المستوطنون يحولون بيتا في البلدة القديمة من الخليل إلى سجن كبير
زين عسقلان
حجارة شاحبة، وأزقة رطبة، وصمت عنيف قد هوى على الطرقات فلا تسمع فيها أصوات الباعة ولا طرقعة الشواكل في جيوب أصحاب المحال التجارية.. و معالم رومانية وتركية تكاد أن تختفي بعد أن دنسها مستوطنون لا يتجاوز عددهم الأربعمائة، وحولوها إلى سجن كبير... تلك هي البلدة القديمة في خليل الرحمن، يلبس الحزن تفاصيلها وصوت الأذان فيها يختلط بصوت القنابل الصوتية وأطفال يستصرخون هل من مغيث!!
عشرة آلاف مواطن يسكنون البلدة القديمة في الخليل، لم يبق لهم الاحتلال إلا شيئا بسيطا من فتات الحياة، فهم لا يعرفون الشمس ولا الهواء فالاستيطان يحيط بهم من كل صوب وناح.
" أعلم أن هدفهم هو أن أترك البيت، لكني لن أفعل ولن أبيع بيتي." هكذا افتتح السيد نضال العويوي- أبو سعيد- حديثه إلينا حين روى لنا قصة استيطان بيته في الجزء الشمالي من البلدة القديمة. فمنذ العام 1998 بدأ البناء الاستيطاني يمتد باتجاه البلدة القديمة وتحديدا بناء مستوطنة " أبراهام أفيلو" التي أصبح بناؤها ملاصقا تماما لبيت عائلة العويوي الذين يسكنون في البلدة القديمة منذ العام 1996.
عرضوا علي مليون دولار
لم يكتف الاحتلال الإسرائيلي بسرقة التاريخ وإنما يريد سرقة الجغرافيا أيضا، فمنذ أن أقام المستوطنون نقطة مراقبة لهم على سطح منزل عائلة العويوي وهم يحاولون محو الهوية الفلسطينية وإلغاء الوجود الفلسطيني واقتلاعه من الجذور، حيث عرض المستوطنون على نضال العويوي شراء منزله الاف المرات..إلا أن العويوي رفض فهددوه بالقتل.
ويقول أبو سعيد: "عرض المستوطنون علي أكثر من مرة مليون دولار مقابل أن أترك البيت ورفضت أن أخرج من البيت، فقاموا بتهديدي بالقتل أنا وزوجتي وأولادي، فرفضت أن أترك البيت، ورسموا على جدار الغرفة من الداخل نجمة إسرائيل ليثبتوا أن البيت لهم."
وتقول أم سعيد:" في كل مرة يراني فيها المستوطنون أدخل البيت يعرضون علي شراء منزلي مقابل أن يدفعوا لي مبالغ خيالية لكني لن أترك بيتي للذئاب، وسأبقى هنا حتى لو قتلوني وقتلوا أطفالي."
أسكن داخل المستوطنة
ذاك الإحساس بالغربة في الوطن لا يفارق عائلة أبي سعيد فسكنهم يعد ملاصقا تماما لبناء مستوطنة " أبراهام أفيلو" وسطح منزلهم يسكنه مستوطنون ويقيمون بجانب البيت تماما فندقا لهم.
ويضيف أبو سعيد : " أقام المستوطنون نقطة لهم على سطح منزلي وأنا اسكن باعتبار داخل المستوطنة فبناء المنزل ملاصق لبناء المستوطنة تماما، وعدا عن ذلك فإنهم يقيمون فندقا لهم على مقربة منا، ويقومون بتفتيشنا حين نتحرك من والى البيت."
وتقول أم سعيد:" يقوم المستوطنون بتكسير البيت وبقلب محتوياته رأسا على عقب في كل مرة يفتشونا فيها، وقاموا مؤخرا بأخذ الهويات من أبنائي والى الآن لم يرجعوهم فهم يريدون أن يمسحوا وجودنا، لكن في كل مرة نزداد نحن إيمانا وقوة."
منع التجوال لأكثر من سبعمائة يوم
أم سعيد التي أنهكتها ممارسات المستوطنين لم يترك لها الدعاء متسعا لان تنطق بغيره فتقول:" لنا الله فهو عالم بالحال وعالم بما نمر به من محنة، وفي فترة أعياد المستوطنين لا يسمح لنا بالتحرك خارج البيت أو أن نفتح شبابيكنا التي تطل عليهم."
ومعقبا يقول أبو سعيد:" نحن الآن نقبع لمنع تجوال مدته أكثر من 700 يوم وذلك تبعا لمزاج المستوطنين فلا نستطيع الخروج أو الدخول والأولاد لا يذهبون إلى المدرسة."
ممنوع حتى الشمس
وتحدثنا أم سعيد:" لدينا شباك يطل على المستوطنة فجاء المستوطنون علينا ليلاً ووضعوا غطاء سميك على الشباك بحجة أننا نكشفهم، فلم نستطع الجلوس بتلك الغرفة وأصبحنا نكتئب لمجرد النظر إليها، وبعد فترة قاموا بإغلاق كافة شبابيك البيت بأغطية سميكة، فمنعوا عنا الشمس."
ويضيف أبو سعيد:" كل البيت محاط بشوادر (أغطية بلاستيكية)، نحن في سجن وليس سجن فحسب، بل سجن مغطى لا نرى فيه الشمس و الهواء وأطفالي أصيبوا بأمراض في الجهاز التنفسي بسب ذلك، ومنزلنا كله محاط بشبك كبير وكأننا في معتقل."
حتى في الشتاء
ولم تسلم عائلة العويوي من أذى المستوطنين حتى في فصل الشتاء، فممنوع أن يغلقوا أبواب الغرف التي تطل على الشارع في البرد القارس، وتضيف أم سعيد:" ممنوع أن نغلق أبواب وشبابيك الغرف التي تقع على الشارع حتى في فصل الشتاء فهم يخافون وجودنا حولهم."
مضيفة: "يقوم المستوطنون برمي الحجار والرمل والأوساخ علينا من فوق فقمنا بوضع الشبك فوق البيت، لا نستطيع أن نأخذ حريتنا داخل بيتنا ولا نتحرك بسهولة."
قتلوا أطفالي
ذكريات متلاحقة انهالت على رأس رب العائلة قد فَقَدَ اثنين من أطفاله بسبب الاستيطان، لكن الإرادة التي ملأت فضاء عينيه جعلته يتابع فيقول: " عندما أحست زوجتي بآلام الولادة منعوا سيارة الإسعاف أن تدخل إلى البيت، وولدت زوجتي في المنزل وترك الطفل مدة أربع ساعات وهو يبكي وكان الحبل السري ملفوفا على عنقه، فتوفي."
ويضيف: " وعندما حملت زوجتي مرة أخرى وكانت في شهرها الثامن ألقوا علينا قنبلة غاز داخل المنزل فتوفي الطفل على الفور، وكرروا الطلب بأن أترك البيت وعرضوا علي مبلغ مالي أكبر من ذلك بكثير لكني لم ولن أتنازل عن أرضي وبيتي."
الاستيطان في كل مكان..يسرق بهجة الأطفال
على مقربة من البيت فندق للمستوطنين، وجدار البيت ملاصق لجدار المستوطنة ومدرسة البنات محاطة بمستوطنات، ومدرسة الأولاد تقع على طريق مستوطنة.. عائلة لم يسجل تاريخها إلى الآن إلا احتلالا ومعاناة..
ويقول أبو سعيد:" عدد أفراد عائلتي 11 و أعمل كشرطي وأواجه صعوبات في الذهاب إلى عملي، فكما أسلفت أسكن ضمن المستوطنة ولا يوجد هناك حصانة لدي ولا أية تسهيلات، ولم نسلم منهم حتى في أيام العيد، ففي ثاني أيام العيد أخرجونا من البيت ليلا وفتشونا وأيضا سرقوا عيدية أطفالي والتي تقارب الألف شيقل وأيضا اعتقلوا أولادي الثلاثة."
ويضيف:" بناتي في مدرسة محاطة بالمستوطنات، وأولادي يدرسون في مدرسة تقع على طريق مستوطنة، لكنهم يصرون على الذهاب كل يوم إلى المدرسة فلن يوقفهم الاحتلال على ذلك."
في وجودنا في بيت العويوي لا تعدو الدقائق معدودة، لأن حضور اللحظات في بؤرة إحساسنا بهذا الطغيان جعل منها دهرا، ومنعنا من التصوير فنحن زائر غريب بنظر المستوطنين..
الحملة الشعبية لكسر الإغلاق المفروض عن الخليل
ومطالبة برفع الإغلاق المفروض على قلب الخليل والبلدة القديمة منها على وجه الخصوص انطلقت الحملة الشعبية لكسر الإغلاق عن مدينة الخليل، فمنذ ثمانية سنوات ومدينة الخليل تعاني من إغلاق ويصعب على المواطنين التحرك منها واليها، وقد اعتصم مجموعة من المتطوعين الأجانب والمحليين وعدد من المؤسسات الرسمية مقابل البؤرة الاستيطانية " بيت رومانو" وبؤرة " الدبويا" الاستيطانية، و كان العشرات من المتضامنين الأجانب مع الشعب الفلسطيني، أتوا من فرنسا وايطاليا ومن دول أوروبية أخرى، شاركوا اليوم في الاعتصام في خيمة الاعتصام الرافضة للإغلاق.
ويقول مدير الحملة الشعبية لرفع الحصار عن مدينة الخليل الدكتور خالد فهد:" إن صورة الوضع في مدينة الخليل بشكل عام والبلدة القديمة بشكل خاص هو وضع إغلاق وحصار لمدة أكثر من ثماني سنوات وهناك إجراءات قاسية بحق الداخلين والخارجين من والى الخليل، والبلدة القديمة و مضايقة لحركة المواصلات وهجمة استيطانية حاقدة تجاه المواطنين، بينما الجيش الإسرائيلي لا يحرك ساكناً."
ويضيف:" الهدف من الحملة هو التعبير عن رفض الجماهير للحصار والاغلاق ومطالبة برفعه."
متطوعون إسرائيليون وأجانب
وتقول حاجيت عوفران، المتطوعة الإسرائيلية في الحملة الشعبية لكسر الإغلاق عن الخليل:" من المهم جدا إنهاء الاحتلال بكل الضفة الغربية وخاصة في الخليل، ونحن نعتقد أن في ذلك مصلحة إسرائيل لأننا نريد السلام بيننا، وهدفي هو تغيير الصورة عن الإسرائيليين المدنيين الذين يرفضون الاحتلال، وهناك الكثير من الإسرائيليين يرفضون الاحتلال والعنف وأنا أملك الكثير من الأصدقاء الفلسطينيين واعتقد انه يجب أن نقضي معا على الاحتلال."
وعن شعورها حين تضامنت مع الفلسطينيين تعبر عوفران:" اشعر بسعادة كبيرة تغمرني لأني منحت الفرصة أن أدافع عن الفلسطينيين واعمل من اجلهم، وأنا اشعر بالضيق حينما أذهب إلى بيتي حرة بينما الفلسطينيون محتلون فليس هناك مساواة."
ويقول المتطوع الفرنسي جستن:" جئنا هنا للتضامن مع الشعب الفلسطيني، ونحن لا نقبل بأي إغلاق يفرض على الفلسطينيين لأن الفلسطينيين لهم الحق في العيش كغيرهم من الشعوب وأشارك في هذه الحملة لأني أؤمن بالحرية لكل شعوب العالم."
التعليقات (0)