نحن الآن في مملكة العميان , هذه الجملة التي رمتها زوجة الطبيب الأعمى في رواية العمى لساراماغو , هي الجملة ذاتها التي راودت مخيلتي عندما أخبرني أحد الأصدقاء الذين اعتنقوا المسيحية في المغرب بما طاله من انتهاك لحرية اختياره الديني , حين اقتاده رجال الشرطة قبل أيام ,من أمام باب كنيسة بمراكش نحو مخفر الامن , لا لشيء سوى لأن بطاقته الوطنية تشهد عليه أنه مسلم وتفرض ذلك .
ألسنا حقيقة لا نستطيع النظر ؟
بالمناسبة , فإن الصديق المرتجي الحبيب الذي تعرض لهذه الممارسات العنصرية دات الخلفية الإسلامية من طرف القائمين على الإسلام في الدولة , هو رفيق لنا في إتحاد المعارضين واللاجئين السياسيين المغاربة , التجمع الذي طالما أكدنا عبره ضرورة فصل الدين عن الدولة , وأن القناعات الدينية هي مسألة شخصية , الأمر الذي يفرض ضرورة علمانية الدولة المغربية كشرط أساسي لتحقيق الديموقراطية وللأدبيات الاولى لحقوق الإنسان . إنه ليس من المعقول أن تترك أجهزة الامن المغربية اللصوص والمجرمين في الشارع , بينما تعتقل المغاربة المسيحيين من أمام أبواب الكنائس , أو من يعزفون على القيتار بحجة انهم عبدة للشياطين .
الغريب في الموضوع , أنه بعد وصوله إلى مخفر الشرطة , لم يتم توجيه أي اتهام له . الأدهى ,ولم يتم التحقيق معه مطلقا , ولا حتى الحديث عن أي موضوع آخر . تركوه جانبا في إطار التعذيب النفسي , وكلما سأل عن حاله , لا يتلقى جوابا شافيا , إلا أن تم الإفراج عنه بعد ساعات . هل هذا هو مغرب التسامح الديني في دولة أمير المؤمنين ؟ هذه الإزدواجية مرفوضة أخلاقيا وقانونيا , وهذا اللعب على الحبلين , حبل الخضوع للديكتاتورية الإسلامية من جهة , وحبل الظهور ببذلة الحداثة والديموقراطية من جهة أخرى , يستحيل القفز بينهما كبهلوان مريض .
هكذا ممارسات ذات الوجهين , لا تقتصر على المغاربة الذين قرروا بكل قناعة اعتناق المسيحية والخروج من الإسلام , بل هي تمتد في كل الإتجاهات . من أمثلة ذلك , تجارة النبيذ والخمور التي تباع بشكل رسمي وعلني , وتشكل عصبا أساسيا في اقتصاد البلاد , لكنه في نفس الوقت , يتم إيقاف بعض الذين يشربونه ويقدمونهم للمحكمة كقاربين وكبش فداء من أجل ملاطفة الإسلام السياسي , الحال ذاته , في العلاقات الجنسية خارج الزواج .... وغيرها من الامور .
إننا نطالب من الدولة المغربية موقفا صريحا وواضحا . إما ان تكون ديموقراطية وتحترم حقوق الإنسان الأساسية , وإما أن تعلن أنها تحت سيطرة نظام طالباني مغربي . أعود هنا , إلى إشكالية المسلمين المغاربة الذين اعتنقوا المسيحية , لأنها من الأبواب التي يجب فتحها , وقد حان الوقت لذلك منذ زمن طويل . إن هؤلاء المغاربة من حقهم إعلان مسيحيتهم دونما خوف واضطهاد , من حقهم ممارسة شعائرهم الدينية , وعلى رأسها السماح للإنجيل بالدخول إلى المغرب وتوزيعه بشكل علني في المكتبات , كما يوجد القرآن في المكتبات الأوربية
لا يوجد إسلام بالوراثة عن طريق الإجبار , وإن محاولة مناولة موضوع المسيحيين المغاربة باعتبارهم مسلمين خارجين ومارقين يتحتم عليهم العودة إلى الإسلام , أو باعتبارهم كأشخاص ننتظر توبتهم , ليست مناولة موضوعية , وإنما هي أضغاث أحلام للمتشددين الإسلاميين , فهؤلاء مسيحيون ويجب احترامهم واحترام قناعاتهم الحرة . إن الدين في أول وآخر المطاف هو فكرة , ولا سلاسل تربطنا للفكرة, إذ هي في حالة نضج وتغيير , وتخضع لسيرورة النقد والنقد الذاتي .
ربما , سنستيقظ ذات يوم قريب , أمام نظام مغربي ديموقراطي ومسلمين يفهمون معنى احترام الآخر , ولو كان هذا الآخر لا يشاطرهم إسلامهم . ذلك الوقت , سوف نتخلص من مملكة العمى ,ومن النظرة الضيقة للأشياء , كالنظر مثلا إلى المسيحيين المغاربة على أنهم دائما مسلمون مسيحيون مغاربة .
محمد مقصيدي
moksidi006@hotmail.com
التعليقات (0)