المسح على الجورب في الوقت المعاصر
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على أشرف الأنبياء وسيد الخلق أجمعين وعلى آله وصحبه الغر الميامين أما بعد :
فقد طلب مني بعض طلبة العلم إعادة نشر الرسالة التي كتبتها قبل سنوات في مسألة المسح على الجورب مع مزيد إيضاح لأن بعض الناس لا يفهم بعض الكلمات الفقهية الدراجة في الرسالة وذلك بسبب عدم إرتباطهم بالكتب الفقهية الأصلية ،واقتصارهم على كتب بعض المعاصرين فعزمت على إعادة نشر الرسالة مع الإيضاح الذي يحتاج إليه كل من أراد الاستفادة وذلك براءة للذمة عند الله تعالى أسأل الله ذلك .
فقد انتشر بين الناس جواز المسح على الجوارب الخفيفة المصنوعة من الخرق وكذا الشفافة ونسب بعضهم جواز ذلك إلى مذهب الحنابلة ـ رحمه الله تعالى ـ بل بالغ بعضهم حتى نسب هذا القول إلى الصحابة والتابعين .!فأحببت أن أبين هذه المسألة عسى أن يستفيد منه من أراد الفائدة والله أعلى وأعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.
تعريف الجورب
جاء في تاج العروس ما نصه: والجورب كجعفر : لفافة الرجل معرب وهو بالفارسية كورب وأصله كوربا معناه : قبر الرجل قاله ابن إياز عن كتاب المطارحة كما نقله شيخنا عن شفاء الغليل للخفاجي ومثله لابن سيده .
وقال أبو بكر بن العربي : الجورب : غشاءان للقدم من صوف يتخذ للدف.انتهى
وكذا في المصباح جواربة زادوا الهاء لمكان العجمة ونظيره من العربية : القشاعمة وقد قالوا جوارب كما قالوا في جميع الكيلج كيالج ونظيره من العربية الكواكب . انتهى.
وقال الزركشي :هو غشاء مصنوع من صوف يتخذ للدفء قاله في شرحه على مختصر الخرقي.وقد سبق أن ابن العربي قد فسره بذلك.
شرح التعريف:
غشاء : الغشاء بمعنى الغطاء لأنه يغطي المكان الذي تحته .
صوف : الصوف هو الفرو الذي يغطي جسم الأغنام ونحوها. قال الزبيدي في تاج العروس شرح القاموس: الصوف بالضم : معروف قال ابن سيده : الصوف للغنم كالشعر للمعز، والوبر للإبل والجمع أصواف. وقال أيضاً: قال الجوهري : الصوف للشاة وبها أخص. انتهى
وعرفه الإمام ابن النجار الحنبلي في معونة أولى النهى بتعريف محتمل فقال :ولعله اسم لكل ما يلبس في الرجل على هيئة الخف من غير الجلد .1/ 294 فيدخل في ذلك ما صنع من الكتان والصوف والخرق.أ ـ هـ على تفصيل يأتي في الشروط.
حكم المسح على الجورب :
الجورب على نوعين :النوع الأول :الجورب المصنوع من الخرق وهو المسمى الشرابات في زماننا فهذا لايجوز المسح عليه عند جمهور العلماء إلا وجه عند الحنابلة بشروط ذكروها عندهم سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى .
النوع الثاني :الجورب المصنوع من غير الخرق فهذا يجوز المسح عليه على تفصيل وشروط يأتي ذكرها إن شاء الله تعالى،كالجورب المصنوع من الصوف واللبود ،ونحو ذلك.قال الشيخ عبدالله بن جبرين في شرحه لمنار السبيل ص261:وقد كانت جوارب الصحابة رضي الله عنهم في الأصل مصنوعة من الصوف يعني صوف الضأن وهو عادة يكون غليظاً .انتهى كلامه.
ويدل على ذلك ماورد في مصنف الإمام عبدالرزاق
774 - عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن خالد بن سعد قال : كان أبو مسعود الانصاري يمسح على جوربين له من شعر ونعليه.انتهى وأخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع عن الثوري مختصرا 1 : 126 فقال: حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن خالد بن سعيد عن عقبة بن عمرو أنه مسح على جوربين من شعر. انتهى و رواه البيهقي عن شعبة عن منصور 1 : 295.
أدلة المسح على الجورب
يدل عليه الحديث الذي رواه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم ((مسح على جوربيه ونعليه )). رواه أحمد وأبو داود والنسائي و الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.
لكن هذا الحديث ضعفه جمع كبير من الأئمة الحفاظ. قال الإمام برهان الدين ابن مفلح الحنبلي في المبدع 1/127:رواته ثقات وتكلم فيه جماعة حتى قال ابن معين:الناس كلهم يروونه على الخفين غير أبي قيس ،وقال أبوداود :كان ابن مهدي لايحدث به ،لأن المعروف عن المغيرة الخفين . انتهى
وقال الإمام أبو داود في السنن : تحت باب المسح على الجوربين:كان عبد الرحمن بن مهدى لا يحدث بهذا الحديث لأن المعروف عن المغيرة أن النبى -صلى الله عليه وسلم- مسح على الخفين. قال أبو داود وروى هذا أيضا عن أبى موسى الأشعرى عن النبى -صلى الله عليه وسلم- أنه مسح على الجوربين. وليس بالمتصل ولا بالقوى. انتهى
وقال الإمام النووي في (المجموع شرح المهذب 1/ 566 ). (( والجواب عن حديث المغيرة من أوجه:أحدها : أنه ضعيف, ضعفه الحفاظ, وقد ضعفه البيهقي ونقل تضعيفه عن سفيان الثوري, وعبد الرحمن بن مهدي, وأحمد بن حنبل, وعلي بن المدين، ويحيى بن معين, ومسلم بن الحجاج, وهؤلاء هم أعلام أئمة الحديث, وإن كان الترمذي قال:حديث حسن , فهؤلاء مقدمون عليه, بل كل واحد من هؤلاء لو انفرد قدم على الترمذي باتفاق أهل المعرفة.
الثاني: أنه لو صح ،لحمل على الذي يمكن متابعة المشي عليه , جمعاً بين الأدلة, وليس في اللفظ عموم يتعلق به.
الثالث: حكاه البيهقي - رحمه الله - عن الأستاذ أبي الوليد النيسابوري أنه حمله على أنه مسح على جوربين منعلين, لا أنه جورب منفرد ونعل منفردة, فكأنه قال : مسح على جوربيه المنعلين. وروى البيهقي عن أنس بن مالك رضي الله عنه ما يدل على ذلك)) . انتهى كلام النووي رحمه الله.
لكن على فرض صحة الحديث فإن المقصود به الجوارب المصنوعة من غير الخرق ،ولا ينكر ذلك عاقل فإن ملبوس القدم كان يصنع من الجلود وهو الخف، وهو ما يسمى في زماننا البسطار أو الجزمة أو الكندرة ونحوها من أسماء. ومنها ما يصنع من الصوف ونحوه وهو الجورب .وقد سبق النقل عن الشيخ ابن جبرين بما يؤيد ذلك.
الدليل الثاني :هو فعل الصحابة رضي الله عنهم حيث ثبت عن جمع كثير منهم أنهم مسحوا على الجوربين .إلا جورب الخرق فلم يثبت عنهم ذلك وسيأتي بيان ذلك مفصلاً إن شاء الله تعالى .
أنواع الجوارب :
عندما يذكر العلماء مسألة المسح على الجورب فإن لهم مصطلحات معلومة المعنى فسوف أتكلم عنها بداية لتفهم المسألة كما هي عند العلماء .وقد سبق أن بينت معنى الجورب .وأما أنواعه
فالجوارب على أنواع:
النوع الأول : المصنوع من الصوف . وقد بينت معنى الصوف في شرح التعريف. حيث نقل الإمام الزبيدي في تاج العروس شرح القاموس: أن الصوف بالضم : للغنم كالشعر للمعز، والوبر للإبل والجمع أصواف. وقال أيضاً: قال الجوهري : الصوف للشاة وبها أخص. انتهى فهو
فالصوف هو صوف الغنم المعروف .
إذن فكانت الجوارب تصنع من صوف الغنم و الصوف هو ما يغطي الجلد أي الأديم فمنه تصنع الجوارب عندهم .وأشبه شيء به الوبر الذي يشاهده الناس فيغزل ويصنع منه بيوت الشعر التي يعرفها البدو وكثير من الحضر .
وجورب يسمى اللبّود :وهو أيضاً من الصوف.لأن اللبود جمع لبد : وهو صوف يندف ثم يبل بالماء ويوطأ بالرجل حتى يتلبد بعضه على بعض ويشتد. كما ذكر ذلك في كتاب النظم المستعذب 1/31)
وجورب يصنع من الخرق .ومعنى الخرق معروف لا يخفى ،فمنها خرق صفيقة ثقيلة تشابه الخف في الكثافة وإمكان المشي عليها مسافات طويلة دون نعل ولا خف .أشبه شيء بها الخرق التي تصنع منها الأشرعة الكثيفة ونحوها . فهذه الخرق هي التي يذكرها الحنابلة رحمهم الله .
وهناك خرق خفيفة كالتي يصنع منها الشرابات ،والقميص ،والسراويل ونحوها فهذه لا تجوز عند العلماء ولا تشبه الخف ولا تقاس عليه وسوف يأتي مزيد من البيان إن شاء الله تعالى .
ثم إن جورب الصوف قد يكون منعلاً وقد يكون مجلداً وقد يكون من الصوف ولكن ليس بمنعل ولا بمجلد .
فالمنعل :أن يجعل في أسفل الصوف قطعة من جلد . يعني يصنع جورب من صوف الغنم أو حتى وبر المعز بمغزل أو غيره من الأداوت ثم يرقع في أسفله برقعة مصنوعة من الجلد .
والمجلد :يجعل قطعة من الجلد من أسفله وقطعة جلد تغطيه من أعلاه.يعني يصنع من الصوف ثم ترقع أي تلصق به رقعة مصنوعة من الجلد في أسفله وجلدة ترقع من أعلاه .
إذا تصورنا الآن معنى ذلك فما هو حكم المسح عليه ؟.
إن كانت الجوارب مصنوعة من الخرق الخفيفة وهي ما نسميه الشرابات في عصرنا فلا يجوز المسح عليها بإجماع العلماء المتقدمين رحمهم الله تعالى .
واما إن كانت مصنوعة من الخرق الثقيلة التي يمكن السير عليها بمفردها مسافات طويلة عرفاً فأيضاً لا يجوز المسح عليها عند جمهور العلماء ، ولم يرخص في المسح عليها أحد من الفقهاء المتقدمين إلا في وجه عند الحنابلة بشروط عندهم اما الإمام أحمد فمنع المسح عليها موافقة للجمهور .
واما إن كانت مصنوعة من الصوف أو من اللبود ونحوها فأقوال أهل السنة فيها أربعة أقوال:
القول الأول :عدم جواز المسح عليها مطلقا واحتج من منعه مطلقا: بأنه لا يسمي خفاً فلم يجز المسح عليه لأنه كالنعل ولا يجوز المسح على النعل بالإجماع فكذلك الجورب سواء كان من الصوف أو الكتان أو غيرهما.لأن الأصل هو غسل القدمين كما جاء في النصوص الشرعية ولكن رخص الشرع في المسح على الخفين والخف يصنع من الجلود غالباً ،ولم يصح الحديث في المسح على الجوارب عند أصحاب هذا القول فلا يجوز المسح إلا على الخفين .وهو أحد القولين للإمام مالك .قال ابن عبدالبر في التمهيد :ولمالك قول آخر أنه لا يجوز المسح على الجوربين وإن كانا مجلدين. انتهى
القول الثاني :عدم جواز المسح على الجورب إلا إذا كان مجلداً والمجلد :هو أن يجعل قطعة من الجلد من أسفل الجورب وقطعة جلد تغطيه من أعلاه . وهو قول الإمام أبي حنيفة ومذهب الإمام مالك بن أنس وعليه مذهب علماء المالكية و الإمام المزني من الشافعية ووجه عند الشافعية ،قال الإمام النووي في المجموع :ونقل صاحبا الحاوي والبحر وغيرهما وجها أنه لا يجوز المسح وان كان صفيقا يمكن متابعة المشى عليه حتى يكون مجلد القدمين.انتهى
القول الثالث: أنه لايجوز المسح على الجوربين المصنوعين من الصوف إلا إذا كانا منعلين ،أي له قطعة من الجلد من أسفله تكون كالنعل له ولا يشترط أن تكون له جلدة من أعلاه بل يكفي من أسفله فقط وهو نص الإمام الشافعي رضى الله عنه في كتابه الأم فيجوز المسح على الجورب بشرط أن يكون صفيقا منعلاً وهكذا قطع به جماعة منهم الإمام أبو حامد الغزالي والمحاملى وابن الصباغ والمتولي كما ذكر النووي في المجموع شرح المهذب ،وهو معتمد مذهب الشافعية كما ذكر الإمام النووي رحم الله الجميع. فإذا لم يكن له جلدة من باطنه فلا يجوز المسح عليه.
القول الرابع:أنه يجوز المسح عليه وإن لم يكن مجلداً ولا منعلاً وهو قول الإمام محمد بن الحسن وأبو يوسف وهو معتمد مذهب الحنفية وقول الإمام أحمد والحنابلة رحمهم الله تعالى. قال الإمام الترمذي في جامعه ( تحت حديث رقم 99 ): (( وهو قول غير واحد من أهل العلم, وبه يقول سفيان الثوري, وابن المبارك, والشافعي, وأحمد, وإسحاق, قالوا: يمسح على الجوربين وإن لم يكن نعلين, إذا كانا ثخينين )) .انتهى
وقال الإمام الطحاوي في شرح مشكل الآثار :لا نرى بأسا بالمسح على الجوربين إذا كانا صفيقين قد قال ذلك أبو يوسف ومحمد وأما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فإنه كان لا يرى ذلك حتى يكونا صفيقين ويكونا مجلدين فيكونان كالخفين . انتهى
قال الإمام ابن عابدين في حاشيته 1/ 501.ومنشأ الخلاف بين الإمام أبي حنيفة والصاحبين أنهما يكتفيان بمجرد الثخانة وأما الإمام فلا يكتفي بذلك بل يشترط أن يكونا منعلين أو مجلدين.. وقال الإمام الكاساني في بدائع الصنائع : وأما المسح على الجوربين فإن كانا مجلدين أو منعلين فيجزيه بلا خلاف عند أصحابنا ، وإن لم يكونا مجلدين ولا منعلين فإن كانا رقيقين يشفان الماء لا يجوز المسح عليهما بالإجماع وإن كانا ثخينين لا يجوز عند أبي حنيفة ، وعند يوسف ومحمد يجوز. انتهى .
وقد ردوا على منع من المسح عليها بالردود التالية :
1ـ ورود الحديث الذي ذكرته سابقاً وتحسين الترمذي له وكذلك الإمام الزيلعي في نصب الراية .
2ـ فعل الصحابة لذلك حيث أن ورد أنهم مسحوا على الجورب ولم ينقل عنهم اشتراط أن يكون مجلداً ولا منعلاً . جاء في تبين الحقائق شرح كنز الدقائق ما نصه:وما نقل من تضعيفه عن الإمام أحمد وابن مهدي ومسلم حتى قال النووي : كل منهم لو انفرد قدم على الترمذي مع أن الجرح مقدم على التعديل فلا يضر لكونه روي من طرق متعددة ذكرها الزيلعي المخرج ، وهي وإن كانت كلها ضعيفة اعتضد بعضها ببعض والضعيف إذا روي من طرق صار حسنا مع ما ظهر من مسح كثير من الصحابة من غير نكير منهم على فاعله كما ذكره أبو داود في سننه .
النوع الثاني: الجورب المصنوع من الخرق :وهي الشرابات في زماننا فلا يجوز المسح عليها عند جمهور العلماء رحمهم الله تعالى ،وجميع ما سبق ذكره من أقوال المذاهب فإنما هو في الجورب المصنوع من غير الخرق .ولكن انفرد جمهور الحنابلة رحمهم الله تعالى بجواز المسح على جورب الخرق بشروط يأتي ذكرها إن شاء الله .واما الإمام أحمد فمنع من المسح على جورب الخرق قال ابن قدامة في المغني :وقد سئل أحمد عن جورب الخرق يمسح عليه؟ فكره الخرق . والآن أذكر تحرير المسألة عند الحنابلة بحول الله تعالى وهو حسبي ونعم الوكيل :
1ـ يجوز المسح على الجوربين إن كانا من الصوف إن كانا منعلين أو مجلدين بدون خلاف في المذهب وهو موافق لمذهب جمهور الفقهاء . وسبق بيان معنى المنعل والمجلد ونقل قول العلماء .
2ـ ويجوز المسح على الجورب الثخين المصنوع من الصوف أي من الفرو وهو قول للحنفية ذهب إليه الصاحبان أبو يوسف ومحمد ذكر ذلك ابن عابدين في حاشيته 1/ 501 عند شرحه لقول الحصكفي والمنعلين ..والمجلدين ..ومنشأ الخلاف بين الإمام أبي حنيفة والصاحبين أنهما يكتفيان بمجرد الثخانة وأما الإمام فلا يكتفي بذلك بل يشترط أن يكونا منعلين أو مجلدين.وانظر لحاشية ابن عابدين 1/105فقد نقله عن (حاشية علي جلبي على صدر الشريعة) . قال الإمام الكاساني في بدائع الصنائع : وأما المسح على الجوربين فإن كانا مجلدين أو منعلين يجزيه بلا خلاف عند أصحابنا ، وإن لم يكونا مجلدين ولا منعلين فإن كانا رقيقين يشفان الماء لا يجوز المسح عليهما بالإجماع وإن كانا ثخينين لا يجوز عند أبي حنيفة ، وعند يوسف ومحمد يجوز. انتهى .
3ـ اتفق العلماء على عدم جواز المسح على الجورب الخفيف المصنوع من الخرق .كالشرابات الخفيفة في عصرنا.
4ـ أما الجورب المصنوع من الخرق الصفيقة أي الكثيفة : فاختلف الحنابلة في جوازالمسح على جورب الخرق على قولين في المذهب .
وقد كره الإمام أحمد جورب الخرق كما هو منصوص روايته ذكر ذلك جمع من أئمة المذهب منهم الموفق ابن قدامة في كتاب المغني.حيث قال ابن قدامة:وقد سئل أحمد عن جورب الخرق يمسح عليه؟ فكره الخرق .ثم التمس ابن قدامة تعليلاً يفسر به موقف الإمام أحمد ،فقال الموفق : ولعل أحمدكرهها لأن الغالب عليها الخفة, وأنها لا تثبت بأنفسها، فإن كانت مثل جورب الصوف في الصفاقة والثبوت فلا فرق .
ثم ذكر ابن قدامة النقول عن الإمام أحمد في ذلك فقال :
وقد قال أحمد في موضع: لا يجزئه المسح على الجورب حتى يكون جورباً صفيقاً, يقوم قائماً في رجله لا ينكسر مثل الخفين إنما مسح القوم على الجوربين أنه كان عندهم بمنزلة الخف يقوم مقام الخف في رجل الرجل, يذهب فيه الرجل ويجيء.
فعلى هذا وما سبق نقله عن الإمام أحمد نعلم أن منصوص كلام الإمام أحمد كراهة ذالك وهي هنا كراهة تحريم كما هو معلوم من توجيه الموفق .
وأن التخريج بالجواز والصحة هو وجه لأصحابه رحمهم الله تعالى ولكن بشروط ذكروها.
فإذن لهم في جورب الخرق الصفيقة الكثيفة قولان:
القول الأول:عدم جواز المسح على جورب الخرق مطلقاً وهوماجزم به الفخر ابن تيمية في كتاب التلخيص .نقل ذلك الإمام المرداوي وغيره .وكأن الفخر ابن تيمية أخذ بكلام الإمام أحمد فإنه لا يجيز إلا الجورب المصنوع من الصوف الصفيق.
القول الثاني : جواز المسح على جورب الخرق الصفيقة أي الكثيفة وهو من مفردات المذهب الحنبلي وهذا هو المعتمد في المذهب لكن هذا الجواز مشروط بشروط ذكرها أئمة المذهب وهي كما يلي :
شروط المسح على حوائل القدم :وهذا يعم الخف والجورب .
الشرط الأول: أن يكون صفيقاً أي ثقيلاً . وعلى هذا فالجورب الخفيف لا يجوز المسح عليه وهذا بلا نزاع كما قال المرداوي في الإنصاف .والخرق الثقيلة كالتي يصنع منه الأشرعة ونحوه من الخرق الثقيلة .فهذا الذي يجيزه الحنابلة.
الشرط الثاني: أن لا يصف القدم لصفائه : وهو قيد يخرج الخف المصنوع من الزجاج وكذا المصنوع من البلاستيك الذي يصف لون البشرة .
تنبيه : الفرق بين ما يصف البشرة لخفته وما يصف البشرة لصفائه: أن الجورب قد يكون خفيفاً لكنه لا يصف لون البشرةوذلك لتغطيته ما تحته .بخلاف الصفاء.فقد يصف لون البشرة لكنه ثقيل صفيق كالزجاج الشفاف .فلا يجوز المسح عليه لا بسبب خفته وإنما بسبب صفائه .
وكذلك فرق بينهما فمن جهة الحكم: فإن الجورب الخفيف لا يجوز المسح عليه بلا نزاع ،بخلاف الذي يصف البشرة لصفائه مع صفاقته وثبوته ففي المذهب قول بجواز المسح عليه ذكره المرداوي في الإنصاف .حيث قال : ومنها ـ أي الشروط ـ أن لا يصف القدم لصفائه فلو وصفه لصفائه لم يصح على الصحيح من المذهب وقيل : يجوز المسح عليه.الإنصاف 1/136
وأما ما يصفها لخفته فلايجوز المسح عليه بلانزاع.
ولذا قال الموفق ابن قدامة : أو الجورب خفيفاً يصف القدم أو يسقط منها إذا مشى فعلق الإمام المرداوي شارحاً كلام الموفق : لم يجز المسح على هذا بلا نزاع.انتهى من الإنصاف 1/137
تنبيه : الجورب الشفاف لا يجوز المسح عليه لخفته ولصفائه وعدم إمكان المشي به عرفاً ويأتي مزيد بيان لذلك إن شاء الله تعالى .
الشرط الثالث: إمكان المشي فيه مطلقاً حسب العرف وذلك مقدر بما يتردد إليه المسافر في حاجته عرفاً.فقوله :إمكان المشي فيه : قيد يخرج به ما لا يمكن المشي فيه كالضّيق جداً ،والواسع جداً.
وقوله (مطلقاً ) :خلافاً لمن قيد الحكم حيث أن بعض أئمة الحنابلة يشترط كونه معتاداً ليخرج غير المعتاد كالزجاج بأنواعه والخشب ونحوها من الخفاف غير المعتادة .
وكذلك فجوازه بإطلاق خلافاً لمن يشترط عدم نفوذ الماء إليه وقد اشترطه بعض العلماء .
تنبيه : اشترط الحنابلة أن يكون إمكان المشي فيه بقدر ما يتردد إليه المسافر في حاجته وهذا مرده إلى العرف وممن ذكره الإمام ابن حمدان في كتاب الرعاية الكبرى .
وهناك وجه آخر : وهو أن مرده إلى زمن مقدر : فقدروه بإمكان المشي به ثلاثة أيام أو أقل.انظر الإنصاف 1/136.
قال ابن قدامة في المغني1/374-375ط:التركي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى أنه قال:لايجزئه المسح على الجورب حتى يكون جورباً صفيقاً يقوم قائماً في رجله لاينكسر مثل الخفين ،إنما مسح القوم على الجوربين أنه كان عندهم بمنزلة الخف يقوم مقام الخف في رجل الرجل يذهب فيه الرجل ويجئ. فتأمل جيداً .
الشرط الرابع: أن يكون الجورب ساترلمحل الفرض . ومحل الفرض هو جميع القدم ومنها الكعبين .وهذا قيد يخرج به الملبوس الذي لا يستر محل الفرض كالذي يكون دون الكعبين . فلوظهرمنه شىء وجب الغسل ولم يجز المسح إذ لا يجمع بين البدل والمبدل في محل واحد. ولو كان الستر بمخرق أو مفتق بشرط أن ينضم بلبسه فلا يشترط في الساتركونه صحيحاً غير مخرق بل الشرط أن ينضم فيستر .فإن لم ينضم بلبسه ولا غيره لم يصح المسح عليه كبيراً كان الخرق أو صغيراً من محل الخرز أو غيره.
الشرط الخامس: أن يكون بعد كمال طهارة : لحديث [ قلنا يا رسول الله أيمسح أحدنا على الخفين ؟ قال : نعم إذ أدخلهما وهما طاهرتان ] راوه الحميدي في مسنده وفي الباب غيره وألحق بالخف باقي الحوائل ومنها الجورب فإن لبسه على طهارة بتيمم لم يمسح لأنه لا يرفع الحدث وكذلك إذا غسل رجلاً واحدة ثم أدخلها إياه قبل أن يغسل الأخرى فلا يصح المسح .
الشرط السادس: و يشترط ثبوته بنفسه أو بنعلين فيمسح عليه إلى خلعهما ما دامت المدة فإن لم يثبت إلا بشده لم يجز المسح عليه لفقد شرطه .
الشرط السابع: و بشرط إباحته مطلقاً : أي مع الضرورة وعدمها فلا يصح على نحو مغصوب حتى ولو خاف بنزعه سقوط أصابعه من برد لأن المسح رخصة فلا تستباح بالمعصية.لكن لو خاف أن تسقط أصابعه إذا غسل رجله فيكيفيه التيمم دفعاً للضرر ولا يصح المسح على الجورب المغصوب لأن الرخصة وهي المسح على الجورب لا تستباح بالمعصية وهي السرقة أو الغصب ، وكذا الجورب المصنوع من الحرير فلا يجوز للرجل أما النساء فيجوز .
فائدة : البديل الشرعي الدافع للضرر موجود ،وقد ذكرته آنفاً ألا وهو التيمم بدل غسل الرجلين.
الشرط الثامن: ومن الشروط طهارة عينه: أي الممسوح ولو في ضرورة فلا يصح على نجس العين جورب كان أو غيره و من لبس ساتراً نجساً فينتقل إلى التيمم إذا كان هناك ضررفي نزعه للحائل ولا يجوز له المسح.
فائدة :في عصرنا ما رأيت شراباً ثقيلاً مصنوعاً من الخرق إلا النادر كبعض شرابات الرياضة الثقيلة وبعض شرابات الشتاء الثقيلة التي يمكن أن يمشي الإنسان بها في الطرق دون الحاجة إلى لبس النعال .
ومما سبق نستنتج المسائل التالية :
1ـ أن الحنابلة رضي الله عنهم تفردوا بجواز المسح على جورب الخرق .
2ـ أن الحنابلة رحمهم الله تعالى لا يجيزون المسح على جوارب الخرق إلا إذا أكتملت الشروط السابقة.
3ـ أنه لو أختل شرط من شروط جواز المسح على الخرق فلا يجوز المسح عليها ولا يصح.
4ـ أن المسح على الشرابات المعروفة اليوم في عصرنا لا يجوز ولا يصح على مذهب الحنابلة وغيره من المذاهب إلا إذا أكتملت شروط المسح وهي لم تكتمل .
وهذا سرد للموانع التي تمنع المسح على الشربات المعاصرة :
المانع الأول: أنها خفيفة وهذا يخل بشرط الصفاقة .وإنما مسح المسلمون على جوارب الصوف لأنها صفيقة كما أن الخف يمكن المشي عليه فيمكن المشي على الجورب ولو بلا نعل لأنه صفيق أي كثيف فكذلك المصنوع من الخرق إذا كان صفيقاً يشبه الخف .قال الإمام الترمذي في سننه ( في باب المسح على الجوربين والنعلين ) ما مثاله : وهو ( أي المسح على الجوربين ) قول غير واحد من أهل العلم ، وبه يقول سفيان الثوري ، وابن المبارك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، قالوا : يمسح على الجوربين وإن لم يكونا منعلين ، إذا كانا ثخينين . أهـ
فتأمل في اشتراطه كونهما ثخينين .
المانع الثاني:أنه لا يمكن متابعة المشي فيها مطلقاً وإنما يمكن ذلك في أمكان محدودة كالمنازل المفروشة أما السير بها في الطرق العادية فلا يمكن إلا بلبس خف أو نعل فضلاً عن الطرق الوعرة .. والحنابلة اشترطوا لجواز المسح عليها أن يمكن المشي بها مطلقاً و حددوا ذلك بالعرف وضبطوه العرف بما يتجول إليه المسافر في سفره . ولذا تجد اشتراط إمكان المتابعة عرفاً كما قال الموفق : أو الجورب خفيفاً يصف القدم أو يسقط منها إذا مشى فعلق الإمام المرداوي : قائلاً : لم يجز المسح على هذا بلا نزاع.انتهى من الإنصاف 1/137 فلا يمكن متابعة المشي به عرفاً في الجورب المعاصر .قال الإمام أحمد : إنما مسح القوم على الجوربين أنه كان عندهم بمنزلة الخف يقوم مقام الخف في رجل الرجل يذهب فيه الرجل ويجئ.انتهى من المغني 3/ 375
مع العلم أن اشتراط إمكان المشي به مطلقاً...هو أخف شروط الحنابلة وإلا فإن منهم من اشترط أن يكون معتاداً ومنهم من اشترط أن يمنع نفوذ الماء . ولكن أقتصرت على القول الذي اعتمدوه في مذهبهم .
نصيحة أخيرة
كلما ذكر بعاليه يبّين بجلاء أنه لا قائل بجواز المسح على جورب الخرق الخفيفة ولا قائل بجواز المسح على الشفافة ،من علماء المذاهب المعتمدة ،وأنه لا يوجد من جوارب اليوم ما تنطبق عليه شروط ورثة الأنبياء إلا نادراً لا يعرف . وعلى هذا فأنصح طلبة العلم أن يتقوا الله تعالى وأن ينصفوا من أنفسهم ولا يشيعوا الفتاوي التي خرقت مواطن الإجماع لأن كل قول خالف أقوال متقدمي الأمة فلا حاجة إلى إشاعته والأخذ به، وخصوصاً إذا كان لم يسبق إليه ،وكم من الناس يأتي بأقوال لم يسبق إليها بتعليلات متعجلة في مسائل قد فرغ منها فحول الأئمة من أهل السنة رحمهم الله تعالى ،فهل يتحمل في ذمته القول في دين الله تعالى بما يخالف من سبقه من علماء الأمة؟! لا أظن بهم ذلك ولكن إن أخطأ فكل ابن آدام خطاء وأعظم الخطأ الإصرار على المخالفة بعد أن يتبين له لحق فنسأل الله للجميع الهداية والرشاد .
توجيه كلام الإمام ابن تيمية
هذا رأي الإمام ابن تيمية الصريح في المسح على الجوربين واشتراطه إمكان المشي بها عرفاً قال رحمه الله في شرح العمدة 1/253:وأما ما لا يمكن متابعة المشي فيه إما لضيقه أو ثقله أو تكسره بالمشي أو تعذره كرقيق الخرق أو اللبود لم يجز مسحه لأنه ليس بمنصوص ولا في معنى المنصوص. انتهى كلامه.
ولكن وجدت أكثر المشائخ إنما تمسكوا بهذه الفتاوي المعاصرة أخذاً بكلام للإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى في فتاويه في جواز المسح على اللفائف حسب فهمهم حيث قال الإمام ابن تيمية ما نصه : أنه يمسح على اللفائف وهي بالمسح أولى من الخف والجورب فإن تلك اللفائف إنما تستعمل للحاجة في العادة وفي نوعها ضرر إما إصابة البرد وإما التأذي بالحفاء وإما التأذي بالجرح فإذا جاز المسح على الخفين والجوربين فعلى اللفائف بطريق الأولى. انتهى كلامه من مجموع الفتاوى والمتأمل في كلامه يجد أنه لم يجّوز ذلك إلا لضرورة دفع المرض كالبرد والجروح التي لو وصلها الماء لتضرر المريض ونحوهما .
ولذا فقد قال في شرحه على عمدة الفقه ما نصه: وقد خرّج بعض أصحابنا وجهاً في اللفافة إنه يمسح عليها إذا وجد مشقة بنزعها. انتهى كلامه
فأين هذا ممن يجيز المسح على الشراب الشفاف والخفيف الذي لا يشق نزعه ؟!!
ففرق بين من أجاز ذلك لدفع ضرر متحقق وبين من يجيزها مطلقاً ،وكل ما يجد طالب العلم من ألفاظ مطلقة للإمام ابن تيمية فإنها مقيدة بكلامه في مواضع أخرى كالتي نقلتها آنفاً فيحمل مطلق كلامه على المقيد كما لايخفى .مع التنبه إلى أن الإمام ابن تيمية يشير إلى وجه في المذهب حكوه الحنابلة في جواز المسح على اللفافة بشرطين:
الأول : قوتها أي في الثخانة . والثاني شدها على القدم (أي لثبوتها) .
قال برهان الدين بن مفلح في شرحه للمقنع : وحينئذ لا يجوز المسح على ما يسقط لزوال شرطه ولا على اللفائف في المنصوص .وحكاه بعضهم إجماعاً ،لعدم ثبوتها بنفسها ..إلى أن قال : وحكى ابن عبدوس رواية بالجواز بشرط قوتها وشدها .انتهى انظر المبدع 1/145
وقال المرداوي في الإنصاف 1/137 معلقاً على قول الموفق ابن قدامة (أو شد لفائف لم يجز المسح عليها )فقال المرداوي هذا المذهب نص عليه ـ الإمام أحمد ـ وقطع به أكثرهم .قال الزركشي هو المنصوص المجزوم به عند الأصحاب حتى جعله أبو البركات إجماعاً . انتهى
وقال ابن أبي عمر في الشرح الكبير ما نصه:ولا يجوز المسح على اللفائف والخرق نص عليه أحمد لأنها لا تثبت بنفسها انما تثبت بشدها ولا نعلم في هذا خلافاً.
وقال الموفق ابن قدامة في المغني: ولا يجوز المسح على اللفائف والخرق نص عليه أحمدوقيل : إن أهل الجبل يلفون على أرجلهم لفائف إلى نصف الساق قال : لا يجزئه المسح على ذلك إلا أن يكون جورباً وذلك لأن اللفافة لا تثبت بنفسها إنما تثبت بشدها ولا نعلم في هذا خلافاً.
فهذا هو قول الإمام أحمد وأصحابه رحمهم الله تعالى وبه يعلم عدم جواز المسح على الجورب المعهود في عصرنا والله أعلم.
الرد على بعض اعتراضات المترخصين :
الاعتراض الأول:قالوا يقاس الجورب الخفيف على الجورب الصفيق .
الجواب:من قال بجوازه بالقياس، أي: يقول: أقيس هذا الجورب الخفيف على الجورب الصفيق فإنه يجاب عنه من وجهين: الوجه الأول: أن القياس على ما هو خارج عن الأصل لا يطرد، ولذلك فإن الأصل: هو غسل الرجلين، والمسح خلاف الأصل، فلا يطرد القياس على الرخص.
الوجه الثاني: أن المسح على الجورب إذا كان خيفاً لا ينزل منزلة الثخين؛ لأن الفرق بينهما ظاهر، ومن شرط صحة القياس: ألا يوجد الفارق بين الأصل والفرع، فالفرع -وهو (الشراب) الخفيف، والأصل المقيس عليه -وهو الجورب- الثخين، وإنما جاز المسح على الجورب الثخين لمشابهته الخفين، فيمنع في الخفيف لعدم وجود وصف الأصل وهو: كونه ثخينا، وعلى هذا فالذي نص عليه جمهور الحنابلة ممن يقول بمشروعية المسح على الجورب المصنوع من الخرق اشتراط كونه صفيقا، كما نبه عليه غير واحد من الأئمة، منهم الإمام ابن قدامة -رحمة الله عليه- في المغني، وكذلك المتون المشهورة في المذهب: كالإقناع للحجاوي ، والمنتهى لابن النجار ، فكلهم نصوا على كونه صفيقا، إخراجا للشراب الخفيف.انتهى
مع أن جورب الخرق حتى الصفيق إنما هو فرع مستنبط يقاس على الأصل وهو المصنوع من الصوف الذي هو في معنى الخف .فتأمل .
الاعتراض الثاني: قد يعتذر البعض بالمشقة والكلفة ؟
فأقول :المشقة إن كانت في نزعة :فهي مشقة خفيفة تقتضيها أكثر التكاليف فلابد في التكليف من نوع مشقة ،ولكنها يسيرة وتحت استطاعة المكلف ولم يكلفنا الله إلا بما نستطيع ،والشيطان يكسل العبد عن كثير من الطاعات ولكن واجب العبد أن لايطيع الشيطان لأنه عدو مبين .
واما إن كانت المشقة لدفع ضرر متحقق:كضرر ببرد شديد يتبعه مرض ونحوه أو مشقة لجرح ونحوه فإن البديل الشرعي موجود ألا وهو التيمم الذي يسر الله به على عبادة فلا وجه لترك رخصة الله تعالى والتعلق بالأراء التي تخالف ما نص عليه الكتاب والسنة وبينه الأئمة رحمهم الله تعالى .
شبهة :تمسك بعض المعاصرين بنقلين عن الإمام النووي أخطأ فيهما :
أما النقل الأول :فهو قول بعضهم قال الإمام النووي رحمه الله ( الصحيح من مذهبنا: أن الجورب إن كان ضعيفا يمكن متابعة المشي عليه: جاز المسح عليه، وإلا فلا.)انتهى
وهذا تدليس من الناقلين أو غلط في النسخة التي نقلوا عنها ،فلم يقل النووي رحمه الله (إن كان ضعيفاً)!!.بل قال الإمام النووي في كتاب المجموع شرح المهذب ما نصه
فرع: في مذاهب العلماء في الجورب: قد ذكرنا ان الصحيح من مذهبنا ان الجورب إن كان صفيقا يمكن متابعة المشي عليه جاز المسح عليه والا فلا) انتهى كلامه فتأمل كيف حرفت كلمة إن كان صفيقاً أي ثخيناً إلى كلمة إن كان ضعيفاً .وهذا إما من الكذب أو من التساهل وعدم الرجوع للنسخ المحققه .
وقد نقل قالإمام النووي قبلها كلام الإمام الشيرازي وفيه قال في المهذب :(وان لبس جوربا جاز المسح عليه بشرطين :
أحدهما: أن يكون صفيقا لا يشف .
والثاني :أن يكون منعلا فان اختل أحد الشرطين لم يجز المسح عليه) .انتهى
النقل الثاني :أيضاً نقله بعض الكتاب عن الإمام النووي وأساء في فهم مراده فتوهم أنه في جورب الخرق .
حيث قال الإمام النووي رحمه الله (وحكي أصحابنا عن عمر وعلى رضى الله عنهما جواز المسح على الجورب وان كان رقيقا وحكوه عن أبي يوسف ومحمد واسحق وداود)انتهى كلامه .
وهذا إنما هو في جورب الصوف ونحوهما لافي جورب الخرق فإنهم لا يجيزون المسح عليه بالإجماع في مذهبهم ولذا قال الإمام الطحاوي في شرح مشكل الآثار :لا نرى بأسا بالمسح على الجوربين إذا كانا صفيقين قد قال ذلك أبو يوسف ومحمد وأما أبو حنيفة رحمه الله تعالى فإنه كان لا يرى ذلك حتى يكونا صفيقين ويكونا مجلدين فيكونان كالخفين . انتهى كلام الإمام الطحاوي
وقال الإمام ابن عابدين في حاشيته 1/ 501.ومنشأ الخلاف بين الإمام أبي حنيفة والصاحبين أنهما يكتفيان بمجرد الثخانة وأما الإمام فلا يكتفي بذلك بل يشترط أن يكونا منعلين أو مجلدين..
وقال الإمام الكاساني في بدائع الصنائع : وأما المسح على الجوربين فإن كانا مجلدين أو منعلين فيجزيه بلا خلاف عند أصحابنا ، وإن لم يكونا مجلدين ولا منعلين فإن كانا رقيقين يشفان الماء لا يجوز المسح عليهما بالإجماع وإن كانا ثخينين لا يجوز عند أبي حنيفة ، وعند يوسف ومحمد يجوز. انتهى .
في الختام أقول :إذا كان المسلم ترخص فأخذ بقول الإمام أحمد وغيره في جواز المسح على جورب الصوف غير المنعل والمجلد وترخص أكثر فأخذ بالوجه المعتمد في المذهب الذي يجيز المسح على جورب الخرق ،فعلى أقل أحوال المسلم أن يحتاط لعبادته فيراعي الشروط التي ذكرها علماء المذهب الحنبلي ،فألجم نفسك بلجام التقى ،واحذر من مكائد الشيطان .ودع ما يريبك إلى مالا يريبك فإن الطهارة عبادة عظيمة وهي شرط لعدد من العبادات منها الصلاة التي هي عمود الإسلام فلا تتساهل يا أخي في مثل ذلك فإن الصلاة شأنها عظيم والمتساهل بشرط من أعظم شروطها متجاسر على باب من أبواب المعصية عظيم .
وأسأل الله أن ينفع بهذا المكتوب وأن يشرفني به عند لقاه وأن يجعله ذخراً نافعاً .
والحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه .
وكتبه : ماطر بن عبدالله بن غنيم الأحمري .
التعليقات (0)