المساجد والتدين
في البلاد العربية من محيطها لخليجها تنتشر المساجد وتتكاثر بشكل متزايد , فالمجتمعات العربية مجتمعات متدينة بطبيعتها سواءً مسلمين أو غير ذلك , تكاثر دور العبادة خاصة المساجد قد تكون عند البعض علامة على التدين الإيجابي وقد تكون غير ذلك .
المنطقة الخليجية وتحديداً السعودية تحتضن الآف المساجد ففي إحدى اللقاءات الصحفية تحدث وكيل وزارة الشؤون الإسلامية عن عدد الجوامع والمساجد البالغة في العام 1435هـ (304ر94) أربعة وتسعين ألفا وثلاثمائة وأربعة جامع ومسجد في جميع مناطق المملكة، وقال أيضاً أن المبالغ المخصصة لرواتب الأئمة والمؤذنين وخدم المساجد تصل إلى (000ر000ر220ر2) مليارين ومائتين وعشرين مليون ريال . """جريدة الجزيرة 19 شعبان 1435هـ""" , رقم كبير من الناحية العددية والمصروفات المالية لكنه يتناسب مع حجم ومساحة البلاد , أعداد المساجد قد تشكل عبئاً كبيراً على خزانة الدولة إذا لم يتم ضبط تبرعات المتبرعين وضبط طلبات إنشاء مساجد جديدة على نفقة الدولة أو عن طريق التبرع ووضع آليات تمنع ازدحام الأحياء بالمساجد وتحد من إنشاء مساجد على أطراف المزارع وأطراف القرى والهِجر , المساجد مؤسسة ذات صبغة دينية ووجودها مرتبط بهوية المجتمع الدينية رغم بعض الأخطاء الفكرية التي يقع فيها الخطباء والأئمة والتي حولت مآذن ومنابر المساجد لأدوات شحن طائفي أو تضليل فكري أو وسيلة أدلجة متسترة بالدين والتدين وتلك مشكلة ليست مرتبطة بعدد المساجد فقط بل مرتبطة بالبنية الفكرية المتشددة وضعف التأهيل والتدريب وغلبة مذهب فكري على أخر وفقدان الإحساس بالمسؤولية الدينية والوطنية !.
المساجد دور عبادة وتوجيه ولست دور تضليل وتسجيل مواقف ومقرات زيادة دخل لموظفين , فغالبية الأئمة موظفين في سلك القضاء أو التعليم وهنا خلل لماذا لا يتم حصر الإمامة وتحويلها لوظيفة رسمية بمرتبة معينة قائمة على التدريب والتأهيل والتخصص وبذلك نقضي على بطالة خريجي الكليات الشرعية والدراسات الإسلامية ونقضي على حالات فردية تسترت بالتدين بغية الحصول على مكافأة الإمامة ولسان حال المتستر يقول دنيا ودين ؟.
في الفترات التاريخية القديمة كانت المساجد إحدى وسائل الشحن والتجييش وجمع التبرعات وبعد أن تكشفت الحقائق بدأت خطوات إعادة هيكلة المساجد كمؤسسات وحتى هذه اللحظة ما تزال تلك الهيكلة محدودة التأثير لم تتجاوز الرقابة وإرسال التعاميم للأئمة , الهيكلة المنشودة والمرتقبة يجب أن تضع في اعتبارها التخصص الدقيق لمن يقوم بوظيفة الإمامة والخطابة ويجب أن تركز على تحويل المساجد لوسائل مساعدة ومؤثرة في تعزيز الجبهة الوطنية وإزالة الترسبات الفكرية الناتجة عن التطرف والتشدد والتعصب لمذهب معين أو طائفة أو جماعة ذات أهداف سياسية , تحويل المساجد لوسائل مساعدة ومؤثرة هدفه الحقيقي تحويل المنابر إلى منابر توجيه وإرشاد حقيقي بعد أن كانت منابر وعظ وتضليل وتعصب وتحزب تزرع بذور الانقسام وتسقي بذور التطرف والتشدد بماء مخلوط بالتدين محسوب على الدين كقيمة عالية ؟
ليست كل المنابر واقعة عن قصد أو جهل في وحل التضليل والتطرف بل هناك من هو واقع ويكفي الإطلاع على نماذج الدروس الشهرية واليومية وخٌطب الجمعة لتكتشف حجم الكارثة الحقيقي , كثرة المساجد يراها البعض علامة على تدين المجتمع لكنها في الحقيقة ليست علامة صائبة بل هي علامة هلامية فالتدين سلوك والدين قيمة , إذا لم تكن السلوك محكومة وفق المثل العليا للدين فإن ذلك التدين تدين هلامي ليس بحقيقي فكيف نفسر التشدد والتطرف القولي والعملي والقيمة العليا تدعونا للوسطية في كل شيء وكيف نفسر تبريرات القتل وعمليات الإرهاب وتأييد الفرق المتطرفة سياسياً ومذهبياً وفكرياً والقيمة العليا تحثنا على الوسطية والالتزام بالقيم الوطنية والمٌثل العليا بغض النظر عن العواطف والمواقف , إذا التدين ليست علامته تكاثر المساجد ودور العبادة بل علامته الحقيقية السلوك الفردي المنسجم مع المثل والقيم العليا للمجتمع بوجه عام , كثرة المساجد ليست علامة تدين بقدر ماهي علامة على أشياء مفقودة لعل من أهمها الوسطية كممارسة وليست مفردة ؟.
التعليقات (0)