و أمرهم شورى بينهم ...؟
كل آيات التشريع هي آيات مدنية أي تنزلت في المرحلة المدنية بعدما استطاع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم إنشاء أول دولة إسلامية في زمنه و لا أقول في التاريخ الإسلامي لأن التاريخ الإسلامي يبدأ مع نوح عليه السلام و لذلك يؤكد الله في كل آيات القرآن أنه عز وجل قد : شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ
[الشورى:13] و كل الرسل عليهم السلام قد ذكروا بنفس الشريعة الأزلية التي بينها الله في جميع كتبه المنزلة و لهذا خاطبهم الله قائلا في أكثر من مناسبة :يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ(سورة المؤمنون 51-52)،
فأمة الرسل جميعا عليهم السلام هي أمة واحدة متواصلة منذ خلق الإنسان و لكن أولئك الرسل قد اختلف منهجم في تنزيل شرع الله للواقع الحضاري لأقوامهم و منهم من نجح في بعث دولة إسلامية كذي القرنين و داوود و سليمان و يونس و محمد عليهم السلام و منهم من فشل في ذلك ، فتجاربهم النبوية هي تجارب بشرية مختلفة في تنزيل الوحي الرباني و التي قد يعتورها ( التجربة النبوية ) بعض الأخطاء وارتكاب الهفوات ... و لذا خوطبوا من قبل الله بصفة النبوة إذا ما أخطئوا بوصفهم بشرا من قبيل قول الله عز وجل : يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضاة أزواجك ..سورة التحريم الآية 1/
و لكنهم يخاطبون بصفتهم رسلا في تبليغ الوحي و هم معصومون في تبليغ الوحي قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) (المائدة : 67 ) قال ابن كثير رحمه الله يقول تعالى مخاطباً عبده ورسوله محمداً باسم الرسالة, وآمراً له بإبلاغ جميع ما أرسله الله به, وقد امتثل عليه أفضل الصلاة والسلام ذلك, وقام به أتم القيام. قال البخاري عند تفسير هذه الاَية: حدثنا محمد بن يوسف, حدثنا سفيان عن إسماعيل, عن الشعبي عن مسروق, عن عائشة رضي الله عنها, قالت: من حدثك أن محمداً كتم شيئاً مما أنزل الله عليه فقد كذب, الله يقول (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ), هكذا رواه هاهنا مختصراً وقد أخرجه في مواضع من صحيحه مطولاً.
وكذا رواه مسلم في كتابي الإيمان, والترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننهما من طرق عن عامر الشعبي, عن مسروق بن الأجدع, عنها رضي الله عنها, وفي الصحيحين عنها أيضاً أنها قالت: لو كان محمد كاتماً شيئاً من القرآن لكتم هذه الآية {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ )(الأحزاب 37 ) .
و كما هو ملاحظ فمسؤولية الرسل هي تبليغ الوحي للناس و إبانته و عدم إخفائه أو إخفاء جزء منه كما كان يفعل ورثة رسل بني إسرائيل أو النصارى لذلك خاطبهم الله قائلا :( يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين ( 15 ) يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ( 16 ) )
فمسؤولية الرسول أي رسول هي إبلاغ رسالة الوحي دون زيادة أو نقصان و مسؤولية النبي في قومه هي الاجتهاد في تنزيل الوحي و تخصيص المطلق الأزلي إلى حيني ، يخص فقط من يعايشه من قومه ، و لذلك بين الله للناس أن لا عبرة بتجارب الأمم السابقة إلا الاستفادة و الاتعاظ بما نالهم من رضا الله عنهم أو غضبه منهم : ( فتلك أمة قد خلت لها ما كسبت و لكم ما كسبتم و لا تسألون عما كانوا يعملون )./
و نعود للمسائل التشريعية التي نؤكد أنها موجهة أساسا لمؤمنين بالله ، لا يرون غيره مصدرا للتشريع و التحليل و التحريم ،و بالتالي حين يأمرهم بأمر ما يستجيبون له في الحال و يقولون دون أدنى تردد:( سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير )، و قد رسخ لدى المؤمن أن حياته كلها عبادة إذا ما راقب الله واتقاه واستسلم لأمر الله و اجتنب نواهيه و التي تعني في مجملها العيش طبقا للفطرة التي فطره الله عليها في الأكل و الشرب و اللباس و إشباع مختلف غرائزه و شهواته دون الانحراف إلى تغيير خلق الله ( كإتيان الرجال شهوة من دون النساء أو العلاقة السحاقية أو إتيان البهائم ..كما هو منتشر في شمال إفريقيا ...
إن الأمر بإقامة الصلاة مثلا يؤكد العلماء أنه قد تكرر في القرآن 5 مرات و قد وضح الله في القرآن المجيد كيفية أداء الركعة الواحدة قال تعالى :( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ( 77 ) وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ( 78 ) ) .
و هكذا يكون الله عز وجل قد بين حدود كيفية أداء الصلاة في حدها الأدنى تاركا للفرد أن يختار ما يناسب وضعه المعيشي و الأمني في الاستجابة للأمر بإقامة الصلاة قصد تمتين علاقته بالله و ذكره ذكرا كثيرا و فرصة يومية للإسجابة بقراءة ما تيسر من القرآن و تطهير نفسه مما علق بها من أدران الحياة الدنيا ...؟
أما جماعة المسلمين بالتنسيق مع أولي الأمر فلها أن تختار ما يلاءم أوضاعها المعيشية و الأمنية و العسكرية ...في أداء 5 خمس صلوات في اليوم في الحد الأدنى و لها كذلك أن تتفق على عدد ركعات كل صلاة في السلم و لها أن تقصر من عدد الركعات في حالات الحرب وهي أمور مفصلة في القرآن في الحالات العادية و في حالات الحرب...كما للفرد و الجماعة إذا ما استقرت لهم الأمور أن يزيدوا قليلا أو كثيرا في إقامة الصلوات تقربا إلى الله و تطهيرا لأنفسهم من إغراءات الدنيا ، و كذلك الشأن في كل التشاريع الربانية فهي تقوم أساسا على التراضي و التشاور الذي يتم بين المسلمين و ولي الأمر ، فتعدد الزوجات من عدمه للمؤمنين الحق أن يمنعوه بنص قانوني وضعي و آني أو يحددوا مثنى أو ثلاث أو رباع بحسب ما يرونه يصلح معيشتهم و بحسب الظروف الحضارية التي يعيشونها ..
كذلك التجارة لا تقوم في تحديد الأسعار ...إلا على التراضي و التشاور انطلاقا من الحدود الدنيا و الحدود القصوى التي فصلها الله في كتابه الذي قد تنزل تبيانا لكل شيء و هذا معنى قوله تعالى : =({ والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون } .
معا من أجل فك الارتباط المغلوط بين الإسلام و بين " الإسلاميين " حتى لا تفشل ثورتنا الإنسانية النبيلة...؟
معا من أجل منع أقذر خلق الله من الخوانجية من فرض وصايتهم على الشعب التونسي المسلم و فرض الإستبداد و القهر و منع حرية التعبير تحت دعاوي باطلة لا وجود لها إلا في أذهانهم المريضة ...؟
= (ماذا كان سيفعل أهل الشقاق و النفاق من الخماج لو عاش بيننا موسى عليه السلام و الذي كان قد خاطب ربه مباشرة قائلا : ربي أرني أنظر إليك ...؟
أو إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء الذي خاطب ربه قائلا : أرني كيف تحيي الموتى ..؟
أو أنه توهم في حوار : أن القمر أو الشمس ربه ؟
( قائلا : هذا ربي هذا أكبر.. )؟
إن هؤلاء الخماج يكفرون بكل آيات الله في القرآن و يزعمون أنهم مسلمون ..؟
و يقدمون أنفسهم أوصياء على دين الحق و التوحيد وهم مشركون أنجاس ؟
( يؤلهون البشر و الحجر و قد فرقوا أمة الإسلام بجهلهم ...؟
العمل المثمر لا يكون إلا وليد قناعات و معتقدات صحيحة و هؤلاء معتقداتهم كلها باطلة و فاسدة و لا يرجى منهم خيرا أبدا ..و لن يعملوا إلا على تفريق المجتمع و إشعال الحرب الأهلية واستشراء التظالم الاجتماعي و القهر السياسي و الاستحمار الفكري و الثقافي و التقدم نحو التخلف الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي ...نتيجة تشبثهم بميراث الآباء و الأجداد ...؟
هل رأيت كيف يستطيع السلفيون من أهل السنة و الجماعة تبرير كل ضروب التخلف و الرجعية و الاستعباد و الظلامية و القهر ...بمرجعية سلفية فرقت الأمة الإسلامية حتى صارت شيعا بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا و قلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون و جاهلون ...؟
التعليقات (0)