المسرح والدعوة إلى التجديد (3) :
المسرح ودوره الحقيقي :
أصبح المسرح المغربي اليوم مجرد فوضى وضياع وتخلف، وصار جنوده الذين كانوا فيما مضى من أشد الجنود باندفاعهم الجميل نحو الإبداع المبني على الرقي والفكر والتطور اليوم مجرد كومبارس يتراجعون عند أول امتحان في مجال المسرح، بل إن المسرح المغربي اليوم لم يعد ينتج إلا الخزعبلات الإبداعية من مسرحيات لا نعرف في أي باب تدخل وأي موضوع تطرقه، اللهم بعض المسرحيات الضعيفة فنيا وإخراجا تذهب مذهب التسطيح يمكن إدخالها في مجال السخرية والضحك على ذقون المتلقين والجماهير .
لقد ساهمت الظروف السياسية خلال العقود الأخيرة في القضاء على وظيفة المسرح التثقيفية وعلى دوره الرائد في توعية الشعوب والمجتمعات بحقوقها وواجباتها، وأصبح مجرد مكان لعرض التفاهات والكلام البذيء والساقط، ومجالا لتمرير قضايا دخيلة على المجتمع المغربي بكل حيويته وتراثه وثقافاته المتنوعة. ولذلك فإننا ترى بكل بساطة على أن المسرح اليوم، في ظل هذه الأجواء وفي ظل التراجع الواضح في الإبداع المسرحي بكل تجلياته، قد صار لا دور له ولا قيمة، إلا بالعمل على تجديده وإرجاع الهيبة له .
إن ضعف المسرح المغربي واضح وصريح، وحقيقة ضياعه بادية للعيان، ولذلك لا يمكن حجب الشمس بالغربال، وقول أن مسرحنا الحالي يقوم بدوره. فأغلب المسرحيات المنتجة مؤخرا إما تطرق مواضيع تافهة لا تفيد في شيء، وإما تناقش قضايا برؤية أحادية تخدم طرفا وتحارب أطرافا أخرى لخدمة أجندة سياسية حزبية أو شبه حزبية، تضع المتلقي المغربي في موضع لا يحسد عليه، خاصة وأنه لا يقدر على تحديد المغزى من كل عمل مسرحي وبذلك يكون عرضة للتأثر السلبي بكل ما يتلقاه ويعرض أمامه على خشبة المسرح .
لن تتحقق النوعية في المسرح اليوم، ولن يتجسد الحلم بتجديد المسرح المغربي، ولن يتوقف النزيف الذي يعرفه، ولن تتوقف الإرادات الشريرة التي تعمل على تهميش مسرح الحياة، إلا بالتعاون وتكافل الجميع من الغيورين على المسرح للنهوض به وجعله في المقدمة وإرجاع صفة الأبوة إليه ضمن مقولة المسرح أب الفنون. فالأبوة تقتضي المسؤولية ورعاية الذين تحت مسؤولية الأب، ولذلك فعلى المسرحيين الحقيقيين أن يرفعوا شعار التحدي ضد الرداءة المسرحية والخروج عن النص وعن التعقل وعن الإبداع.... نحو مستقبل مسرحي زاخر ...
عزيز العرباوي
كاتب وباحث
التعليقات (0)