المسرح وامتداده كفاعلية منحسرة
سمر محفوض( سوريا)
1- 2
بتعبيرية تمس الشجن واحوال الروح سلوكا وعيشا وحراكاً يومياً
في المسرح كما في الحياة ؛ حين تغيب موضوعية المفاهيم الجمالية والفلسفية يخسر الحوار مبراراته ويدخل نطاق اللامنطق واللامعقول . صحيح إن الاتجاهات والأساليب التعبيرية متوفرة وإنما ستبقى هناك مجموعة ملامح تدل وتكشف عن الجوهر. وإذا كانت الحرية بكل مدلولاتها وبما تعنيه من تحرر من أشكال القيد بما في ذلك القيد الثقافي ؛ هي الطريق الذي يقود الإنسان إلى ذاته فإن غياب الإحساس بالحرية الثقافية والذي هو نتاج لعدم ممارسة الحرية الاجتماعية يضاعف الحيرة والانجذاب حيث تتحول المسافة الوهمية بين الواقع والفن إلى حقيقة تغيب فاعلية الفن كوظيفة تنويرية نهضوية ومنه المسرح . حين نلقي نظرة واقعية على مسرحنا العربي نجد ان هذا المسرح في أوائل القرن الماضي قد اختار الطابع الغنائي التاريخي عاكساً بذلك قلق المرحلة واضطرابها الفكري . وكان ذلك الاختيار في جوهرة اختياراً توفيقياً يجمع بين استجابة المسرح لدعوة إحياء التراث التي جاهرت بها الحركات الدينية التنويرية آن ذاك وبعض القوى التقدمية المثقفة وكون المسرح بذلك مغامرة بائسة حاول من خلالها التوفيق بين الأضداد كمحاولة لإلغاء المسافة بين الواقع و الحلم الثوري. ومع غياب القدرة على فهم المعنى الحقيقي لوظيفة المسرح وقع المسرح السلفي في المفهوم السطحي لمعنى النجاح واستكان لمتطلبات السوق متمثلا باختفاء الشخصيات التراثية منه اختفاء مرحليا ومعنوياً فاتحا بذلك ملف العلاقة التاريخية بين المسرح والبلاط . وإذا كان الانتقال إلى طور الدراما التاريخية في المسرح العربي يعني الانتقال إلى واقع أفضل وحالة أكثر نضج وتفهم لرسالة الفن فإنه يعني أيضا الدخول إلى مرحلة جديدة تقتضي بالضرورة فصل الفنون المسرحية إلى ( رقص – غناء- تمثيل- تلحين- شعر-الخ) وتلك مقومات المسرح السلفي وربما لهذا السبب بالذات لم يتمكن المسرح التاريخي من تقديم ذاته كبديل للمسرح الغنائي . كما أن تحديد الممثل التاريخي ضمن الدور التاريخي جعله يميل الى التخصص ومن هنا أتت اشكاليته حيث أن الفشل في المسرح التاريخي لاينبع من السمات الخاصة بالدراما التاريخية بل من الخبرات الخاصة للكاتب الذي قدم النص الذي اتسم بإشكالية فنية وأخرى وظيفية فنية لان اغلب النصوص اعتمدت على السرد وبالتالي اماتته الحركة على المسرح والحد من عنصر التشويق ورتابة الإيقاع أما من الناحية الوظيفية فيعني توظيف الشخصيات والأحداث توظيفا هشاً يربط الماضي بالحاضر على نحو ماجاء في مسرحية ا(الزير سالم )للفريد فرج و(عنترة في المرآة المنكسرة) لعبد الكريم برشيد ؛ تلك المسرحيات التي اعتمدت بتعاطيها مع التراث على الإيحاء والرمز كإشارة للواقع الراهن الأمر الذي لم يتوفر سابقا لأحمد شوقي وإبراهيم رمزي ولنلاحظ هنا ان الناحية الفنية حدّت من امتداد الدراما التاريخية والناحية الوظيفية حدّت من فاعليتها .لا شك ان الخبرة المسرحية التي تكونت للكاتب المسرحي حينها جعلته يدمج بعض الشخصيات التاريخية مع مجموع الشخصيات الموضعية والتي جعلت النص المسرحي قريباً من قلب المشاهد وان يكن بعيدا عن عقله ؛ مما يعني ان المسرح الغنائي حقق امتداداً ما. مهما تكن وجهة نظرنا بهذا الامتداد فهي يجب أن تؤدي إلى فكرة واضحة هي ان الموقف العنيف الذي أخذته الدراما التاريخية من المسرح الغنائي لم يكن على صواب كلي ؛ تلى ذلك إبان الحرب التي ذادت من إثارة جمهور يحتاج الى موقف دراماتيكي فكانت الميلو دراما الاجتماعية تلبية لوضع نفسي يستوعب كل تلك الفواجع والكوارث التي طفت على سطح الذاكرة لتنعكس بالأعماق مجموعة من الرؤى والتخيلات والأطياف التي تدمي آدمية الإنسان مما قلص دور الدراما التاريخية المتعالية عن الواقع . وهكذا تقلص الدور النسبوي الذي يتعدى النخبة من مثقفي الارستقراطية العربية آنذاك و كانت الميلو دراما الاجتماعية بين (1923)و(1927) حيث شكل انتصار التيار الفلسفي شكلاً جديدا
في تحديد معنى المأساة ومصادرها فإذا كانت الدراما التاريخية لا تعرف المأساة الا من خلال كتب التراث والتاريخ فإن الميلو دراما تحمل اعتقاد راسخاً على أن المأساة تحولت إلى فاجعة ولا ترى مبرراً لان ينظر المسرح إلى الفواجع والمآسي التي تملأ التاريخ وينسى فواجع عصره وهذا يفتح بالتالي باباً جديداً للتراجيدية مع ازدياد عدد المتشائمين والمنتجين للتشاؤم والمتتبعين له أيضا )تجدر الإشارة هنا انه من الخطأ يصوّر المتلقي الخلاف القائم بين الدراما التاريخية حينها والميلو دراما الاجتماعية على انه صراع على موقف فلسفي ببساطة لان الثقافة السائدة في الوسط النقدي تلك الفترة لم تكن بأي حال على درجة من النضج إلى الحد الذي يسمح ببروز هذا الموقف وتحمل نتائجه بل أن الخطأ يكمن في تصورنا إن الفراغ قائم أصلا بين التيارين و يسمح بإصدار أحكام نقدية على التاريخ وأدبه كحوار يأخذنا نحو غائية الفن .لان القيمة تكمن في جوهر المادة الفنية وفاعلية العمل كمضمون وتجربة ثقافية ناضجة بغض النظر عن شكلها (تاريخي / كوميدي/ اجتماعي الخ) بل كعمل جيد يستجيب للحماس الموضوعي هنا يمكن الإشارة والاستفادة من رأي الناقد الفرنسي (مسيو جوفروا) على أن الميلو دراما الفرنسية التي تضم إنتاج غليبر وكينيز ليست أكثر من تراجيديا مهزومة ونحن ما نزال نبحث في المصطلحات النقدية لنعثر على مايليق بالميلو دراما العربية ربما من الأفضل التعامل معها كشكل فني قد نصل إليها كمضمون وهي من هذه الناحية لن تزيد عن كونها مسرحية اجتماعية تمتد جذورها إلى المشاهد الفكاهية التي كانت تقدم بين النصوص المسرحية التي قدمها (عبد الله بن النديم) و(يعقوب صنوع) و كانت تلاقي قبولا غريبا من المشاهدين . مشكلة الاتجاه الكوميدي تعتمد في امتدادها على شد المشاهد . صحيح ان الكوميديا فن راقي ومهم لاشك بذلك ولكنها لا تستطيع الحفاظ على ذاتها من الاسفاف الا ضمن نهج عالٍ من الوعي والنضج الاجتماعي اما كيف تمكنت المسرحية الاجتماعية باتجاهاتها الفنية المتنوعة الموغلة بالضحك أن تتعايش مع شقها الأخر الموغل بالحزن لحد الفواجع دون ان يعكس صراعا فلسفيا أو إيديولوجيا يشير الى الارتباك الدرامي الذي يحتويها كجزء من الارتباك الاجتماعي الكلي حيث ان الاتجاهات المسرحية لم تخضع لدراسات /نفسية/اجتماعية/سياسية اوتقوم على فهم موضوعي لرغبات وحاجات الناس ؛ بل اعتمد ت في غالب الأحيان على الحس التجاري ؛ وعلى الكفاءات الفردية ليحل المزاج الفردي والغرض التجاري محل الموقف الفلسفي الذي يربط الفن بالفنان ببقية ادواته الإبداعية ؛ ثم أكدت المسرحية الاجتماعية وجودها أو لنقل رسمته على يد الناقد والكاتب المثقف (فرح أنطون) على اعتبار أن الراويات الخطيرة والهامة في ذلك الوقت هي روايات اجتماعية ولكي يتم حسم الموقف لحساب الرواية - المسرحية الاجتماعية كان لابد من تصفية الموقف مع التيار السلفي التاريخي كما فعل (فرح انطون) كاشفاً العيوب والعلل الكامنة في جسد ذلك التيار كما في مقالته الشهيرة (الرواية وأنفعها لنا) بالطبع يوجد عدد من الأعمال المسرحية الراقية كانت تقدم على مسارح المثقفين مثل (شكسبير وشللر وهيغل ) مما يدفعنا في حقيقة الأمر لتقرير انه لايمكن المفاضلة بين الفنون على أساس الشكل –تاريخي-اجتماعي- لان القيمة المعنوية للفن تكمن في المضمون /الجوهر المادي الذي يحقق ذلك الفن ضمن فاعليته الناضجة سواء كان تاريخيا اجتماعيا - كوميديا - تراجيديا..... لنعد إلى انطون فرح بمصر وجورج ابيض حيث كانا المسرح الغنائي التاريخي والمسرح التاريخي الخالص مايزالان يسيطران ثقافياً واقتصادياً على المشهد وآنذاك تحول المسرح التاريخي الى مسرح للطبقة الارستقراطية وأصبح المعبر الرسمي عن تطلعاتها وميولها إلى العظمة والبطولة والتفرد مما عمق الهوة بين المسرح وجماهيره وأصبحت فاعليته إشكالية للغاية ؛ تبدى ذلك من خلال نوعية الخدمات التي تؤكد سلطة الفرد وسيطرة رأس المال مما استوجب خلق ( مشروع المسرح الاجتماعي ) طارحا سؤالاً هاما ماهي الفائدة التي نحن اشد حاجة لها وما هي أنواع الروايات والنصوص التي تحقق ذلك ..حسب الوسط الاجتماعي. حيث لكل مجتمع معطياته وموروثه الثقافي الذي يتكون من خلاله موقفه الحضاري . ومن هنا لا يمكن التحدث عن الحالة كمفهوم مطلق بل في إطار النسبي . وعلى ذلك كانت المسرحية الاجتماعية تفسر مفهوم الواقعية على انه تعبير الفن عن الصفات الحقيقية لما هو موجود لا كتعبير عن وجودنا المحتمل من خلال الصفات المستقبلية التي يحلم بها مجتمع الفضيلة حسب مفهوم (زولا) ولذا كانت تدين اقصد المسرحية الاجتماعية بالولاء للاتجاهات الإصلاحية .. ولم تدفع بالمسرح العربي إلى درجة الفاعلية الثورية التحريضية ؛ وهي وإن تكن قد استطاعت تلمس طريقها إلى وجدان المشاهد إنما لم تحقق طموحه بجسر الهوة بين الحلم والممارسة فلجأت إلى الميلودراما واستعارت من الأدب الغربي ثالوثه المشهور (الزوج –الزوجة- العشيق/العشيقة)..يجدر الذكر انه بمصر وبعد ثورة 27 يوليو وضعت مواصفات معينة للمسرح الرسمي بحيث تشمل كافة تيارات المسرح ومرة ثانية ظلت فعالية تلك المواصفات محصورة داخل القرارات وداخل جدران المسرح الرسمي الذي تموله حكومة الثورة والتي هادنت مسارح القطاع الخاص الذي استعاد فاعليته وهو انتصار يتمثل في امتداده الواسع دافعا بذلك المسرح النهضوي كفكرة إلى الانفصام والعزلة وخضع الفن المسرحي مجددا إلى سيطرة السماسرة تحت شعار (الجمهور عايز كده) ومن البديهي أن تغيب فاعلية المسرح ضمن مناخ لا يشعر فيه الفنان انه قادر على التعبير حيث كانت الثقافة قبل هزيمة حزيران حسب (محمود أمين) الذي اعتبر أن الرقابة المتشددة على المسرح لم تكن فقط مجرد رقابة نصية بل هي رقابة على الحوار الاجتماعي وإجهاض للصراع الاجتماعي المتنور وهي ثقافة لا تسمح بأن يحقق معها المسرح ولا الأدب بصفة عامة فاعلية أساسية في مسار الثقافة التي اغتيلت بسبب أوصياء الثقافة الذين وجدوا أصلا لمهمة الأمناء ولكن بعد هزيمة حزيران حاول المسرح أن يخطو خطوات ايجابية هائلة ومجدية في مجال البحث عن الشكل المناسب . وكانت القضية الفلسطينية في مسرح مابعد الهزيمة هي الظاهرة الأكثر نضوجاً ووضوحا على مستوى المضمون كما أن نضوج المسرح العربي بعد الهزيمة ونمو الشخصية الإبداعية للكاتب العربي جاء على شكل محاولات ناقشت الهزيمة وأسبابها كما في مسرحية ( الدراويش يبحثون عن الحقيقة ) لمصطفى الحلاج و(المهرج)لمحمد الماغوط و(حفلة سمر من اجل 5حزيران)لسعد الله ونوس..و(قراقوش الكبير)لعبد الكريم برشيد وأيضا تعدى ذاك الى طرح قضايا التضامن مع حركات التحرر العالمية كما في مسرحية رؤوف مسعد ( لومومبا) وصلاح راتب (ابيض واسود) واتخذ من شخصية غيفارا رمز للإنسان الجديد (معين بسيسو) مأساة جيفارا . ولكن اللافت هو أن الهزيمة التي خلقت فاعلية جديدة ومواهب جديدة . بمقدار ما خلقت ثغرات جديدة بالمسرح حيث ظهرت التشاؤمية لحد التشكيك وطرح مناخ فكري يميل إلى العدمية والعبثية مفسحاً المجال لظاهرة المسرح السياسي التجاري . وهو شكل استثمر الهزيمة وظروفها بشكل يهدف الى التنفيس من خلال تقديم لوحات وإيحاءات تسيء إلى كافة التيارات وتقلل من شأن اليسار واليمين مما ادى فيما بعد إلى خلق الفجوة الراهنة ورفع شعار المسرح للمسرحين . وبقدر ماهي فكرة غريبة ومرفوضة كانت ضرورية لخلق الفاعلية لدى المسرحي ذاته الذي لم يتمكن من أن يضع قدراته موضع التجربة كفعل رمزي عالي الابداع يحقق به شرعيته ووجوده ضمن علاقة الجدل القائمة بين المسرح والمسرحي كاشتغال اجتماعي عالي الهاجس من حيث انه مسكون بهم إبداعي ؛عليه دائما ان يحاول نسيان ماتعلمه من أجل أن يقوم بشيء خاص وجديد على صعيد الشخص والفكرة ؛باعتبار أن
المسرح ينتمي لمؤسسة اليتم . هذا يعني أن تكون رافدا مانحاً بشكل مستمر وبعطاء مدهش ... في حقيقة الأمر نحن مشغولون بفكرة الريادة لذا ننتج فناً مكررا ومسرحاً هشاً ..المسرح فن إنساني غالباً ماينتعش في الأزمات . ولكن علينا إدراك ماهية الأزمة وتشخيصها . وبالتالي لماذا لم يدخل المسرح بنيتها لينضج . وكذا لم يتماه مع النسيج الاجتماعي والثقافي لمجتمعاتنا . إن عقدة الريادة جزء من المشكلة وليست كلها بالطبع ليس من الضروري ان نكون رواداً أصلاً ( عمر المسرح الروسي حديث نسبياً ورغم ذلك فإن الروس يضاهون الانكليز على قدم تجربتهم ؛ لان البحث لايهتم كثيراً بالاتكاء على الإرث كي يمارس التطوير الذي هو سمة العمل المسرحي (يجب ان يكون لدينا فكرة لنجربها اولاً ..هنا قضية مسرح محلي او عربي لاتفيد ؛ المسرح ملك بشري وإنساني من اليونان الأجداد الأقدمين للمسرح حتى عروض المدارس ؛ إنه نتاج تلاقح وحوار حضارات (مثال النص البابلي –حوارية السيد والعبد المكتوب باللغة المسمارية قد تم تصنيفه كواحد من أعظم وأقدم المسرحيات في التاريخ .. وهذا النص أخرجهُ العراقي عوني كرومي ) وقد أحرز قبولاً مدهشاً خلال عرضه في المانيا . هنا نتساءل ماالذي يربط بين مبدع عراقي ونص تاريخي ومتلقي ألماني سوى هوية المسرح كفن إنساني . لنعود لفكرة التجريب المسرحي بمعناه الحد اثوي فإن أي عمل إبداعي جديد هو عمل تجريبي بالضرورة من حيث انه لايخضع للقوالب ولا للمكرر بل مهجوس بالبحث عن أدوات مبتكرة من هنا افهم التجريب كمصطلح اعتماداً على كلمة(اكسبيرمونتال) اللاتينية والتي تعني حرفياً المسرح المختبري اومسرح البحث عن أدوات وأشكال جديدة ..بالطبع هذا لا يعني بحال من الأحوال العمل دون خبرات ؛ أي يجب إجادة التقليدي وإتقان أدواتنا ثم بعدها التجريب بمعنى إضافة الخيال ؛ لأن البحث مرتبط بالتراكمات المعرفية . مانراه اليوم على خشاباتنا مع اهتمام المخرجين سينوغرافياً وبصرياً هي عروض منسية تموت بنهاية العرض ...بينما النص يحفظ للمسرح ذاكرته وقدرته على الخلق ..وهنا تتبدى مشكلتنا في التجريب ؛ نحن نأتي على تناول الخبرات بشكل متأخر ..اليوم يوجد في العالم عودة للحكاية ولسلطة الجسد والنص وسطوة الكاتب أي متعة الخبربالتوازي مع ضمور الاحتفاء بالثرثرة البصرية لان المسرح في النهاية تجسيد لحكاية ليس بصيغتها الكلامية بالضرورة قد تكون أيضاً
حكاية إيمائية او أي شكل أخر وإنما يبقى المسرح هو الرابط المؤكد كثالوث (ممثل - كاتب -متلقي) وليس على الممثل ان يكون في خدمة العناصر والأدوات الإخراجية المسرحية ؛ كأن يلحق بالإضاءة بدلا من العكس ولا ان يغدو رهين الديكور . وكذا الكاتب ليس عليه الاختناق بسبب تقنيات الخشبة الإخراجية . النص المسرحي في صيغته العرضية عليه ان يكون كتابة ثانية والتلقي كتابة أخرى ( هو شكل من تجربة التشكيل في فضاء المشاهد أي هناك جزء يجب ان ينجز في مخيلتنا نحن كمتلقين جادين) دون تعقيدات بالاعتماد على ذاكرة مترفة من تفاصيل تحتفي بالحكاية وتشاكسها أيضا ؛ ربما يلزم لذلك ان يكون لدينا دورات لتعلم التلقي على غرار معاهد تخريج ممثلين ومسرحيين لان تشكيل وتكوين ذائقة جمالية بأهمية وجود اختصاصيين مسرحيين لان لا أهمية لإبداع مقطوع الصلة بمجتمع لايفهمه ومن هنا أهمية التصالح مع الوسط مع الناس الذين ستقدم لهم العمل لخلق خلفية ذهنية تجعل المتلقي قادر على قراءة العرض وتفكيك شيفراته ؛ أي أبجديات المسرح لان الحالة مرتبطة ببعضها ؛ إن التطور شمولي واهم جزء فيه الإنسان كممثل ومتلقي أي بشكل ما الجسد لان المسرح قد يتخلى عن الكثير مما لايحتاجه لتحقيق الفعل المسرحي عدا الجسد لأنه المادة المطبق عليها الفعل لذا يكون الجسد من خلال حركته وطبقات صوته خلق فن للتواصل يتجاوز حدود الثقافات . الجسد تاريخ المسرح والحركة والصوت تاريخ الجسد . اذاً نحن أمام أدوات ثابتة لكن بتوظيف مغاير ؛ أي انفتاح على الذات وبالتالي على العالم ؛ الانفتاح لا يكون بين الكائن والأدوات إنما بين إرادتين الممثل كعرض والمتلقي كنهاية محتملة ومفتوحة على قراءات متعددة ومبتكرة .لأعماق الذات الإنسانية وسط عوالم من الغموض والوحشية وصور الفزع ونثارات الحكمة العلية ؛إنها خيوط حكاية متقطعة يتداخل فيها ويتراتب الصخب والهدوء ؛الهذيان والحكمة ؛ السكينة والرفض ؛الموسيقى المجنونة حيناً والغارقة بالصدى أحيانا أخرى لنكتشف ان الجحيم ليس ذلك الذي تخبرنا به الكتب السماوية ولا حتى الثواب والعقاب وليس هو الآخرين على رأي( سارتر) بل هو ذلك الموجود داخل أرواحنا التي تتوالد منها أعظم الهذيانات والحكمة والغضب والصحو واللغة الشفيفة المكتوية بنار معانيها كنقطة عبور نحو الاستغراق الصوفي الزاخر بتداعيات الدلالة والتراسل السحري المتمرد على سلطة العقل وخداع الحواس ؛ لغة الروح وكيمياء الفعل كما عند رامبو حيث يقدم رؤى سحرية مذهلة وفتنة خارقة في فصل من فصول جحيمه (المرأة التي قال لها بعلها السماوي حين حدثته عن الحب قال : الحب يجب أن يبتكر ..كي يتحرر الجسد في مجتمع عمه التفسخ والفساد من المؤسسات إلى العائلة ليبقى المسرح حائط استناد لوعينا لارمزاً لثقافة الخوف على اعتبار أن الحيطان لها آذان بل شكل من كائن يتم التحاور معه وتحديه أيضا في قتامه المشهد ( وللحديث بقية طبعا) بعيداً عن التمويل والموهبة التي لها متطالبات حياتية و المواطن المؤعلم أي التابع لاعلام محدد كل ذلك في محور التجربة التي تطرح جملة أسئلة إضافية. المعرفة من يصنعها ويصيغ علاقتها مع الحرية التي تتغنى بها أدبياتنا وهل سيكون مسرحنا حرا وكلمتنا حرة حقا ونحن لانؤمن ببعضنا ولا ننتبه حتى للخسارات التي تجتاحنا ؟ الفكرة تهرب والهواء يهرب ولا يعود والظلمة هي هي اليوم لا حوار ولا قانون . وغدا ربما لانجد أرضا نقف عليها إن كان الصراخ يعري المشكلة او يحملها لسبب او جهة او لسلطة ما باعتبار إننا شاهد عيان على الكارثة لايدنينا
من مركز المسؤولية لان فقدان الفاعلية ليس مسؤولية احد وليس نتيجة لعامل من العوامل لكنه انعكاس لكل العوامل مجتمعة ؛ إنما لكي نتحمل الجزء المفترض من مسؤوليتنا : الا ينبغي أن نكون موجودين وأن تكون لنا فاعلية ...حسنا هل نحن موجودون حقاً ؟؟؟
سمر محفوض /جامعة البعث سوريا
التعليقات (0)