المسجد الأقصى وأساطير المسلمين
منذ زمن طويل ونحن، معشر اليهود، نسأل المسلمين في كل مناسبة، متى وكيف ولماذا أصبحت القدس مقدسة للمسلمين، فيما لم نحصل حتى اليوم على إجابة لهذا السؤال "المستعصي"، من هنا نكرر للمرة المليون: لماذا يقدس المسلمون المسجد الأقصى، علما ان المسجد الأقصى الحالي بناه الخليفة الأموي الخامس عبد الملك بن مروان لأسباب سياسية محضة ذكرها وبيّنها وفصلها علماء مسلمون عاصروا بني أمية من أمثال الكلبي والواقدي واليعقوبي. وقد ذكر هؤلاء ان بني أمية بدأوا يستشعرون ان حكمهم وسلطانهم الذي انتظروه طويلا بات مهدد بالزوال بعد أن بايع أهل الحجاز عبد الله بن الزبير، فيما بايع أهل الشام بني أمية، ليشهد العالم الاسلامي وجود خليفتين في آن واحد: أمير المؤمنين في الشام وأمير المؤمنين في الحجاز، في سابقة هي الاولى منذ عهد الخلفاء الراشدين. ولجأ بنو أمية الذين عرف عنهم الدهاء والحنكة الى بناء مسجدين في محاولة منهم لتعزيز ملكهم العضود في بلاد الشام، حيث بني المسجد الأول في إيلياء (القدس) فيما شرعوا في بناء مسجد كبير في دمشق عرف بالجامع الأموي. وأما جامع إيلياء فقد أرادوا له ان تشد اليه الرحال لمضاربة المسجد الحرام في مكة والمسجد النبوي في المدينة، وكان لهم ما أرادوا من تحويل الحجيج الى مسجد إيلياء فالتاريخ يشهد ان المسلمين حجوا الى بيت المقدس ثلاث سنوات!!
يلفت الى ان بناء مسجد ايلياء قد تم في فترة احتدم فيها الصراع بين القطب الأموي والقطب الحجازي، ومن السذاجة بمكان القول إن بني أمية انما أرادوا بناء مسجد في بيت المقدس عملا بالآية القرآنية (سورة الاسراء) التي تتحدث عن "المسجد الأقصى"، او اقتداء بالاحاديث النبوية التي تذكر بيت المقدس، ففي مثل هذه الفترة العصيبة وفي ظل هذا الصراع الدامي، وتأليب المسلمين ضد بني أمية بعد مقتل الحسين حفيد الرسول، وخشية بني أمية من تحوّل الناس عنهم لو أنهم سمحوا لهم بشد الرحال الى مكة والمدينة حيث يصبحون آنذاك في قبضة أهل الحجاز الموالين لعبد الله بن الزبير فيحرّضوهم على بني أمية أو حتى يفتكوا بهم انتقاما لمعركة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي ووقعة الحرة التي استباح فيها جند يزيد المدينة المنورة ثلاثا قتلا وسبيا ونهبا. وفي خضم هذا الوضع العصيب وعندما أصبح بنو أمية في وضع لا يحسدون عليه، تفتق ذهن بني أمية عن القيام ببناء صرح عظيم لتحويل الحجيج الى بلاد الشام بدلا من الحجاز، وعندما بحثوا عن مكان مناسب لأقامة هذا الصرح، لم يجدوا أفضل من مدينة ايلياء التي عُرفت ايضا باسم بيت المقدس الذي كان يطلقه اليهود على المدينة لأحتواءها أقدس مقدسات اليهود "بيت المقدس" اليهودي الذي كان حطاما في ذلك الزمان منذ هدمه الرومان ابان القرن الأول للميلاد. أقدم الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان على بناء مسجد قبة الصخرة في باحة بيت المقدس، وتابع إبنه الوليد البناء من بعده فأضاف المسجد القبلي، ثم شرع في زمن الوليد ببناء المسجد الأموي في دمشق.
وظل مسجد ايلياء يسمى بهذا الاسم طوال العصر الأموي، فيما ظل اسم ايلياء يطلق على المدينة، ولم يتغير هذا الوضع الا في عصر المأمون العباسي الذي صك نقودا نقش عليها اسم "قدس" لأول مرة في التاريخ الاسلامي، ومن ثم شرع علماء المسلمين بالربط بين مسجد ايلياء وبين المسجد الأقصى الذي ورد ذكره في سورة الاسراء، لكن اسم ايلياء ظل يدور على الألسن حتى العهد المملوكي، حيث صار المسلمون يطلقون على مسجد ايلياء اسم "المسجد الأقصى"، كذلك حلّ اسم "القدس" بصورة نهائية محل اسم "ايلياء" إضافة الى "بيت المقدس"، وساهم في ذلك الصراع بين المسلمين والصليبيين الذي بدأ في زمن الحكم الفاطمي مرورا بالعصر الأيوبي وانتهاء بالعهد المملوكي. وأضيفت الى ذلك عبارة "القدس الشريف" و "الحرم القدسي" التي انتشرت في العهد العثماني.
وبتأثير كتابات علماء المسلمين خلال العصر العباسي حول فضائل بيت المقدس الذي ورد ذكره في الأحاديث النبوية، والمسجد الأقصى الذي ورد ذكره في القرآن، ارتفع شأن مسجد بني أمية في ايلياء وصار يظهر في المراجع الاسلامية ويتداوله العامه على أنه المسجد الأقصى المذكور في سورة الاسراء وبيت المقدس الذي ورد ذكره في الأحاديث النبوية.. وشاعت بين المسلمين الأحاديث النبوية التي تذكر شد الرحال الى مسجدي مكة والمدينة ومسجد بيت المقدس في ايلياء، كما انتشرت الأحاديث التي تذكر ان المسجد الأقصى بني بعد الكعبة بـ 40 عاما، ولم تقف الاساطير الاسلامية عند هذا الحد بل ذهب المسلمون الى ان مسجد اليهود "بيت الممقدس" في أورشليم "ايلياء" الذي بناه ملوك اسرائيل داوود وسليمان هو مسجد اسلامي! قائلين إن داوود وسليمان كانوا أنبياء مسلمين! فيما يعتبر سطو في وضح النهار على بيت المقدس اليهودي وملوك وأنبياء بني اسرائيل..؟! ليصبح المسلمون أوصياء على الديانة اليهودية وحماتها من التحريف والتزييف! زاعمين ان اليهود حرّفوا توراتهم وان المسجد الأقصى "بيت المقدس" اليهودي هو حق خالص للمسلمين!!
وتمادى المسلمون في طغيانهم وتعنتهم وأساطيرهم حتى زعموا ان بيت المقدس اليهودي الذي بناه داوود وسليمان ما هو الا حلقة في تاريخ المسجد الأقصى الاسلامي! منذ بناه آدم النبي المسلم! وسخّر الله لهذا المسجد من عباده الصالحين من قام على تجديد بناءه وإقامة شعائر الله في مسجده على مر العصور!
وإزاء هذه المزاعم والأباطيل نحن نتسائل: اذا كان آدم قد طاف في أرجاء الكرة الارضية عندما كانت مقفرة.. وخلال تجواله بنى الكعبة... ثم واصل ترحاله الى بيت المقدس فبنى مسجدا سمي المسجد الأقصى... فمتى حصل كل هذا؟ وما هي الأدلة الأثرية والتاريخية لوجود مسجد آدم المزعوم؟ ولماذا يعتبر مسجد آدم اسلاميا في هذه الحالة؟ يعني هل كان أول شخص تجوّل على الارض مسلم؟ هل هذا تاريخ غيبي ام تاريخ موثق؟ طيب لما كان هذا المسجد الاسلامي قائما منذ الأزل، لماذا لم يذكر النبي محمد انه زاره خلال رحلاته التجارية الى الشام قبل البعثة علما ان محمد كان تاجرا يكثر من الرحلات التجارية الى الشام؟ لماذا احتاج الأمر الى براق ليسافر به ليلا الى المسجد الأزلي طالما المسجد في متناول يد محمد طوال السنوات السابقة!؟ طيب المسلمين بعد ما فتحوا بيت المقدس لماذا لم يسافروا أفواجا أفواجا للصلاة في المسجد الأقصى الذي بناه آدم!؟ لم يذكر التاريخ شيئا من هذا؟! بل من الثابت ان المسلمين لم يلتفتوا الى هذا المكان ولم يولوه اي اهتمام قبل بناء المسجد الحالي في زمن عبد الملك الأموي؟! فأين قدسية مسجد آدم طالما انه كان موجودا قبل ذلك!؟ ولماذا لم يتسابق الخلفاء الراشدون على كسب شرف إعمار مسجد آدم بل ظل المكان مقفرا لا يعيره المسلمون اي اهتمام حتى فطن اليه الخليفة الأموي الخامس لأسباب سياسية محضة!؟ ألم يعلم أسلافه ان ثمة مسجد بناه آدم للمسلمين ينتظر الاعمار!؟ ولماذا لم يصلّ به عمر بن الخطاب عندما دخل بيت المقدس ودعاه صفرونيوس الى الصلاة في كنيسة القيامة فرفض عمر وخرج فصلى خارج الكنيسة. كان بإمكان عمر ان يقول لصفرونيوس عندنا مسجد بناه آدم للمسلمين وهو يبعد على مسافة بضعة أمتار من هذا المكان سأذهب لأصلي به ثم أعود...؟!!
اما التسائل التالي فيتعلق بالوعد الديني او الألهي الذي يزعم المسلمون انهم ورثوا المسجد الأقصى بمقتضاه: نحن نرى ان هذا الوعد واضح جلي في جميع المراجع اليهودية، التي ترفع وحدة الشعب اليهودي وارض اسرائيل الى أعلى مراتب العقيدة. علما ان هذه المراجع ذاتها شأنها في ذلك شأن المراجع المسيحية التي كانت امتدادا لها، دُوّنت في ارض اسرائيل. بينما الوعد الديني الذي يتمسك به المسلمون يستمد شرعيته من رحلة غيبية لنبي الاسلام الى بيت المقدس اختلف بشأنها علماء المسلمين ولم تجزم كتب التفسير فيما اذا كانت هذه رحلة حقيقية ام حلم ام رؤيا؟! هذا بالاضافة الى كون الديانة الاسلامية لم تنشأ في فلسطين (ارض اسرائيل) ولم تدوّن فيها المراجع الدينية. بمعنى ان القدس تقع في المرتبة الثالثة من حيث درجة التقديس لدى المسلمين فيما تحتل المرتبة الاولى لدى اليهود والمسيحيين؟! كذلك لم نفهم حتى اليوم كيف أصبحت القدس مقدسة بالنسبة للمسلمين اعتمادا على الآيات الأولى من سورة الاسراء التي تتحدث عن وعد الاولى والآخرة الذي يتعلق باليهود!؟
على كل حال لن تنتهي المشكلة عند هذا الحد فيما المسلمون يقولون إن جدهم الأول هو آدم المسلم؟!! وهو الذي بنى المسجد الأقصى للمسلمين؟! يعني التاريخ الاسلامي في ارض اسرائيل يعود الى بدء الخليقة!! وبيت المقدس اليهودي هو حق اسلامي خالص لأن المسلمين الأوائل كانوا عندما يقيمون الصلاة في الحجاز يولون وجوههم صوب بيت المقدس!!؟ وما زلنا لا نفهم كيف كان المسجد الأقصى موجودا قبل بناءه بـ 70 عاما علما ان المسجد الأقصى الحالي بني في العهد الأموي بعد حوالي 70 عاما من نزول سورة الاسراء في الحقبة المكية؟؟! وكيف ظل مكان المسجد الأقصى الذي بناه آدم مجهولا وغامضا حتى اكتشفه عبد الملك بن مروان؟!! هل أجرى حفريات أثرية؟؟! كيف كان المسجد الأقصى قائما قبل بناءه في العصر الأموي؟! وما هي طبيعة المسجد الأقصى الذي توجه اليه المسلمون في صلاتهم قبل دخول المسلمين بيت المقدس بـ 70 عاما علما ان ارض اسرائيل كانت تخضع آنذاك لسيطرة الرومان؟! وهنالك طلاسم أخرى: لا أحد من المسلمين يعلم مكان المسجد الأقصى الذي بناه آدم؟! ولا أحد من المفسرين المسلمين يعلم في اي سنة كانت رحلة الاسراء؟! ولا أحد من المسلمين يعلم أين بدأت رحلة الاسراء؟! ولا أحد يعلم أين انتهت؟! ولا أحد من المفسرين يجزم فيما اذا حصلت رحلة المعراج مباشرة بعد الاسراء ام كانت رحلة منفردة؟! ولا أحد من المفسرين يجزم في مسألة كون الاسراء رحلة حقيقية ام رؤيا ام حلم؟! لكن كل المسلمين متفقين ان بيت المقدس هو حق اسلامي خالص!!! ليس هذا فحسب بل أكناف بيت المقدس ايضا التي يقال إنها تمتد من الفرات الى وادي العريش؟!! لكن بالمقابل يعتبر اليهود شعب وهمي بنظر المسلمين، بمعنى ان الحقائق تصبح أساطير فيما الأساطير هي حقائق علمية دامغة؟!! نبي الاسلام حقه ناصع في بيت المقدس لأنه سافر اليه ليلا في رحلة غيبية، بينما أنبياء اليهود الذين عاشوا بالعشرات في بيت المقدس هم غاصبين ووهميين؟!!
كذلك لا بد أن نسأل: اذا كانت القدس بهذه القداسة لدى المسلمين، فلماذا لم يتخذها أحد من الخلفاء والسلاطين المسلمين ولو لمرة واحدة خلال التاريخ الاسلامي عاصمة لملكه!!؟ لماذا اختار علي بن ابي طالب الكوفة عاصمة لخلافته دون القدس؟ ولماذا حوّل بنو أمية عاصمة ملكهم الى دمشق وليس الى القدس؟ ولماذا اختار بنو العباس بغداد عاصمة لحكمهم وأهملوا القدس؟ ولماذا حوّل سلاطين الاخشيد والسلاجقة والفاطميين والأيوبيين والمماليك، مقر حكمهم الى القاهرة وليس القدس؟ ولماذا نقل السلاطين العثمانيون مركز حكمهم الى الأناضول وليس القدس؟ ولماذا فضّل الهاشميون مدينة عمان على القدس عندما خضعت الأخيرة لسيطرتهم بعد قيام المملكة الأردنية؟ فيما نعلم ان اليهود هم الشعب الوحيد الذي اتخذ بيت المقدس عاصمة لملكه منذ دخلوها في العصور الغابرة...!؟
وقس على ذلك روايات اسلامية أخرى عديدة تتعلق باليهود وارض اسرائيل، بدءا من الأدعاء الاسلامي بأن التوراة محرفة، الى إنكارهم الوجود اليهودي التاريخي في ارض اسرائيل، الى نفيهم قداسة بيت المقدس ومركزيته في العقيدة اليهودية والوجدان اليهودي، الى زعمهم ان اليهود قدموا الى فلسطين (ارض اسرائيل) من أصقاع العالم، الى قولهم إن اليهود الحاليين غزاة لا يمتون بصلة الى ارض اسرائيل وبني اسرائيل، الى ترديدهم ببغاويا خرافات من قبيل يهود الخزر وبروتوكولات حكماء صهيون..الخ. كيف يدّعي المسلمون المصداقية ويشكون من الظلم والاضطهاد فيما يفرضون بالقوة وصاية على الديانة اليهودية والتاريخ اليهودي وتوراة اليهود بل ويغتالون الذاكرة اليهودية استنادا الى أساطير وروايات خيالية؟ وأخيرا لماذا يُطالب اليهود بإثبات حقهم التاريخي وتبيان الأدلة الأثرية فيما يرى المسلمون أنهم في حلّ من هذا كله، حيث حقهم ناصع البياض بحسب زعمهم...!!؟
التعليقات (0)