مواضيع اليوم

المستجير من الرمضاء.. بـ "الصين"!

ممدوح الشيخ

2009-12-10 16:37:56

0


 

بقلم/ ممدوح الشيخ
mmshikh@hotmail.com

 

منذ غادر العالم العربي حقبة الاستعمار العسكري المباشر وهو يبحث عن طريق النهوض وفي سبيل البحث عن إجابة سالت أطنان من الحبر وسودت عشرات الآلاف من الصحف، فضلا عن الخطب والشعارات والخطط الخمسية و.. .. فيما النهضة مراوغة عصية، تارة تمنح مودتها لشعوب في أقصى الشرق وأخرى تحط رحالها في هذا المكان أو ذاك من عالم الجنوب، والعالم العربي بحر متلاطم بالبشر المحاصرين بالأسئلة عن مؤهلات النهوض وشروطه، وفي أحيان كثيرة تمحورت النقاشات حول "المؤامرة" التي تمنعنا من دخول جنته!
ومع انقسام العالم لمعسكرين خلال الحرب الباردة أصبح هناك مفهوم واضح هو "نماذج النهوض"، ويقصد بها حزمة معايير تحكم التنظيم السياسي والاقتصادي. فأصبحت الديموقراطية والاقتصاد الحر والفردية علامة مميزة للنموذج الغربي وبينما الاشتراكية والحزب الواحد والجماعية علامة على النموذج السوفيتي. ومن الناحية المادية فإن العرب لم يحرموا الموارد الطبيعية ولا الموقع المتميز الذي لا حاجة لأحد إلى أن يجهد نفسه بالحديث عنه، وهم مع طفرة النفط لم يحرموا الموارد المالية الكبيرة، لكنهم رغم هذا يراوحون في مكانهم. وتجربة نخب التحرر الوطني العربية لم تفشل بسبب افتقار صناعها لإرادة النهوض، بل ربما كان اختصار مؤهلات النهضة في "الإرادة" أخطر عورات هذه التجربة. حيث أصبحت كل السياسات تقريبا تستمد مشروعيتها ووجاهتها من "الإرادة" وحسب، ومع تفشي سياسات الإرادة ازداد – بشكل مرضي – تقديرنا للثورية كموقف نفسي حماسي أولا، ثم في مرحلة تالية كرؤية للذات والكون. وعندما تصبح الإرادة قائدا فلا مكان للبحث في التراضي والجدوى والكفاءة والمنفعة المباشرة.
وغلب هذا الميل النفسي على خيارات معظم الدول العربية – ضمن عوامل أخرى – فتوجهت نخب التحرر الوطني للاتحاد السوفيتي كحليف سياسي أولا، وفي النهاية كنموذج للاستلهام، وعندما سقط الاتحاد السوفيتي ومعه نموذجه السياسي والاقتصادي تحولت قطاعات واسعة من نخبتنا نحو الصين وأصبح هناك هوس، بالمعنى الحقيقي للكلمة، بالنموذج الصيني، واختلط التحليل بالتبشير وزالت الخطوط الفاصلة بين التقييم والتسويق!
وفجأة أصبحت الصين تقدم في الإعلام العربي كقارب نجاة وفي الوقت نفسه كتجربة يمكن الاقتداء بها، وأصبح هناك معجم مصطلحات ضخمة فخمة أشهرها "المعجزة الصينية"، وأصبحنا مدعوين للاطمئنان التام إلى أن النموذج "المعقم" من الديموقراطية يمكن أن يحقق لنا النهوض، وأصبح هناك نفوذ اقتصادي كبير في بلادنا والشواهد يمكن اختصارها بالقول إن العالم العربي اجتاحته حالة هرولة نحو الصين، والمثير أنها لا تكاد تزعج أحدا.
والرهان على الصين – كحليف سياسي أو نموذج للنهوض – ينطوي على أوهام وخطايا قاتلة، فبسبب الخلل الجسيم في النموذج الصيني الذي أعطى الدولة حق إجبار كل أسرة على إنجاب طفل واحد، ستصبح الصين بحلول 2050 أكبر متضرر في العالم من مشكلة الشيخوخة بجيش من المسنين يفوق 400 مليون، ما سيجعل اقتصادها أمام خلل لا يستبعد أن تتسبب بانهياره. وبسبب محاولة الجمع بين الاقتصاد الحر وحكم الحزب الواحد توجد مناطق كاملة في الصين يعمل فيها الناس في المصانع مقابل وجبة أرز تبقيهم فقط قادرين على العمل، وهي عبودية مطابقة تماما للوضع في معسكرات السخرة النازية.
وفي العدد الأخير من مجلة نيوزويك العربية (27/10/2009) تحليل مدهش للأخطاء الشائعة عن "المعجزة الصينية" منها مثلا أن الشيوعيين مديرون اقتصاديون جيدون لكن الحقيقة أن "التماسك" الصيني سببه خطة تحفيزية بقيمة 600 مليار دولار هي الأضخم في العالم (كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي) وهي في التقييم الاقتصادي غير المسيس منعت الاضطرابات السياسية وحسب، وستصيب الاقتصاد بتشوهات على المدى الطويل بسبب الاعتماد شبه الكامل على الاستثمارات الحكومية، (88 % من نمو الناتج المحلي الإجمالي في النصف الأول من 2009) وهي نسبة يصعب إيجاد مثيل لها بأي بلد في أي وقت. وبعض الأموال ذهبت إلى "جسور لا تفضي إلى أي مكان"!!
كما أن 60 % من أموال الخطة التحفيزية انتهى بها المطاف في البورصة وسوق العقارات ما يزيد احتمال حدوث ارتفاع مفرط بأسعار الأصول. والأزمة كشفت الدور الخفي للدولة التي تسيطر على القطاعين العام والخاص فعليا. ومن العيوب القاتلة في النموذج الصيني النظام التعليمي الذي لا يشجع على الإبداع والابتكار بل يركز على حفظ المعلومات وبسبب الأزمة المالية صدرت أوامر من بكين تقضي بضرورة مضي الشركات قدما في عملية الابتكار.
وإذا صح ما نشر عن وعد صيني باستخدام الفيتو الصيني لمنع إحالة تقرير غولدستون لمجلس الأمن لإصدار قرار دولي بإحالة الملف للمحكمة الجنائية (الحياة اللندنية 21 أكتوبر 2009) فإن الصين تكون قد فقدت صورتها الخيالية كحليف سياسي محتمل أيضا، وهو ما يلخصه قول الديبلوماسي، المفكر القومي المصري الدكتور مصطفى الفقي إن "الاعتماد عليها قد لا يكون مجدياً في ظل المتغيرات السياسية الجارية والظروف الدولية الراهنة"! (الحياة اللندنية 13 أكتوبر 2009).




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !