شدّ عصا التّرحال انطلاقا من تونس-وتونس تلملم آثار جراحها- ليجوب بقية بلدان "اتحاد المغرب العربي" (شمال إفريقيا):المغرب الأقصى فموريطانيا فالجزائر بعد أن كان،منذ مدّة،قد بادر بزيارة ليبيا الشقيقة لتونس في الثورة...الهدفُ الأساسي المُعْلَنُ لهذه الجولة الرسمية الرّئاسيّة للسيد المنصف المرزوقي هي بعث الروح،من جديد، في ذلك المشروع الوحدويّ المغاربي الذي بقي حلما من أحلام شعوبه عَصِيٍّ على التجسيم رغم تعدّد المساعي منذ مؤتمر وحدة المغرب العربي و تحرير الجزائر سنة 1958 بطنجة،وصولا إلى قمة مراكش 17 فبراير 1989 والتي تُوّجت بالتوقيع على معاھدة اتحاد المغرب العربي...
تونس الثورة،اليوم،حبلى بالمشاريع الكبرى وقد أضحت تعتقد أنّ تلك المشاريع/الأحلام قابلة للإنجاز منذ أن صدّقتْ شاعرها أبي القاسم الشابي الذي أنشد:"إذا الشعب يوما أراد الحياة//فلا بُدّ أن يستجيب القدر."
غير أنّ مشروع اتحاد المغرب العربي ليس مشروعا تمتلك تونس،لوحدها،"علامته المسجّلة" ولا مفاتيح إطلاق سراحه من السجن الذي ظلّ حبيسا،لزمن طويل،بين قضبان قضاياه الشائكة والمعقدة،ولا يدّعي شعبها أنّه أكثر حماسة وتشيُّعا له من بقية شعوب إقليمه العربي،ثمّ انَّ قناعةً تسكُن التونسيين مفادها أنهم أبرياء من تعطيل مساره الوحدوي...
ما المُبرّرُ،إذن، للمبادرة التونسية في هذا التوقيت بالذات ؟..
درجنا على القول انّ :"العقبة الأساسية أمام الاتحاد تبقى مشكلة الصحراء الغربية المستعمرة الاسبانية السابقة التي ضمها المغرب منذ 1975 فيما تدعم الجزائر جبهة البوليساريو الصحراوية. وتجري الأمم المتحدة مفاوضات لايجاد حل دولي لها."...قد يكون مفهوما التّعلّل بكذا مشكلة شائكة تغذّي توتّرا مزمنا بين الشقيقتين المغرب والجزائر بسبب تشبّث كل طرف بموقفه لاعتبارات تتعلّق بمصالح متضاربة . لعلّ التعلل بهذه العقبة شبيه بتلك الذّريعة التي برّرت ادّعاء استحالة الوحدة المغاربية سنة 1958 والجزائر مستعمرة من فرنسا...
لا أحدَ يُقلّل من العقبة الكأداء التي تشكّلها قضية الصحراء الغربية،غير أنّ عدم القدرة على فضها وفضّ توتّرات تطفو على السطح،من حين إلى آخر،بين بلدان المغرب العربي والعرب عموما، تعود إلى طبيعة الأنظمة السياسية التي يحكمها مزاج الحكّام العرب،ليس غير. الحكام العرب الذين صادروا قرار شعوبهم واحتكروه تصرّفوا في الأوطان كمن يتصرّف أيّ إقطاعي في ضيعة على ملكه الشخصي...
لا يعني أنّ الحاضر قد ألغى،دون رجعة،النزعة التسلطيّة للحكام العرب في الدّول التي ثارت على حكامها وأطاحت بهم أو تلك التي بقيت في مأمن من التغيير بالإكراه الشعبي أي ثورات الرّبيع العربي...النزعة التسلطية لها من المفاتن والإغراءات والتراث ما ليس من السهل التّعفف إزاءها لدى الماسكين بسلطة وطن أو سلطة حارس مؤسسة...
إلاّ أنّه بات واضحا أنّ زلزالا حدث ويحدث في العالم العربي وأنّ الحكّام العرب "الثوار" وغير الثوار أصبحوا أكثر استعدادا لجسّ نبض الشارع ومغازلة تطلّعاته وأحلامه،ويبقى الحلم العربي حلما ضاغطا من أجل قطع أشواط جدّيّة على درب المصير المشترك الذي لا يتقاسم فيه العرب الدّموع،فحسب،إنما المنافع والمصالح...
وبالعودة إلى المسعى التونسي لتحريك المياه الرّاكدة في المغرب العربي يمكن استحضار الأسباب التي ساعدت،إلى حدّ كبير،سنة 1989 على انعقاد تلك القمة المغاربية التي توّجت بمعاهدة اتحاد المغرب العربي الكبير وفتحت آمالا عريضة للتعاون والتكامل بين بلدانه...من تلك الأسباب ما بدا تغييرا ديمقراطيا سلميا عاشته تونس في ذلك الظرف بالذات سرعان ما تأكّد زيفه وتلاه دخول الجزائر مسارا ديمقراطيا أجهضه التسرّع وسوء التقدير من بعض الأطراف المحسوبة على التغيير الراديكالي والانقلابي...
رياح الديمقراطية هي التي تدفع،اليوم، حكّام المغرب العربي على الاستجابة لحلم شعوبهم..الديمقراطية هي التي تفرض على الحكام أن يتحوّلوا إلى أمناء على إرادة شعوبهم يسهرون،دون ملل ولا كلل من أجل الاستجابة لها حتى إن اعترى العلاقة بين القيادات السياسية ما يُفسد بين أشخاصهم الودّ،لأنّ الديمقراطية تؤسّس المؤسسات الدائمة المحكومة بإرادة الشعوب لا بإرادة مزاج الرّؤساء والملوك...
هل استوفينا الشرط الضروري لبعث الروح من جديد في اتحاد المغرب العربي الذي يقوم على ذلك الشعار المداعب للحلم والذي يقول الاتحاد يقوم على حق التمتع بـ "حريات التنقل والإقامة والعمل والاستثمار والاستملاك وحق المشاركة في الانتخابات البلدية". ؟...
هذا ما ستكشف عنه السنوات القادمة،وفي انتظار ذلك يكفي الاستبشار بما تمّ إعلانه من الموافقة المبدئية على عقد قمة مغاربية تستضيفها تونس في أقرب الآجال،وحتى إن انعقدت دون أن ترقى إلى تجسيم "الحلم" فيكفي أن تتدبّر أمر الملفّ الأمني الخطير الذي أصبح جدّيّا يُهدّد الأمن المشترك باعتبار صلابة عود طرفه الفاعل الإرهاب الذي تمكّن من غنيمة السلاح الحربي فضلا عن اعتناقه للجهاد الإسلامي وغيره...وما الجماعة المسلحة التي تمّ اكتشافها مؤخرا في تونس والتي ثبت امتداد شبكتها إلى دول الجوار إلا القليل من كثير يُعلن صراحة عن إقامة "إمارة إسلامية" بحجة القوّة...
التعليقات (0)