مواضيع اليوم

المستبد بأمر الله

محمد شحاتة

2012-08-15 15:07:52

0

 

                                

 يمكنني الآن , وبكل يقين , وبضمير مستريح , أن أبرئ ساحة "حسني مبارك"  و" السادات"  و" جمال عبدالناصر" وجميع من حكمونا  وصولاً إلى عصر "الفراعنة" ..

أقول يمكنني الآن أن أبرئهم جميعاً من نزوعهم نحو الحكم الفردي , المطلق , المستبد الذي يصير فيه الحاكم هو الأول والآخر ,  وهو الآمر والناهي , وهو المعز و المذل !

وهو " الإله المعبود" كما في حالة الفراعنة ..  وهو " الذي لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون"  كما في حالة حكام مابعد ثورة يوليو 1952 ,  وهو (ظل الله على الأرض)  كما في حالة " محمد مرسي"  حاكم مصر بعد ثورة يناير 2011 ..

فنحن "الشعوب" الذين نصنع من حكامنا آلهة , وأرباباً , وجبابرة , وطغاة ومستبدين ..

نحن الشعوب الذين نتقلب في عبادتنا لحكامنا رغباً ورهبا .. نخشاهم فنعبدهم .. ونهواهم  فنعبدهم ..

وفي الحالتين ليس من حقنا نحن العبيد أن نسائل ملوكنا  .أو ننتقدهم  , أو نحاسبهم  .. بل فقط نعبدهم  ..ونتمرغ على أعتابهم .. ونسبح  بحمد عبقريتهم , ومفهوميتهم , وألمعيتهم , ولوذعيتهم , ونجابتهم ..

جميع نظراتنا لحكامنا واحدة , مهما اختلفت العهود , والأزمان , والدهور ..

ومهما اختلفت أشكال وأنظمة الحكم من فرعوني إلى خديوي إلى سلطاني إلى ملكي إلى رئاسي ..

تختلف الأسباب التي يستمد منها الحاكم طغيانه وتسلطه واستبداده باختلاف العصور  ..

فهو في الحقبة الفرعونية يستمد طغيانه واستبداده من استعباده لشعبه باعتبار ألوهيته وربوبيته لشعبه  الذي قال فيه  فرعون " ما علمت لكم من إله غيري " ...

وهو في الحقبة  "الملكية " باعتبار الملك  قد ورث الشعب عن آبائه من الأسرة العلوية  كقول الخديوي لأحمد عرابي " إن أنتم إلا عبيد إحساناتنا " ..

وهو في الحقبة  "الرئاسية" باعتبار حق الضباط الأحرار في امتلاكنا لأنهم خلصونا من ربقة واستعباد "الملكية" .. إلى أن قال فينا عبد الناصر " غرست فيكم العزة والكرامة  " , وقال السادات "ما يبدل القول لدي " ...وأخيراً قال محمد مرسي " اتقوا غضب الحليم " ..

ونحن "الشعوب" في كل حال ..وفي كل زمن ..وفي كل وقت ليس لدينا سوى الخضوع المطلق .والخنوع التام ..وإظهار الطاعة المقيتة الماسخة التي ستجد حتماً طعمها "المقرف" في إسباغ هالات البهر والانبهار بكل حركة  , وبكل سكنة , وبكل وقفة , وبكل قعدة , وبكل ميلة, وبكل ضرطة ,  وبكل نظرة ,  وبكل تصرف ,  وبكل حرف ينطقه لسان "الحاكم" ..

وليست تكمن هنا  المشكلة .. لكن المصيبة  أن الذي تلده أمه في يوم نحس هو ذلك الذي يفكر مجرد تفكير في نقد أو معارضة "رأي " أو قرار الرئيس أو الحاكم .. فالكارثة لن تكون في ردة فعل الحاكم أو الرئيس الباطشة  بمن يخالفه الرأي , بل المصيبة في ذلك  الشعب المخلص في عبادة حاكمه والذي يتطوع بسب , وضرب , وطحن , وتشريد , وتخوين , واتهام المعارض أو المخالف بالعمالة , وبالخسة , وبالوضاعة , وبالجاسوسية , وبالردة ,  انتهاء بالكفر ..كل هذا لأن المعارض  تجرأ على مخالفة الحاكم ..

ينقسم الشعب في نظرته لهذا الحاكم الطاغية المستبد إلى نوعين,أو لونين لا ثالث لهما . .

موالون , مطبلون , مزمرون , مزينون , مجملون للحاكم كل أعماله ..

وآخرون من دونهم غوغاء حاقدين  حاسدين ,  مرتدين ,  كفاراً عليهم اللعنات ولهم الاعتقالات,  والمحاكمات , وقاع الجهنمات ..

لذا يصير الحاكم في بلادنا طاغية , ولو لم يكن الطغيان في دمه .. ومستبداً ولو كانت ينابيع الرحمة تتدفق من شرايينه ..ذلك  بفضل شعوب فقدت القدرة على المحاسبة , أو النقد , أو المعارضة , أو النظر إلى الحاكم على انه كان بالأمس القريب "بشراً" يأكل الطعام , ويمشي في الأسواق..

فالشعوب ترى التصرفات "المنفردة" للحاكم "عبقرية فذة " .. وترى حنث الحاكم بعهده " وفاء نادراً " ..

وترى غدر الحاكم بمن أعطاهم الأمان والميثاق الغليظ "ضربة معلم " .. وترى انقلاب الحاكم على الشرعية وعلى القوانين " معجزة إلهية " ..وترى انفراد الحاكم بما ليس من حقه ولا من سلطاته " آيه من آيات الله " .. وترى كل من يحذر وينذر بأن الحاكم يتحول إلى الديكتاتورية والاستبداد " حاقداً , حاسداً , بغيضاً , مبغضاً عدواً جهولا" ..

ثم نحتاج عقوداً فوق العقود حتى نكتشف "ضربات الأقلام" على الأقفية قصدي على ملايين الأقفية حتى نفيق .. وتضطر الأجيال الصاعدة المخنوقة بقيود الاستبداد والطغيان أن تثور وتفك قيود الرق  عن أقدام  أصحاب الأقفية العريضة الذين أوردوا أولادهم وأجيالهم موارد الضياع والدمار بسبب ميلهم "الغريزي" نحو العبودية للحاكم وتأليهه من دون الله ...

نحن نحتاج أول ما نحتاج ليس للطعام ولا للماء .. بقدر ما نحتاج إلى أن نتحرر ولو قليلاً من ممارسة طقوس "العبودية" والانبهار والتضوع بمسك التمرغ على أعتاب "الحاكم " ..

فكل الحكام يأتون إلى شعوبهم بشراً عاديين والشعوب هي التي تؤله حكامها ..

جاء عبدالناصر حاكماً عادياً بلا خبرة سياسية وانتهى إلى أن قيل فيه ( أحكم..  فأنت العزيز المقتدر )

وجاء السادات مستهلاً خطاه على أثر ومبادئ عبدالناصر وانتهى إلى أن قيل فيه (لو كان الأمر بيدنا لرفعناك  إلى مرتبة من لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون )

وتم تعديل مادة الدستور الخاصة بمدة الحكم في عهده ليتم إطلاقها مدى حياة الحاكم .. ولم يستفد منها السادات بسبب اغتياله بل استفاد منها مبارك الذي ظل في الحكم ثلاثين عاماً كاملة  ..

وجاء مبارك قائلاً أن " الكفن ليس له جيوب " وبالعبودية , والخنوع له, و خرج من الحكم  (متهماً)  بأنه أكبر سارق في التاريخ لشعبه ..

وها هو محمد مرسي قد جاء على الخلفية الدينية ولم يمض عليه أياماً في الحكم  حتى صارت حركاته في نظر الشعب "ضربات معلم " وغدراته " معجزات إلهية" , وحركة تنقلاته " آية من آيات الله " وصلواته "المفروضة" "وحياً يوحى" ..  لينتهي الأمر به "حتماً "  لأن  يكون " المستبد بأمر الله"  ..

وليرحم الله مصر ..

                         أيُّها الناسُ

                         لماذا نُهدِرُ الأنفاسَ في قيلٍ وقالْ ؟

                         نحنُ في أوطانِنا أسرى

                        على أيَّةِ حالْ

                         يستوي الكبشُ لدينا والغزالْ

                         فبلادُ العُربِ قد كانتْ

                        وحتّى اليوم هذا

                        لاتزالْ

                        تحت نير الإحتلالْ

                       من حدود المسجدِ الأقصى

                       إلى "البيتِ الحلالْ" !

                       لا تُنادوا رجُلاً

                       فالكلُّ أشباهُ رجالْ

                      إنني لا أعلمُ الغيبَ

                     ولكنْ .. صدقوني :

                     ذلكَ الطربوشُ

                    مِن ذاكَ العقالْ .. 

من قصيدة "أقزام طوال" للشاعر العراقي أحمد مطر ... 




التعليقات (0)

أضف تعليق


الشبكات الإجتماعية

تابعونـا على :

آخر الأخبار من إيلاف

إقرأ المزيــد من الأخبـار..

من صوري

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي صورة!

فيديوهاتي

عذراً... لم يقوم المدون برفع أي فيديو !