المسرد الشعري 3
البحر يسكبُ حروف الجنون
سعيف علي
يبدأ البحر بالانسكاب وفتاة تغازل فتى كان بالقرب مني
مترعا في الضحك. ثم يأتي سائل في ثياب الهوان
ولا يختار من الرواد غير وردة كانت على طاولتي
و غير كتاب ويشرب دون إذني من بقايا فنجان قهوة.
و يقلب رأسه إلى الوراء و يخرج لعنة سوداء كالحبر
ويصير أفعى و يصير كل من في المقهى حروفا أبجدية
و أبدا فصل الجنون
و ارقب نفسي اذ ينسكب البحر من دفق الجنون..
بحر للسؤال
أيها المأخوذ، السائل على باب مقهى، ما تريد؟
أتداري الحياة..أم أن الموت عنوان بريد؛ ...
عندي بطاقات معايدة، و حرف قديم ، يجوس في أسواره؛
شيخ كبيرإّذ يغمض عينيه يرتمي في سر حرف عتيق،
و يبدا فصل الدوار.....
عندي من كتاب السحر ختم أمير يتخفى ،
وعندي أسمال و صوف خرفان وعندي تيجان كثيرة،
و عندي كتاب اصفر بخس الثمن. وعندي من أمي بسمة آو بكاء،
وحكايات جميلة...ومازال عندي ما أواري به موت ساقية وموت كاس تلبس خمرا السكارى.
و حكايات جميلة عن الوجوه التي تحيى أمام مرآة صغيرة،
من سيكتبني إذا ؟
فاسقا و إماما للغواية،..؛
ليطرب في الشًَّتيمة بياض عمامة ، كان يصلي صلاة نافلة،
ويوغل في الدعاء لآتي من غيمة صفراء و نجم وألوان غريبة.
وأخور مثل عجل السَّامري على حيطان دجلة و الفرات ،
و اسب في السكر حصان الفاطمي، و اسب المدينة.
ويقدر شرطي - حين يضربني - أن يوقف في دمي لون الاحمرار.
و لكني من يدي أسعى، وأمد البياض إلى أوراق توت في القمامة.
وأنادي هارون من كتب التفسير الكثيرة ، حين لا يطاوعني الكلام ولا اللسان.
بحر لأمي
يبدؤني إذا شعر، و يبدؤني بحر أمي، حين يستوي ماء المنحدر ثم يصعد
وتقوم أمي مرة أخرى، على باب الكلام، لتصنع من الشمس نهارا جديدا،
وتهطل مع المطر في ضجيج السوق... لان امي لا يكفيها هذا السؤال،
حتى إن مضى شعري أعود بلا قبل إلى قرية تطرد
أشجارها و السنديان و أعواد إكليل و عفص و ثوم...
يبدؤني الشعر ولا ينتهي في العين دمع طفولتي،
ولا دمع أمي، و لا دمع حبيبتي ، ولا دمع يطفح في الوريد....
وابدأ نثر الرواية، و الأسى يغمر تل المدينة .
واكتب في دفتر القسم، حين ينتهي درسي أني لا أحب الامتحان،
ولا أحب النحو، و لا أحب جدول الضرب ،
و لا أحب الأناشيد الغبية ، و لا أن يوسخ الطبشور رأسي والحذاء.
و لا أن يسال معلِّّم أمي أن تأتي ببيض وسلة خبز،
للقط السمين حتى لا تأكل الفئران فيَّ اللّسان
بحر للعِشق
يبدؤني الشعر، وارتمي إلى البحر الذي خبأ موجة سمراء،
و خبا بعض القبل وخبأ حكايات قديمة ؛ حين ملامة في أطرف عمر،
و حين حب،و حين شعر،و حين استسلم لزكام شتاء يمنعني ان اشرب من وردة فوح الربيع.
يبدؤني الشعر، حين أقول في كاس حب ،لماذا تتوسدين مخدتي ؟.
الم نكن في عراك البارحة ...، قصة من ألف حب و حب
وقصة تباع عند العطارين علكة من ارض الحجاز،
كان اسمي عندك يابن الحرام و سبابا آخر لا يستقيم في خطر النهار
يكون القطر مرايا صغيرة للعيون . حين أبحر....لاغني
أبحر،... أبحر و تغرق فيك سفيتي ، ثم ينقلب الشراع إلى شاطئ الرمل،
واكتب مع الريح كلام حب وكلام عشق..
.أبحر ، انوي السباحة و الغرق، وانوي مع البحر....
أن أراك في زرقة الماء دانة سمراء على خدود شمس صافية .
نعم يا ضيفة المدينة المنسية في ردهة المقهى ؛
انا اشتاق إلى محارة قديمة مخبئة ،
واسأل في عيونك عن مفتاح باب. حتى ينهمر الجنون.
و حين احبك وحين تملئين توجسي وحين تتقاسمين مع اليوم السراب.
وحين ترفض الدمعة أن تسكن من ريبة أهدابك ، و أن تنزل إلى الصبح
والقافلة .
أنا احبك و الحب لو تعلمين بطولة، تكتب في الأعطاف رسالة مثل الانقلاب،
و إعلان الحقيقة ، فحاذري في الكلام ، فالقرامطة جاؤوا و اصطحاب الحمار،
و جنود خليفة و جنود الوزير. وكثير من رعاع السوق و السائلين.
حاذري ...ارجوك حاذري .........ثم إن شئت فحاذري ان تسقطي
ففي اسمك تسكن وردة مثل الأقحوان، و يربي اليوم ساعاته
و يطمر الزمن دواته مثل نملة كلَّما مرَّ اسمي في التراتيل النسية،
بحر للنِّهايات
ها أنا إذا امشي إليك ، امضي بأفعال المسميات الكثيرة
امضي يفتح الزهر شريانه، ويغمى على ربيع بلا ثورة ،
و اغتال في فمي صوت البكاء.
ثم اجن في الحب و ينثرني الظلام، حين اصحوا لاغني .......
أيها السائل على باب مقهى...ما تريد؟.
أتداري الحياة..أم أن الموت عنوان بريد.
..........................................
ينتهي المسرد الشعري بلا مشهد أخير
ولا يظهر أسم مدير التصوير و لا أسم المخرج.
لا يصفق الجمهور ، لكن قبَّل في الظلمة الدمع شفاه فتاة،
لم تر غير اسمي و لم تعرف بعد؛
أنها أصبحت حرفا من حروف الأبجدية.
سعيف علي
التعليقات (0)