المساجد دار عبادة
المسجد أول مؤسسة مجتمع مدني عرفها الإسلام , فالمسجد في عصر صدر الإسلام كان يقوم بأدوار تعليمية وإعلامية وعسكرية وكان مؤسسة للشورى ومركزاً للدعم المالي والإغاثي هذا قديماً أما اليوم ومع بروز أفكار التحديث والإصلاح ودولة المؤسسات أصبح للمسجد أدواراً معينة متخصصة كدار عبادة ومركزاً لتحفيظ القرآن الكريم وإقامة الندوات العلمية والفقهية وذلك طبيعي جداً في ظل تزايد الإقبال على المسجد لأداء العبادات اليومية .
المساجد مقرات عبادة مقدسة في عرف المسلمين وهي كذلك لكنها أصبحت في ظل تنامي الصراعات الفكرية والسياسية داخل المجتمعات مؤسسات مساهمة بطريقة مباشرة في تأجيج تلك الصراعات بأشكال مختلفة والمساجد كمنشآت بريئة من ذلك لكن من يقوم عليها هو المتسبب الحقيقي في تحولها ذلك .
كم من خطبة جمعة ألقت بشباب في مهالك ,وكم من درس ظاهره فقهي باطنه شاحن للعواطف , وكم من دروس و محاضرات تشرخ الوحدة الوطنية وتصيبها في مقتل , وكم من أموال جٌمعت على الأبواب ظاهرها إغاثة المنكوبين وباطنها دعم مليشيات وقوى متطرفة لا تعرف من الإسلام سوى الاسم فقط , كل تلك المصائب حدثت قديماً وحديثاً وما يزال بعضها يحدث كالشحن الفكري والخٌطب الرنانة الجالبة للمصائب , الوعي المجتمعي كان له أثر في تحجيم بعض الممارسات والرقابة الصارمة كان لها أثرٌ كبير في التحجيم لكن ما يزال ينقصنا الكثير والكثير لتتحول المساجد إلى دور عبادة وتوجيه بالحسنى بعد أن يتم نزع الغطاء عن بعض من يحاول جعلها أداة ووسيلة شحن وتضليل وشق للصف الوطني والقومي عن جهل أو عن قصد ؟.
بعض الخطباء تحول لسياسي بقدرة قادر وتحول لطبيب ومرشد وأخصائي اجتماعي فخلط الحقائق السياسية والطبية والاجتماعية بقالب هلامي متعمداً في الغالب وعن جهل أحياناً أخرى , يمارس بعض الخطباء عمليات متعددة معقدة شحن للعواطف وتحويل للقلوب من قلوب مطمئنة إلى قلوب متحجرة عازفاً على العاطفة تارة ومستدلاً بالآيات والنصوص تارة أخرى يسجل مواقف في صفحات أحداث دموية دون أن يٌدرك أن تسجيلاته ستكون مبررات لكوارث مستقبلية , بعض الخطباء يدفعهم لاقتراف ذلك الخطأ الحزبية الضيقة والأيدلوجية الضيقة أيضاً والبعض يدفعهم الغباء والجهل وكلا الدافعين خطير في زمن باتت فيه الكلمة أشد من وقع الرصاص وضرب السيوف ؟.
دافع الغباء والجهل وإن كان كارثي لا يوازي دافع الحزبية والأيدلوجية الضيقة , فالحزبية والأيدلوجية توقع المجتمع في تصادم وتٌحدث شرخاً كبيراً بالصف الوطني ويبدأ بسببها العامة يتبادلون الاتهامات وتوزيع صكوك الولاء والانتماء والغفران على بعضهم البعض سراً وجهراً , الخطيب الحزبي المؤدلج يستغل المنبر لبث سمومه وأفكاره في أوساط المجتمع متلبساً بالتدين تارة وبتنويع خطب الجمعة تارة أخرى يدس السم في العسل , يجيش العواطف ويقلب الحقائق يحول الباطل حقاً والحق باطلاً والهدف من كل ذلك نصرة التوجه الحزبي الفكري الأيدلوجي الضيق ؟.
الفكر حق والحرية الفكرية حق كذلك ومن حق أي شخص التفكير والتفكر والتدبر باستقلالية والتعبير عما بداخله بحرية تامة ضمن وعاء وطني لا يمس الوطن ولا المعتقدات والمسلمات والثوابت الدينية والوطنية بأي شكل من الأشكال , لكن بعض الخطباء والفقهاء كما يتم مناداتهم وتسميتهم نصبوا أنفسهم أوصياء على عقول الناس وعلى قضاياهم المختلفة , فاختلقوا الصراعات وأججوا أخرى داخل المجتمع الواحد حتى وصل تأثيرهم السلبي إلى الخارج بعد أن استغلوا بعض الأحداث لتمرير أجندة حزبية وفكرية خفية ؟.
الربيع العربي ليس الوحيد الذي أٌستغل بشكل سلبي من قبل خطباء وفقهاء بل سبقه حوادث كثيرة وكبيرة اٌستغلت أبشع استغلال فكانت النتائج سلبية عكسية ليست في مصلحة الشعوب والمجتمعات وإنما في مصلحة أفراد وقوى وجماعات فئوية لا هم لها سوى السيطرة وإعادة إنتاج الاستبداد وبعث التاريخ القديم من تحت الرماد , الفقيه والخطيب بشر معرضان للخطاء والصواب لكن في الأدبيات الحزبية الفئوية الضيقة مغفور لهما فالهالة القٌدسية تحيط بتلك الشخصيتين الفريدتين في المجتمع الشرقي الفريد بغباءه وقله وعيه , كوارث تلك الشخصيتين لا حصر لها وأقصد هنا بالشخصيتين اللتان تتستران بستار الدين والتدين لتمرير أجندات مؤدلجة فمن الكوارث تقسيم المجتمع المٌسلم إلى فسطاطين فسطاط إيمان يٌسمى إسلامي وفسطاط غير إسلامي فكيف يحدث ذلك ولمصلحة من ؟
يحدث ذلك داخل المجتمعات المسلمة كالمجتمع السعودي على سبيل المثال فالمجتمع السعودي مجتمع مسلم بأكمله لكن تلك الفئات قسمته لفسطاطين إسلامي وغير إسلامي والعلامة لذلك تتمثل في أمرين الأول تأييد الجماعات والقوى والحركات الفكرية المؤدلجة المتسترة بستار الإسلام والتدين فمن يؤيدها إسلامي ومن يعارضها وينقدها فهو غير إسلامي يٌحارب الله والرسول وأهل الدين أما ثاني العلامات فهو الانتماء المذهبي فمن كان على مذهب الفقيه والخطيب فهو مسلم ناصع الإيمان وأما عداهم فالفسق والفجور والظلال أقرب لهم من الإيمان , فالدين محصور في تلك الفئة وفي من سار خلفها مؤيداً وداعماً ومهللاً ومصفقاً ومطبلاً !.
في المجتمعات الأخرى المتنوعة المتعددة في مذاهبها وأديان مواطنيها فتلك الفئة أصابت وحدة تلك المجتمعات في مقتل فربطت الوطنية بالانتماء الديني فقط غافلة ومتناسية الانتماء للأرض ومتجاهلة عصر صدر الإسلام وكيف حفظ الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام حق المواطنة لأتباع الديانة اليهودية والنصرانية , الوطن ملك للجميع والدين لله والإنتماء المذهبي أو الديني أو الفكري ليس مبدأً لقياس الوطنية أو لتمرير شهادة المواطنة للأفراد فالمواطنة قائمة على الشراكة وعلى الإنتماء للأرض فقط ؟
التعصب الأيدلوجي الذي يعاني منه بعض الخطباء والفقهاء بالوطن العربي والإسلامي أحدث شرخاً كبيراً ودموياً داخل صفوف المجتمع فبرزت بسببهم قوى وجماعات تؤمن بالعنف ترفع شعار الإسلام وتنتهكه بممارسات وسلوكيات دموية وبرزت أدبيات متطرفة تشرعن القتل والإجرام وبرزت ظواهر سلبية كثيرة من أهمها التمرد على النصوص الشرعية بعد لي أعناقها والخروج على المجتمع بالسلاح والتاريخ شاهد على كل تلك الظواهر والحوادث البارزة !.
الخطيب أو الفقيه الجاهل دواءه التعليم والتدريب أما الخطيب والفقيه الحاقد المؤدلج فدواءه النٌصح أولاً والاستئصال إذا لم ينته ويترك التضليل والظلال فوجوده عامل هدم وتدمير وليس عامل بناء وتعايش وتعددية وتعزيز للقيم .!.
تحولت مساجد الأمة العربية والإسلامية لمراكز وعظ وتجييش وتضليل فكري مستنداً على نصوص شرعية فٌسرت وفق الهوى الأيدلوجي والحزبي وتلك مصيبة وكارثة أفقدت المساجد رونقها وقدسيتها فمتى تعود المساجد لحضن المجتمعات فهي مختطفة مسيسه مؤدلجة وبيد فئات خاضعة لأفكار أيدلوجية وحزبية متسترة بستار الدين والتدين فالمساجد دار عبادة وليست داراً للتضليل والخِداع وتوزيع شهادات الولاء والانتماء الوطني ؟.
التعليقات (0)