المستوى التركيبي في الدراسات الأسلوبية
الأستاذة سامية محصول
الجزائر
اللغة والأسلوب متلازمان فاللغة يحددها الأسلوب وهو بدوره يرسم اللغة وهما ثنائيان لا ينفصلان " فالأسلوب يعد بشكل عام ظاهرة فردية لأنه مرتبط بالكلام وهو سلوك فردي مقابل اللغة التي هي نظام جماعي فهو تصرف الفرد في حدود قوانين اللغة المتاحة ويرتكز أصلا على وظيفة الإبلاغ والإفهام ، ويمكن أن يكون هناك نسق مشترك ينسحب عند بعض الفئات من الكتاب والفنانين فإننا نجد سمات أسلوبية مشتركة ومن السمات المشتركة نجد نمط التركيب على مستوى التعابير والأساليب .
" و مِن الأسلوبيين مَن بحث في العلاقة القائمة بين مكونات النص اللغوية ذات الطابع الأسلوبي وما يخضع له الكاتب من تأثير سيكولوجي, وهذا ما يوضح بشكلٍ جليّ عناية المنشئ بقواعد تنظيم الكلمات والاعتناء بفصاحتها ونقائها وصولاً إلى دلالة عميقة ومِن هؤلاء الأسلوبيين (ليو سبيترز(" بل " إن إحدى الأسئلة الأساسية التي تبرزها أسلوبية علم تراكيب الجمل نجد التعبير الواضح عنها في مسألة التأثيرات [...] وتولد انطباعا خاصا في المتلقي [...] وبذلك تقتضي الدراسة رصد كل المقاطع التي تحمل أثرا ، وتفكيك الوسائل الأسلوبية التي تتكون منها" ، فتخير الكلمات والتعابير على المستوى الدلالي والتركيبي له جماليته الخاصة بل حتى إنها تمتص كل الجوانب الأخرى لكي يكون هناك تأثير كلي وفعال في المتلقي .
" ليست الأسلوبية في حقيقتها إلا دراسة أشكال التفنن في الأداء الكلامي في مستوى معين غايته مزدوجة ، فهو بالإضافة إلى كونه خطابا ينقل فكرا فهو يغلق هذا الفكر أو يخرجه بألوان إبداعية تحقق زيادة على الإبلاغ التأثير والمتعة والجمال" "إن الشاعر خالق الكلمات ، وليس خالق أفكار وترجع عبقريته كلها إلى الإبداع اللغوي" قال ملارمي : " إننا لا نصنع الأبيات الشعرية بالأفكار بل نصنعها بالكلمات ، وعرف نفسه بالعبارة العجيبة أنا مركب" أي انه مركب من كلمات ، وأساس شخصيته هي تراكيب كلماته ، فتركيب الكلمات له سمة مميزة لرصد الشخصية ،وهذه الأسطر لم نسقها عفوا بل لنؤكد على أهمية التركيب في العملية الأسلوبية .
وإذا تكلمنا عن التركيب على مستوى الجمل فلا يجب إهمال موقع هذه الجملة وشروط وخصائص تركيبها على مستوى النص ككل يقول سعيد البحيري :"لا ينظر إلى الجملة باعتبارها جزءا مستقلا مفيدا يمكن عزله عن بقية الأجزاء المكونة للنص بل هي جزء مكمل في حقيقة الأمر غير أن الأجزاء الأخرى تشترك في فهمه على نحو أكثر معقولية" ،" والتركيب عنصر أساسي في الظاهرة اللغوية وليس الأسلوب إلا شبكة من تقاطع العلاقات الركنية بالعلاقات الجدولية فالكلمات تتوزع داخل الخطاب على خط أفقي ويكون لتجـاوزها تأثير دلالي ، صوتي ، وتركيبي
و التركيب لا يهمل في علم الدلالة" فعلم الدلالة غير واضح حتى في علم اللغة ذاته لأن المعنى ليس محدداً بالكلمات ولكنه موجود فوق مستوى الكلمة وتحتها في آنٍ واحد, تحتها على مستوى والسوابق واللواحق, وفوقها على مستوى الجمل الناقصة والجمل الفعلية غير التامة, والجمل التامة" ، " فالميزة الخاصة تحمل طبيعة الترابط أو التراكيب أو الانصهار ( بين تحقيق في العبارة والفئة الجمالية ) وإذا تم العثور على هذه الميزة ذلك يتيح تفسير أصل العمل النوعي وإبرازه وعرضه إذ ذاك تدخل الأسلوبية بطريقة جلية في إعداد البحث عن الخاصية الدلالية التي هي نواة الإبداع الشكلي " فالكثير ينظر لعلم الدلالة انه في مستوى الكلمات أو الجمل ككل مع إهمال تراكيبها ويتجلى علم الدلالة على الكلمة والجملة وخصائص تركيبها . يقول baker : " يقول frege : على المحلل أن يأخذ بالحسبان شيئين عند الحكم على الجملة الأول الحكم وفقا لقواعد وقوانين تكوين الجملة والثاني المضمون الذي تشير إليه كلمات الجملة " ، ويقول في موضع آخر : " لابد لكل نظرية لغوية أن تقدم تصورا لتحليل نص لغوي من أن تعتمد على عنصرين رئيسين تركيب الجملة وما في الجملة من دلالة
وحينما نتحدث عن (نظرية النظم عند الجرجاني) يرى أن أساسها هو المعنى, وتتالي الألفاظ في تراكيب مختلفة للدلالة على المعاني المتفاوتة, ولا يعني عبد القاهر بتتالي الألفاظ أن تُرصَف بعضها إلى جنبِ بعض بل يعني به التناسق الدلالي بين هذه الألفاظ المرصوفة فنظرية النظم عند الجرجاني تأخذ التركيب وتوالي الكلمات كمرتكز للدراسة وجانبا من جوانب النظرية.
وما يكمن إضافته ههنا هو أن المبدع له حق التصرف في تراكيبه ولكن وفق معايير نحوية ، وفنية ...، ولكن ليس له حق التصرف في بعض الجمل ولعبارات وتتمثل هذه العبارات عموما في الشواهد والأمثال والحكم والأقوال المأثورة ...،فيقول سانديرس :" فعند التركيب وإلى جانب مراعاة القيود والمعايير النحوية لابد من مراعاة ما يسمى بالمقولات الجاهزة والأقوال المأثورة التي تشكل وسائل أسلوبية لا تخالف الاستعمال"
وبعد هذا وذاك نخلص إلى أن التركيب وجه مهم من أوجه الأسلوبية بل انه مدار لأسلوب ، ودراسة التركيب دلاليا له جانب مهم في علم الدلالة والتركيب له أهميه كبيرة إن صيغ بشكل جيد ليرسم التأثير في المتلقي ، والتأثير قي المتلقي هو مدار ومقصد عملية التواصل ، وفي عملية التركيب يجب مراعاة قيود ومعايير نحوية وفنية ولغوية ، إلا في ما نر أو ما شاكل يجوز للشاعر ما لا جوز لغيره كما أن هناك عبارات جاهزة لا يجوز إعادة تركيبها عند استعمالها كالشواهد والأمثال والحكم ...
التعليقات (0)