ومسلمين..فحتى متى سنبقى أمة سطحية تلتهم القشرة ولا تعرف ما هو اللب؟.
والى هذا الأرعن الذي يقف على رأس هرم إحدى أكبر خمس دول في العالم, دول تتحكم في رقاب باقي دول الكرة الأرضية بامتلاكها حق النقض"الفيتو" المشئوم أقول, بدلا من أن تقوم بإصدار فتاويك التي لا معنى لها, بل إنها تقلل من احترامك ومركزك الهزيلين أصلا, عليك بالتوجه إلى إصدار أوامرك وتوجيهاتك إلى حاشيتك لمحاربة الفقر والجوع والبطالة والجريمة وظاهرة المخدرات وتسيب الأطفال وعدم إكمال تحصيلهم العلمي والعديد من الظواهر السلبية التي تعصف في تجمعات الأقليات في بلدك"الحضاري الديمقراطي".."مسيو" ساركوزي, أذكرك بأن بلدك يحتوي على أكبر أقلية مسلمة في الغرب, فاحترمها, وأذكرك ايضا بقول من قال:نصحتك فالتمس يا ليث غيري طعاما ان لحمي كان مرا.
نعم, لا يعنيني ولا يهمني ما تفوه به ساركوزي, ولماذا نعتب عليه وعلى أمثاله الذين سبقوه في اهانة المسلمين ودينهم ونبيهم وكتابهم, وعالمنا الإسلامي مليء بالمتخلفين أصحاب الفتاوي ممن يدعون بأنهم علماء الأمة, ففي كل يوم يطلقون فتوى لا معنى لها, من فتوى إرضاع زميل العمل من أجل منع الخلوة"المحرمة" شرعا والتي هي وبصراحة لا تقبل الشك دعوة إلى ممارسة الزنا ولكن ب"طريقة شرعية", إلى آخر فتوى بل صرعة والتي تعتبر التدخين من غير مبطلات الصيام..وإلى علماء الجهل والتكفير أقول, بدلا من أن تشغلوا أنفسكم بإصدار فتاويكم المتخلفة وصكوك الغفران لهذا وتكفير ذاك, عليكم بمطالبة أمة المليار ونصف المليار بمجاراة الغرب في تقدمه والنهوض من حالة السبات التي تعصف بها.
أقولها وبصراحة وبألم, نحن السبب في تجرؤ ساركوزي الهنغاري اليهودي بالتطاول علينا, فمرحلة الذل والهوان التي وصلنا اليها, بل مرحلة ما بعد"البلادة" أعطت الحق له ولغيره بجرحنا وضربنا والسخرية منا في عقر دارنا, فنحن الضعفاء وهم الأقوياء..نحن الأسماك الصغيرة وهم الأسماك الكبيرة في محيط هاجئ..اليوم خرج علينا ساركوزي ب"رمضان فرنسا", وغدا سيخرج علينا"رمضان أمريكا وألمانيا وهولندا" والحبل على الجرار.
علينا أن نعيب أنفسنا قبل أن نعيب غيرنا, وأختتم موجها كلامي إلى أمتي العرب والمسلمين بما قاله الإمام الشافعي رحمه الله:يعيب الناس كُلُهُم الزماناوما لزماننا عيبٌ سوانا..نعيب زماننا والعيب فيناولو نطق الزمان بنا هجانا..وليس الذئب يأكل لحمَ ذئبٍويأكلُ بعضُنا بعضاً عيانا.
هنيئا لشيوخ فتاوي الجهل والتكفير بصاحبهم المفتي القدير ساركوزي.
د. صلاح عودة الله-القدس المحتلة
التعليقات (0)